ثروات الصّومال نعمة أم نقمة ؟!.


تعدّ دولة الصّومال ذات موقع استراتيجيّ ، كونها تقع شرق القرن الإفريقيّ ، وهي من الدّول التي شهدت اضطراباتٍ سياسيّةً منذ اندلاع الحرب الأهليّة فيها عام1991 م ، وهذا ما جعل اقتصادها شبه مدمّرٍ نتيجة تدمير البُنى التّحتيّة فيها ، لكنّ السّنوات الأخيرة شهدت تحسّناً نسبيّاً لذلك الاقتصاد إثر تحسُّن الأوضاع الأمنيّة والسّياسيّة ، وكان من الطّبيعيّ أن يتمّ تحسّن النّاتج القوميّ فيها ، وهو الذي بلغ عام 2019 حوالي ( 7،70 مليارات دولارٍ ) ، بعد أن كان ما يعادل ( 4،1ملياراتٍ ) عام 2009 ، محقّقاً معدّل نموّ ( 2،9% ) تقريباً ، لتأتي جائحة كورونا لتحدَّ من ذلك النّموّ عام 2020 والعام الحاليّ ، كما تعدّ الصّومال من أقلّ الدّول نموّاً ، وهي تحتلّ المرتبة الخامسة والسّتّين بعد المئة وفق تصنيف مؤشر التّنمية العالميّ ، ويبلغ الفقر فيها معدّلاً مرتفعاً إذ يبلغ بنسبة ثلاثة وسبعين في المئة ، ورغم حالة الفقر التي ألمّت بالصّومال وسكانه لا يعني ذلك أنّ البلد فقير بثرواته الحيوانيّة والزّراعيّة والباطنيّة ، وهذا ما جعل الدّول تسعى لتمزيقه للسّيطرة على مقدّراته وثرواته ، ولعلّ من تلك الثّروات ثروته الحيوانيّة التي تُقَدَّر بأربعين مليون رأس ، وهي متنوّعة بين الإبل والغنم والبقر ، ولدى الصّومال ساحل يعدّ الثّانيّ من حيث الامتداد الطّوليّ في أفريقيا ، وتوجد فيها بالتّالي أنواع كثيرة من الثّروة الحيوانيّة السّمكيّة والبحريّة ، وكذلك فإنّ ثروته الزّراعيّة غنيّة أيضاً نظراً لاتّساع المنطقة الجغرافيّة وتنوّعها ، والتي يصل امتداد مساحتها إلى ( 637،540كيلومترٍ مربّعٍ ) ، وهي تحتلّ المرتبة الرّابعة والأربعين في قائمة الدّول الأكبر مساحة في العالم ، وتعدّ ذات مناخٍ صحراويٍّ حارٍّ في مختلف أيّام السّنة ، وأمطارُها غير موسميّة إذ ليست منتظمة ، وتُقدَّرُ مساحة الأراضي الصّالحة للزّراعة بثمانية ملايين هكتارٍ تقريباً ، ولعلّ من الملاحظ فيها أنّ معظم السّكان يعتمدون أساليب تقليديّة قديمة أثناء عملهم في مجال الزّراعة وتربية الماشية ،كونهم يعيشون في المناطق الرّيفيّة ، وقد تأثرت بلادهم والزّراعة فيها بما يمكن أن نسمّيه الحرب التي تدور رحاها بين القوّات الحكوميّة وحركة الشّباب ، وهذا ما أسهم في نزوح عدد غير قليل من تلك المناطق ، ممّا أثّر في النّاتج المحلّي والمردود الزّراعيّ ، كما أنّ حالات الصّيد التي تتمّ على السّاحل _ رغم طوله وامتداده _ تعتمد أساليبَ وأدواتٍ بسيطةً في العمل ، وهم يعانون من حالات صيدٍ أجنبيّة تُمَارَسُ في المياه الإقليميّة الصّوماليّة بصورة غير قانونيّة ، وتهدّد الصّيادين المحلّيين ، وقدَّرت هيئة تأمين الثّروة السّمكيّة العالميّة عام 2015 م أنّ تلك الحالات من الصّيد غير القانونيّ تحصل على ما قيمته ثلاثمئة مليون دولار من الثّروة السّمكيّة نتيجة القرصنة ، وهذا ما يترك أثره السّلبيّ في ناتج العمل لدى الصّيادين المحلّيين ، ويؤثّر بطبيعة الحال في الاقتصاد الوطنيّ . 
ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى الثّروة الباطنيّة الموجودة في الصّومال ، وهي متنوّعة بين الاحتياطات 
النّفطيّة والغاز واليورانيوم والقصدير والنّحاس والبوكسيت والحديد والذّهب وغيرها ، ولم تتمكّن الحكومة 
الصّوماليّة من منح التّراخيص للشّركات النّفطيّة وغيرها لاستخراج احتياطاته من تلك الثّروات بعد ، ويعتمد الصّومال تَبَعاً لذلك في اقتصاده على مجموعة من القطاعات الإنتاجيّة ، والتي يأتي في مقدّمتها تربية المواشي والزّراعة ، وهما تسهمان بأربعين بالمئة من النّاتج الوطنيّ وخمسين بالمئة من الإيرادات تقريباً ، ثمّ يأتي قطاع الخدمات المعتمد على الاتّصالات والتّحويلات الماليّة ليسهمَ بما يعادل اثنين وثلاثين من ذلك النّاتج ، ويأتي بعده قطاع الصّناعة الذي يسهم بسبعة في المئة من النّاتج الوطنيّ ، ويأتي قطاع الصّيد الذي يسهم باثنين في المئة من النّاتج الوطنيّ في المرتبة الأخيرة ، كما يعتمد ذلك الاقتصاد على المساعدات الخارجيّة من الدّول المانحة ، وقد بلغت نسبة المساعدات عام 2020 بما يعادل خمسين بالمئة من قيمة الموازنة التي قُدّرت بأربعمئة وستّة وسبعين مليون دولار أمريكيّ .
وأسهمت التّجارة في تنشيط الاقتصاد الصّوماليّ خصوصاً في أثناء الحرب الأهليّة ، لكن هناك فجوة واضحة بين الواردات والصّادرات ، فقد كانت قيمة الصّادرات عام 2018 تُقَدَّر بنسبة ثمانمئة وتسع عشر مليون دولارٍ مقابل قيمة الواردات التي قُدّرَت بنحو ( 94،43 ) مليار دولار ، وهذا ما يسهم بالتّالي في التّأثير الاقتصاديّ وخروج العملة الصّعبة نتيجة ارتفاع نسبة الواردات ، ويأتي من جملة ما يستورده الصّوماليّون المواد الغذائيّة والمشتقّات النّفطيّة والأجهزة الصّناعيّة المختلفة ومواد البناء وسواها ، ويصدّرون المواشي والموز والسّمسم واللبان والبخور والفحم النّباتي والسّمك وغيرها ، ويعتمد الصّومال على بعض الدّول الصّديقة له في المجال التّجاريّ كالصّين والمملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة واليمن وسلطنة عمان والهند وباكستان وكينيا وتركيّا وغيرهم للنّهوض بالواقع التّجاريّ والاقتصاديّ وتأمين فرص الاستثمار فيها ، وتعتمد الصّومال في تعاملاتها على الدّولار بعد شبه اختفاء للعملة الوطنيّة ( الشّلن ) من السّوق المحلّية .
وقد أثّرت وفرة الثّروات الباطنيّة وغناها في الحياة العامة للصّوماليين بصورة سلبيّة ، بعد أن أشعلت الدّول سواء المجاورة للدّولة أو غيرها فتيل أزمة عصفت بها ، وما زالت تعاني عقابيلها حتّى الآن ، ممّا أسهم في عدم الإفادة من تلك الثّروات واستخراجها ، وبالتّالي الحرمان من دخولها في الاقتصاد الوطنيّ للصّومال ، ولكن هل تشهد الثّروات ازدهاراً واستخراجاً بعد الاستقرار السّياسيّ والأمنيّ الذي بدأ يخيّم فوق ربوع الصّومال ، لتتحّول تلك الثّروات إلى نعمة لأبناء الصّومال بعد أن كانت نقمةً عليهم أثناء الأزمة كحال غيرهم من دول ، لتسهم ثرواتهم في ازدهار النّاتج والاقتصاد الوطنيّ ، ويهنأ الصّوماليّون بثرواتهم بعد تحقيق الازدهار في دولتهم ؟!. 


 بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ :
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية