الاردن: برنامج الحكومة يعزف على ربابة المسكنات الإقتصادية
بين حين وآخر تخرج علينا بعض الحكومات بوصفة جديدة يكتبها طبيب عام لتحفيز عضلة القلب لاقتصاد دولة يعاني من تصلب في شرايينه ،وهذا أشبه بتعاليل القرى حين يذهب محتواها أدراج الرياح مع كل إشراقة شمس ،فهنالك العديد من خطط التحفيز كانت بعض الحكومات قد طرحتها وأطربتنا بها لأيام معدودات سرعان ما أنتهت مع رحيل تلك الحكومات.
وأعتقد أن برنامج أولويات الحكومة الإقتصادي الذي أعلن عنه مؤخرا ربما لن يخرج عن هذا السياق السلبي ،ولن ينجح في عبور الحكومات وسيلاقي مصير سابقاته من البرامج التي اقتصرت على استخدام المفردات القوي ،فما تم طرحه عبارة عن سلسلة من الأعمال اليومية الواجبة على الحكومة ولا يرتقي لتصنيف إصلاح اقتصادي ،فالبرنامج لا يشمل خططا استراتيجية قادرة على رفع نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي ،ولا على تخفيض نسب البطالة التي وصلت إلى أخطر حدودها ،وبالتالي لن يكون لهذا المخطط دور محوري في تحسين دخل الفرد ،فلم نلحظ فيه أي إستجابة أو حتى إشارة لمطالب المتقاعدين العسكريين أو وعوداً لتحقيق العدالة بين رواتبهم ولا حتى تخفيض الأسعار أو تحسين مستوى العدالة ،ولم يتعاطى مع المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الإستثمار وكأني أرى بالحكومة تتحدث داخل قاعة فارغة بينما الجمهور يجلس منتظرا الفرج في مدرج آخر في محاولة جديدة تستخدم نوع قديم جديد من المسكنات الاقتصادية التي لم تعد مجدية ولا نافعة في حالة الاقتصاد الاردني ،فاستخداماتها المتكررة أفقدتها أي مفعول ممكن لها بل بتنا نخشى من مضاعفاتها.
فالعلاج الحقيقي لتعثر الإقتصاد يبدأ بالإعتراف بوجود مشاكل متراكمة أوجدتها قرارات وممارسات حكومية خاطئة تتصدرها التعيينات الفاشلة وغياب المحاسبة والعدالة وفقر التشريعات ،ونحن بحاجة لوضع حلول استراتيجية لكل حالة بحيث تتلازم مع تشريع يعزز الشفافية والرقابة والمساءلة لرؤوساء الوزارات ووزرائهم وكبار المسؤولين المحصنين وإحالتهم للتحقيق بموجب شكاوي وبلاغات المواطنين التي تقدم ضدهم للنيابة العامة بعكس ما يجري حالياً من وقوفنا عاجزين عن مقاضاة أي مسؤول فاسد وظالم ومحصن يوقع ضررا بالمواطن والمستثمر والإقتصاد ،وهذا أيضا يوجب الجلوس مع القطاعات المختلفة المتضررة والتي ما زالت تنزف من فشل السياسات الاقتصادية بأنظمتها الإدارية والتشريعية والاستماع إلى همومهم وما يعترضهم من سلوكيات حكومية جائرة.
فالحكومة ما زالت لا تؤمن بالإستماع للسلبيات إلا في نطاق ضيق من تقاطع المصالح فهي تميل إلى من يضللها ويكذب عليها من المتنفذين والمسؤولين وتلتزم بحماية من فتكوا بالاقتصاد وظلموا الشرفاء ،ولا تشارك الشعب همومه وأوجاعه بل تنظر إليهم من خلف الزجاج ولا تعير اهتمامها لأنواع التغذية الراجعة مما أوصل المديونية لأرقام خطيرة ومقلقة ،فهي مثلاً تتاجر بالسياحة إعلاميا وبأنها قدمت دعمها للقطاع بينما هي لم تقدم شيء يذكر له ،وبات القطاع مهددا بالزوال حتى أن أجور المكاتب التي كانت الحكومة قد وعدت بحلها مع أصحاب العقارات بأمر دفاع أثناء فترة إغلاقات كورونا ما زالت قائمة ونجدها عاجزة وضعيفة في مواجهة أصحاب المال أو فعل شيء أمام جشع بعض التجار ،فالإقتصاد بحاجة لقرارات جريئة وعاجلة تبدأ بعملية قلب مفتوح من خلال فرق متخصصة يتم اختيارها على أساس الخبرة والكفاءة وليس الواسطة والمحسوبية ،وبعكس ذلك ربما تزداد الأمور سوءا على سوء.
فما تم طرحه حتى الآن لا يبشر بخير يذكر ويبقى حبرا على ورق بترويسة جديدة فقد تم الإشارة سابقا للعديد من البرامج ،وربما كان وقعها على الرأي العام أفضل إلا أنها لم تنجح أو حتى لم ترى النور بسبب فقدان الإرادة الرسمية، فربما انطلقت من باب المجاملة وكسب الوقت اعتمادا على ذاكرتنا القصيرة ،ولم تتعمق بمعرفة أسباب المشاكل الاقتصادية ،ولو كان هنالك جدية في الطرح لكانت أول القرارات الواجبة هي إلغاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد واستبدالها بهيئة إشهار الذمة لكي تضع حدا للرشوة السياسية ولاستثمار السلطة الذي ما زال قادرا على قلب الحقائق ،فيبريء المجرم ويغتال الشرفاء والأحرار ،ويقف عاجزا عن توجيه سؤال من أين لك هذا لمن أفسدوا هذا الوطن ودمروا شعبه وخيراته ،فنحن بحاجه لتنظيف النظام الإداري من الأوساخ التي تراكمت في بعض المواقع حتى أصبحت الرشوة والواسطة متطلب إجباري وملاذا آمنا في معظم شؤون الحياة.
لذلك لا يمكننا مع وجود مافيات تتصدر المشهد من تحقيق أي انجاز أو إصلاح ،فهم لن يسمحوا بتمرير أي مشروع إصلاحي يقطع أرزاق شبكاتهم ويكشفهم ويقدمهم للمحاسبة العادلة ،فالسلطات التي ترتدي نفس اللون لن تكون قادرة على إنجاز أي إصلاح مهما كان صغيرا ،وما يجري طرحه الآن ربما يندرج تحت عناوين قديمة لم تعد قادرة على إطرابنا أو حتى سماعها ،فقد تكون أقرب لسياق التضليل الإعلامي وكسب الوقت بالمسكنات.
التعليقات