الحرب الروسيّة -الاوكرانيّة تفرض علاقات عربية – امريكية جديدة
لمْ ولنْ تتوقفْ التداعيات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة لهذه الحرب ، وهي تداعيات ذات بعد استراتيجي وستعّجل في تغيير العالم واوروبا نحو تعدّدْ وتنوّع طبيعة القوى،لنْ تكْ الهيمنة لمنْ يمتلك القوة العسكريّة فقط ، وانما لمنْ يمتلك القوة الاقتصاديّة التي تسمح له باستخدام قوتهّ العسكريّة ،ولمنْ يمتلك قوة الارادة والصمود .
علمّتنا مشاهد ومواقف سياسية وعسكرية مِنْ واقعنا وليس من تاريخنا بأنْ ما مِنْ حربٍ او حصارٍ او أزمة في العالم تحدثْ او تتفاقم الاّ وللولايات المتحدة الامريكية دورٌ فيها ؛ دور مباشر أو دور غير مباشر.لا روسيا و لا الصين ولا ايران ولا حزب الله هُمْ فقط من يتهم ويفترض دوراً امريكياً في مسببّات او في تفاقم هذه الحرب ،اعضاء من الحزب الجمهوري الامريكي وجهّوا اللوم للرئيس بايدن و اتهموه بتوريط اوكرانيا في مواجهة مع روسيا ، من خلال اصرار ادارته والناتو على ضرورة انضمام اوكرانيا لحلف الناتو .
الحرب الروسيّة -الاوكرانية هي مشهد آخر لسياسة امريكا المبنّية على ( مبدأ القيادة من الخلف ) ، و قتال الآخر ومحاربته بواسطة وكلاء ،دول او ارهابيين ومرتزقة . الحرب الروسيّة الاوكرانية هي مشهد آخر للفوضى الخلاقّة وبساحة ليست عربية او اسلامية وانما اوروبيّة مسيحيّة ،تستهدف اوروبا وروسيا . هذه الحرب هي حرب استباقية روسيّة امريكية: استباقية لروسيا قبل ان تقع في مخالب الناتو وتحت رحمته من البوابة الاوكرانية ، استباقية لامريكا قبل ان يستفحلُ هوانها وضعفها، وقبل ان يستكمل تحالف استراتيجي روسي صيني مدعوم بدول اخرى ساندة وواعدة كإيران والهند .
يدركُ الاوروبيون حقيقيتين ؛ الاولى هو قرب زوال الهيمنة الامريكية الغربية ، وهذا ما صرح به الرئيس الفرنسي علناً في لقاء متلّفز مع سفراء فرنسا ، قائلا: “نحن نعيش نهاية الهيمنة الغربية على العالم ” ، والحقيقة الثانية هو استحالة قبول ورضوخ روسيا لتعامل اوروبي معها وفق سياسة العقوبات والحصار ، وكأنها دولة غير عُظمى و ليس عضواً دائماً في مجلس الأمن . عدم قبول روسيا لهذا المصير يعني استمرارها في مشاكستها لدول اوروبا الشرقية والتي انضمت حديثاً لحلف الناتو ، ويعني ايضاً ترسيخ وجودها العسكري وحضورها السياسي في سوريا وفي المنطقة العربية .
اصبحَ لروسيا في منطقة الشرق الاوسط حلفاء واصدقاء ، من دول وحركات (حزب الله والحوثيون وفصائل المقاومة الفلسطينية ) ، اكثر مما لامريكا وللغرب . وسيكون الحصار الامريكي المفروض على النفط الروسي اختبارا لقوة ومتانة العلاقات العربية الروسيّة ، وكذلك اختبارا لدور وتأثير امريكا على الدول العربية المصدّرة للنفط . هل ستستجيب هذه الدول للطلبات الامريكية والغربية في الخروج عن قواعد الاتفاق في اطار “الأوبك” وتوافق على زيادة هائلة في الانتاج من اجل تعويض النفط الروسي ؟
لن يترّدد الرئيس بايدن بزيارة المملكة العربية السعودية وجلوسه مع الامير محمد بن سلمان من اجل النفط ، ومن اجل تعويض السوق العالمي بما سيفقده من النفط الروسي ! وهل ستوافق المملكة أمْ ستحتج بقواعد الاوبك والاتفاقيات والاطر الفنيّة؟ وهل ستتجاوز المملكة مصالحها السياسيّة والاقتصادية مع روسيا ، لاسيما وأنَّ روسيا لم تتردّدْ ، في ٢٠٢٢/٢/٢٨ من التصويت على القرار رقم ٢٤٢٦ الصادر من مجلس الامن ، والذي يضع الحوثيين في اليمن تحت طائلة الفصل السابع ويحظر توريدهم السلاح ، ويدينهم لقصفهم الامارات .
لم تعُدْ وسائل الحرب الروسيّة الاوكرانية الطائرات والمدافع والمُسيرات ، اصبحَ النفط والغاز سلاح ادخله الامريكان في المعركة ، وتوسعّتْ جغرافياً ساحة المعركة لتشمل نفط وغاز منطقتنا ، وتجدُ الدول المعنية ( السعوديّة وقطر ) في حيرة ، بين طلب حليف متجبّر و متكبّر ( امريكا ) عرفهم عند الحاجة ، وبين صديق متفهّم ( روسيا) عرفهّم في الوّدْ وفي الجفاء .
اصبحت منطقتنا جزءا من المعركة : بسبب نفطها وغازها ،و بسبب استهلاكها اكثر من انتاجها للقمح والزيوت والمواد الاساسية الاخرى ، وبسبب التواجد والاحتلال الامريكي في سوريا والعراق ، وبسبب التواجد العسكري الروسي في سوريا .
لنْ ينتفعُ الامريكان بمكسب أو بإنجاز من ادانة لبنان ” للاجتياح الروسي لاراضي اوكرانيا” ، ولكن امتناع دول عربية صديقة وحليفة لامريكا عن اتخاذ موقف ازاء الحرب الروسيّة الاوكرانية ،يرضي امريكا والغرب مؤشر يقلقُ امريكا ، وينذرها بأنَّ لا كُلّ ما تريده امريكا ستدركهُ ، الآن “تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ”.
التعليقات