هل الحكومة السّوريّة تعمل بمضمون القرآن الكريم والدّستور ؟ وكيف يتمّ ذلك ؟!.
من المفيد بدايةً الإشارة إلى أنّ دستور الجمهوريّة العربيّة السّوريّة أكّد على وجوب أن تكون الشّريعة الإسلاميّة مصدر التّشريع في الجمهوريّة ، وهذا ما نصّت عليه المادة الثّالثة من الفصل الأوّل وقد أشار إلى المبادئ السّياسيّة ، وجاء في المادة الثّالثة منه ما يلي : " الفقه الإسلاميّ مصدر رئيسيّ للتّشريع " ، وبالتّالي فإنّ ما تصدره الحكومة من قرارات وما يقدّمه مجلس الشّعب من تشريعات قانونيّة تتماشى مع تلك المادة ، ولنأخذ أمثلة على ذلك :
وزارة الموارد المائيّة التي لم تسع لتأمين مياه الشّرب للمواطنين ، ومثّلتُ لهذا في مقال سابق منطقة سلمية في محافظة حماة ، فهناك أزمة في تأمين المياه لها ، تلك الأزمة التي أرهقت المواطنين منذ ما يزيد على أربعين عاماً ، والمياه لا تُضَخُّ إلّا ليلاً بمعدّل يوم لكلّ حارة تقريباً أي : مرّة واحدة كلّ خمسة أيّام ناهيكم عن المعاناة والسّهر نتيجة ذلك ، والجهات المسؤولة تدّعي أنّ وضع المياه جيّد ، ويبدو أنّها وجدت الجودة في إرهاق المواطنين ومعاناتهم بدل إيجاد حلّ دائم يؤمن الاستقرار المائيّ ، وكي يعتمد المواطن في استحمامه على التّيمّم ، وهذا ما ورد ذكره في القرآن الكريم في الآية الثّالثة والأربعين من سورة النّساء ، والتي جاء فيها قوله تعالى :
" وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إنّ الله كان عفوّاً غفوراً " .
وكذا الحال في بعض الوزارات الأخرى كالنّفط والنّقل والتّجارة الدّاخليّة وحماية المستهلك التي لم تسع لتأمين المحروقات للمواطنين سواء في النّقل أم التّدفئة ، ورفعت سعرها مراراً كي يعود الإنسان إلى الحالة البدائيّة في الحياة ليركب الخيول أو البغال أو الحمير في محاولة منها لتطبيق النّص القرآنيّ الوارد في الآية الثّامنة من سورة النّحل وجاء فيها :
" والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون " .
وسعت وزارة الكهرباء للتّقنين وإجراءات عديدة أرادت من خلالها تحقيق ما عجز الإرهاب عنه ليعيش الإنسان في ظلام من منطلق التّوفير على المواطن كي لا يصرف ما تقدّمه الحكومة له من فُتاتٍ تكفيه لأيّام ، فأرادت أن تعمل على تحسين واقعه المعيشيّ ، وهذا ما صرّح به وزير الاقتصاد أيضاً والسّيّد عرنوس رئيس الحكومة بأنّ الحكومة تسعى لتحسين الواقع عبر أساليبَ عديدةٍ ، وسخر السّيّد محمّد سامر الخليل وزير الاقتصاد من الشّعب عندما ادّعى أن الشّعب سيلمس التّحسّن عبر إجراءات ، وأعتقدُ أنّ قطعَ التّيّار الكهربائيّ من تلك الإجراءات ، فكان قطع التّيار عن الشّعب لخمس ساعات مقابل ساعة واحدة وصل هو حالة من حالات التّوفير على المواطن _ حتّى لا يصرف أمواله في إنارة منزله وهذا يمثّل رؤيا استراتيجيّة في التّوفير _ فيعيش المواطن في ظلام دامس حتّى الآن بتوفير في الطّاقة والمال ، والوزارة تعمل على تطبيق التّشريع الإسلاميّ باعتماد الإنسان على الشّمس والقمر في الإنارة ، وهذا ما نصّت عليه الآية الخامسة من سورة يونس التي ورد فيها قوله تعالى : " هو الذي جعل الشّمس ضياءً والقمرَ نوراً وقدّرهُ منازلَ لتعلموا عدد السّنين والحساب ما خلق الله ذلك إلّا بالحقّ يفصّل الآيات لقومٍ يعلمون ".
وسعت وزارة التّجارة الدّاخليّة وحماية المستهلك مراراً أيضاً لينعم المرء بمرضاة ربّه بعدما رفعت الأسعار أكثر من مرّة ، وبعض النّاس ظلموا الحكومة بأنّها تريد تجويعهم أو موتهم جوعاً وقهراً ، ويأتي الوزراء ليبرزوا أنّ الأسعار أدنى من دول الجوار ، وقد تغافلوا عن الرّواتب والأجور المتدنيّة أيضاً مقارنة بدول الجوار ، ولكنّ الواقع الذي عملت له تلك الوزارة لم يكن الهدف منه سوى الحفاظ على القيم الإسلاميّة وتطبيق أركان الإيمان كي يحافظ المرء على صلته بالخالق عزّ شأنه وعلا ، وكي يحافظ الإنسان على تقواه بالصّيام ، وأنّ الخير للمرء في صيامه ، وهذا تطبيق لما ورد في الآية مئة وثلاثٍ وثمانين من سورة البقرة في القرآن الكريم ، وفيها قوله تعالى :
" يا أيّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصّيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون " ، وكذا الحال في الآية مئة وأربعٍ وثمانين ، والتي جاء فيها قول الله عزّ وجلّ :
" وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون " .
ووزارة الصّحّة لم تكن أحسن حالاً من سابقتها التي أدركت أنّ الإنسان لا بدّ ميّت ، فلذلك رفعت أسعار الدّواء كي يموت في حال عدم استطاعته تأمين الدّواء ، ولكنّ هدفها لم يكن كما يُشاع مرضاة لأصحاب المعامل ، أو ربّما تتعامل بغير الليرة السّوريّة ، أو قد تكون مخالفة المراسيم الخاصة بذلك ، لكنّ هدفها في الواقع : الحرص على مرضاة الله عزّ وعلا الحيّ القيّوم ، وهي تبرز إيمانها بقضاء الله وقدره وأنّ كلّ من كان على الأرض سيفنى ويموت ، وهي تستمدّ عملها من القرآن الكريم استناداً لقوله تعالى في الآيات السّادسة والعشرين والسّابعة والعشرين والثّامنة والعشرين من سورة الرّحمن ، وفيها قول الله تعالى :
" كلّ من عليها فانٍ ( 26 ) ، ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام ( 27 ) ، فبأيّ آلاء ربّكُما تُكذّبان ( 28 ) " .
ولعلّ وزارة الماليّة لا تختلف عما سبق من إشارات تستند في إجراءاتها للقرآن الكريم ، وهي تمثّل عمل الحكومة مجتمعة في إيمانها بأنّ الله تعالى عزّ شأنه باسط السّماء والأرض يرزق من يشاء بغير حساب ، ليكون المواطن آخر اهتماماتها في تأمين رزقه وكسب لقمة عيشه ، وتعدّ نفسها تَبَعاً لذلك غير مسؤولة عن رزقه ، بما أنّ الله تعالى يكفل ذلك الرّزق ، وإن خالفت الدّستور المعمول به منذ عام ألفين واثني عشر الذي نصّ في فقرته الثّانية من المادة الأربعين التي نصّت على " ألّا يقلّ المردود للعامل عن الحدّ الأدنى للأجور الذي يضمن متطلّبات الحياة المعيشيّة وتغيّرها " .
والحكومة لا تسعى لمحاسبة أحد إلّا في الشّعارات التي ملّها النّاس ، وأكل الدّهر عليها وشرب بعدما عمّ الفساد واستشرى في سورية ، واحتلّت سورية بموجبه المرتبة الأولى شرق المتوسط والثّانية عربيّاً في انتشار الفساد _ وفق تصنيف منظّمة الشّفافية الدّوليّة _ وقد اعتمدت وزارة المالية الحالية والسّابقة على الآية الكريمة السّادسة من سورة هود ، والتي جاء فيها قول الله جلّ ذكره :
" وما في الأرض من دابّة في الأرض إلّا على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتاب مبين " ، وكذلك فإنّ الله تعالى هو وحده الذي يحقّ له الحساب يوم القيامة ، ومن هنا فإنّ الحكومة لا يمكن أن تحاسب أحداً من الفاسدين أو المرتشين انطلاقاً من قول الله تعالى في الآية السّابعة والأربعين من سورة الأنبياء وورد فيها قوله سبحانه وتعالى :
" ونضعُ الموازينَ القسطَ ليوم القيامة فلا تُظلَمُ نفسٌ شيئاً وإن كان مثقالَ حبّةٍ من خردَلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وسواها من آيات كريمة أشارت ليوم الحساب ، وكيف للهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش أن تحاسب السّادة الوزراء وهي تتبع لرئاسة الوزراء ؟!، ولذلك تتركهم لربّهم الذي له الحقّ وحده بالحساب .
ولابدّ لنا أن نتذكّر أيضاً اقتراح إحدى الحكومات السّابقة فكرة رفع ثمن ربطة الخبز أو تقليل وزنه وحجم الرّغيف أمام القائد المؤسّس حافظ الأسد الذي قال : " رغيف الخبز أكثر من خطّ أحمر وإذا خرج المواطن في مظاهرة ضدّ الحكومة ، سأكون أنا أوّل من ينزل إلى الشّارع " ، فأين تلك الحكومة ممّا قاله القائد المؤسّس ، ولماذا تضرب بكلامه عرض الحائط ؟! ولماذا تحارب الشّعب بلقمة عيشه ؟!... وربّما تطالعنا الأيّام القادمة بأزمات داخليّة إضافيّة سببها اختلاق أزمات من أجل إدراج مواد أخرى مختلفة ضمن عمل شركة تكامل ، ومن غير المستبعَد أن يتمّ الزّواج وما يجري فيه بين الزّوجين واستنشاق الهواء لاحتساب عمليات الشّهيق والزّفير أو التّنفّس لتركيب عدّادات لذلك التّنفّس وفق عملية إحصائيّة تقوم بها الحكومة لتأمين التّنفّس للمواطنين أو غير ذلك ضمن إطار شركة تكامل أو حتى دخول الحمّامات ، ذلك أنّ مَن يحسب للشّعب ما يتوجّب الحصول عليه من عدد الأرغفة وما يمكن أكله من ذلك العدد في كلّ وجبة غذائيّة ، لا بدّ له لاحقاً من إجراء حساب لعملية إخراج ذلك الطّعام من أمعاء المواطنين ، ويأتي ذلك تطبيقاً لما ورد في الآية الثّامنة والعشرين من سورة الجنّ في القرآن الكريم :
" ليعلمَ أن قد أبلغوا رسالاتِ ربّهم وأحاط بما لديهم وأحصى كلَّ شيءٍ عدداً " ، وهي تسعى لإحصاء كلّ شيء على المواطنين .
وبالتّالي يمكننا أن نتساءل الآن :
هل الحكومة سهّلت أعمال المواطنين وقامت بخدمتهم أو أنّها سهّلت عليهم في تلك الخدمات ؟ وما غاياتها من جرّاء تلك الأزمات ؟ ، وماذا لو تمّ إدراج البيض في البطاقة أيضاً فما مضمون الرّسالة التي يمكن أن تأتي عندئذٍ ؟، وهل هناك علاقة تبادليّة بين الحكومة والأزمات لتحقيق منافع شخصيّة ؟، وما هدفها من اختلاق الأزمات ؟، وما الغاية من لعبة غلاء الأسعار التي انتهجتها الحكومة ؟، ولا ننسى ما قاله السّيّد عماد خميس رئيس الحكومة السّابقة أثناء اجتماعه بالتّجّار :
" على الجميع الإدراك أنّ الحكومة لا يمكنها الوقوف ضدّ التّاجر أو رجل الأعمال " .
وجاءت دعوات السّيّدة بثينة شعبان المستشارة الإعلاميّة والسّياسيّة للسّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد بادّعاء سابق لها أنّ " الاقتصاد السّوريّ تحسّن خمسين مرّة عمّا كان عليه قبل عام ألفين وأحد عشر " ، وجاءت مطالبتها بضرورة : " الصّبر والصّمود لمواجهة العقوبات التي ستفرضها أمريكا تطبيقاً لقانون قيصر " ، وهنا يتبادر على لسان السّوريين عموماً السّؤال الآتي :
هل كانت السّيّدة الدّكتورة بثينة وأسرتها صابرة وصامدة ، وتدعو الشّعب للصّمود ؟!، أو كانت تسعى من خلال ما دعت إليه أن تقرّ لنا وتذكّرنا بقول الله تعالى في الآية الثّامنة والعشرين من سورة الكهف ، وفيها قول الله خالق السّموات والأرض وما بينهما :
" واصبر نفسكَ مع الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه " .
ولعلّ من المفيد الإشارة إلى أنّ الدّول تآمرت على سورية لغناها في مجال النّفط والغاز ، فهل سينعم
الشّعب بها وخيراتها وتزدهر سورية كدول الخليج _ تَبَعاً لثرواتها _ لاحقاً ؟ وهل ستكون في الميزانية العامة استناداً للمادة الرّابعة عشرة من الدّستور ، وهي التي نصت على الآتي :
" الثّروات الطّبيعيّة والمنشآت والمؤسّسات والمرافق العامة هي ملكية عامة ، تتولّى الدّولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشّعب ، وواجب المواطنين حمايتها " ؟!.
وهل كانت أعمال الحكومات السّوريّة المتعاقبة تسعى لمعاقبة الشّعب العربيّ السّوريّ ، لأنّه صمد في وجه الإرهاب ووقف إلى جانب قائد الوطن الدّكتور بشّار الأسد في ظلّ ما يعتري سورية من مصائب وأزمات ؟!، وأين هي من توجيهات السّيّد الرّئيس ؟، ولماذا تخالف توجيهاته وتوجّهاته ؟، وهل تخالف الدّستور أو توافقه في أعمالها ؟! ، وهل استطاعت أن ترسم سياسة اقتصاديّة واضحة لها لتحقيق الازدهار والتّطوّر ، وأن تعدّ الخطط الاستراتيجيّة التي تؤدّي إلى الاكتفاء الذّاتي للدّولة بما يسهم في تحقيق راحة المواطن ورفاهيته ، أو كانت تسعى لتحقيق وتطبيق شريعة الله والإسلام ، وتحقيق ما عجز الإرهاب عن تحقيقه ؟، وإذا كان الإرهابيّون يمثّلون أدواتٍ خارجيّةً فماذا نسمّي الفاسدين في الإرهاب الدّاخليّ ؟!.. ولعلّ كثيراً ممّا ذكرته في المقال الحالي كنت قد تعرّضت له في مقالات سابقة منشورة في ( الوكالة العربيّة للأخبار ) و( الحدث اليوم ) ، وهي كثيرة ومتنوّعة ، وذكرتُه عبر الإعلام الرّسميّ السّوريّ في أكثرَ من حلقة تلفزيونيّة .
هذه الأسئلة وغيرها أضعها بين يدي سيّد الوطن الدّكتور بشّار الأسد _ حفظه الله ورعاه _ لتحقيق الأمن والسّلام للشّعب العربيّ السّوريّ من تبعات الإرهاب الدّاخليّ المتمثّل في كلّ فرد يعمل ضدّ ذلك الشّعب ، وكذلك حمايته من الإرهاب الخارجيّ الذي يسعى رجال الجيش العربيّ السّوريّ بمساندة الأصدقاء لدحره والخلاص منه لإعادة الخير لسورية وازدهارها وأمنها واستقرارها ، وكلّنا ثقةٌ وأملٌ بقادم الأيّام وما تحمله لسورية .
بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : أ.
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية
التعليقات