ماذا يأمل الشّعب العربيّ السّوريّ من السّيّد الرّئيس بعد أداء القسم ؟!.

الجزء الأوّل


بداية أودّ أن أطرح سؤالاً : لماذا يبدأ المحلِّلون السّوريّون بإظهار تحليلاتهم عند تسلّم أيّ رئيس على المستوى العالميّ والتّغييرات التي يمكن أن تتمّ في ضوء ذلك ، وفي الوقت نفسه يبتعدون عن أيّ تحليل فيما يخصّ المسألة السّوريّة ، ويخشون إبداء الرأي في إظهار التّغييرات المطلوبة في سورية رغم أنّ السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد يدعو ويوجّه دوماً لإحداث تغييرات في العمل ولحلّ المشكلات التي تعترض الشّعب ، وكان أبرز ما لفت نظري في شعار سيادته للتّرشّح لرئاسة الجمهوريّة مؤخّراً : ( الأمل بالعمل ) ، وهو ما سيكون مجال البحث الحالي ، وسيتمّ تقسيم البحث لثلاثة أجزاء .. 
ولعلّ أوّل ما يُتوَقَّع أن يقوم به سيادته الاستمرار في التّشبّث بالثّوابت الوطنيّة والعمل على الإصلاح السّياسيّ ، وبناء على ذلك قد تشهد سورية تغييرات قادمة ، ولكن أكثر ما يأمله الشّعب هو التّغيير في سياسة العمل وليس التّغيير في الأشخاص القائمين على العمل ، ولعلّ ما يمكن أن يتمّ تشكيل حكومة وحدة وطنيّة موسّعة شاملة ، وتفعيل مواد الدّستور سواء المادة الثّامنة أم غيرها ليكون هناك تعدّدية سياسيّة حقيقيّة وليس على الورق ، وتغيير اسم منظّمة طلائع البعث واتّحاد شبيبة الثّورة تَبَعاً لذلك ، لأنّ سورية لكلّ أبنائها السّوريين وليست لجهة سياسيّة معيّنة ، ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ الأطفال والشّباب عموماً في سورية يحملون أفكاراً تعكس التّربية التي تقدّمها منظّمة طلائع البعث وكذلك اتّحاد شبيبة الثّورة ، وبالتّالي يمكننا القول : 
إنّ الفكر التّربويّ الذي يُقدّم فيهما لم يكن على المستوى المطلوب ، ممّا أمكن اختراقه بسهولة جدّاً ، فتفاقمت الأزمة بفضل تجاهل المنظّمتين لدورهما أيضاً وكذلك الحال للقائمين عليهما ، إذ لم نجد أيّ دور فاعل إيجابيّ مؤثّر لهما في توعية الجيل بصورة عامة ، وهذا رأي عامة الشّعب السّوريّ ، بل إنّ كلتا المنظّمتين قد انكفأتا وتراجع دورهما لدرجة شبه معدومة أثناء الأزمة ، وبالتّالي : فإنّ على الدّولة أن تعيد النّظر في تلك المنظّمتين أو إعادة بنائهما من جديد ، بما يخدم سورية ، وليس فئة حزبيّة معيّنة في ضوء التّعدّدية السّياسيّة التي أشار الدّستور المعمول به منذ عام ألفين واثني عشر إليها ، ولابدّ من عدم تسييس الطّلّاب من قبل أيّ حزب ، فسورية لكلّ السّوريين ، وليست حكراً على حزب واحد حتّى تُتْرَك وزارة بعينها لهذا الحزب أو ذاك كمثال وزارة التّربية وفق ما نصّ الدّستور عليه ، ومن الأهمّيّة بمكان أيضاً الإشارة إلى ضرورة تغيير اسم المنظّمتين فالشّباب السّوري يهدف لبناء سورية وجيلها ، وأطفالُها هم أطفال سورية الذين تُبنى الآمال عليهم في النّهضة العلميّة والمعرفيّة فيها ، بحيث يكون لاحقاً الرّجل المناسب في المكان المناسب في أيّ موقع من الدّولة ، ويرغب الشّعب أن تعمل الدّولة على الاهتمام بالأوائل المتفوّقين من الطّلّاب بعيداً عن النّظرة السّياسيّة وارتباطهم بأيّ حزب كون الغاية العلم والتّفوّق العلميّ ، وليس التّفوّق في المجال السّياسيّ أو العسكريّ في التّربيّة _ وهذا يتماشى مع المادة الحادية والثّلاثين من الدّستور _ لكون الأزمة أظهرت واقع عمل المنظّمتين وكشفت تقصيرهما ، وبيّنت نتائج سنين مضت لعمل المنظّمتين دون تحقيق الفائدة والأهداف لهما مع أوّل هزّة سياسيّة كان لها ارتدادها على مساحة الوطن في مختلف النّواحي السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة ، ممّا جعل الوطن بعيداً عن التّماسك والتآخي والعدالة نتيجة انتشار الإرهاب والفساد وعدم المساءلة والمحاسبة ﻷحد وهي من أدوات تطوير سورية وتحديثها قبل الأزمة ، وكذلك تفعيل قانون الأحزاب نظراً لأنّ بعض الأحزاب السّياسيّة خالفت مضامينه إن كان من الحزب الحاكم أو غيره ، والعمل أن تتمّ ممارسة النّشاط في أيّة وزارة دون تأطير العمل السّياسيّ ، ونلاحظ حاليّاً أنّ بعض الوزارات تقوم بالتّعيين السّياسيّ في بعض مفاصلها ، وحتّى ضمن إطار وزارة التّربية أو التّعليم العالي كتعيين موجّهين ضمن المدارس لتوجيه أنظار الطّلّاب لحزب واحد وكذلك وجود الفرق الحزبيّة فيهما ، فهذا يتنافى مع الدّستور في الفقرة الأولى من مادته الثّامنة التي دعت إلى التّعدّدية السّياسيّة والفقرة الخامسة من المادة السّابقة التي أشارت إلى الآتي : 
لا يجوز تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسيّة أو حزبيّة أو انتخابيّة " ، وكذلك الفقرة الثّانية من المادة السّادسة والعشرين التي نصّت على ما يلي : 
" المواطنون متساوون في تولّي وظائف الخدمة العامة ، ويحدّد القانون شروط تولّيها وحقوق وواجبات المكلّفين بها " وكذلك الفقرة الرّابعة من المادة الثّالثة والثّلاثين .
كما يتنافى مع المادة السّابعة وغيرها من القانون الأساسيّ للعاملين في الدّولة لعام 2004م ، كما يتناقض والقوانين السّوريّة وقرارات حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ التي تشير إلى الكفاءة والشّهادة العلميّة والنّزاهة في التّكليف ، ولا تشير إلى أيّ انتماء حزبيّ محصور لجهة حزبيّة معيّنة للحزب الحاكم أو سواه ، حتّى يتمّ ذلك التّكليف في العمل السّياسيّ في أيّة وزارة كانت ، وبالتّالي فإنّ تخصيص الوزارات بحزب معيّن يتعارض مع مفهوم المواطنة والتّعدّدية السّياسيّة كما يتناقض ومفهوم المواطنة والانتماء للوطن ، وتفعيل دور المواطنة بأبعادها القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة الحضاريّة ، لأنّ المواطنة لا تعني المحاصصة والتّقسيم بأيّة صورة تقسيميّة وفق أيّ مسمّى يستعمله إنسان في أيّ موقع كان وفق ما نصّت عليه الفقرة الثّانية من المادة الثّالثة والثّلاثين في الدّستور ، ولماذا كان ذلك الحقّ مكتَسباً لحزب دون سواه ، وكلّ الأحزاب متوازية في حقوقها وممارسة نشاطها ضمن احترام مبادئ السّيادة الوطنيّة والدّيمقراطيّة التي نصّ الدّستور عليها في الفقرة الثّانية من المادة الثّامنة ؟!، وسؤالنا أيضاً : هل هذا من صلب المواطنة والانتماء أو المواطنة والتّعدّدية السّياسيّة واستراتيجيّاتها أو يتماشى مع سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر ؟، ولنتذكّر ما قاله السّيّد الرّئيس : 
" قانون الأحزاب يغني التّعدّدية الحزبيّة ، ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتّيارات المختلفة في الحياة السّياسيّة " ، والوطن من وجهة نظر السّيّد الرّئيس لا يحمل فكراً تقسيميّاً تخريبيّاً هدّاماً بل يحمل رؤى واحدة هدفها بناء وحدة سورية أرضاً وشعباً ، وليس تمزيقها وتقطيعها تَبَعاً لنوازع طائفيّة أو سياسيّة أو عرقيّة . 
وكذلك يمكن أن نشهد تغيير مرجعية قانون الأحزاب ليكون ضمن مجال عمل المحكمة الدّستوريّة العليا وليس وزارة الدّاخليّة ، كما يمكن أن تتمّ  إجراءات عديدة وتغييرات تتماشى مع الواقع السّياسيّ الجديد لسورية ، بما يضمن الوحدة الوطنيّة للشّعب العربيّ السّوريّ ضمن التّعدّدية السّياسيّة ، ولعلّ من ذلك إعادة بناء الإنسان من النّاحية الأخلاقيّة ، ووضع خطط استراتيجيّة تؤدّي لبناء المجتمع والوطن ، وتماسكه ووحدته بعيداً عن حالات التّنافر التي أضحت سمة مميّزة له في ظلّ ما تعرّضت له سورية ، وإعادة هيكلة الدّولة من جديد وفق أسس جديدة تضمن حياة كريمة لمختلف أبناء سورية ، وليس بقاء سورية ضمن لون واحد فتزهو سورية بتعدد ألوانها لتبقى لوحة جميلة فسيفسائيّة تحت راية سيادة الرّئيس الدّكتور بشّار حافظ الأسد ، كون الموطنة لا تعرف التّمييز أو المحاصصة بين المناطق والفئات والانتماء ، لأنّنا سوريّون ، ونعمل أن نكون متوحّدين وموحَّدين لا متشرذمين أو داعين لأيّ تقسيم .

تابعوا معي الجزء الثّاني من البحث وسيتمّ طرح الأمل بتغييرات في عمل بعض الوزارات الأخرى وبعض القوانين لتعديلها بما يسهم في عملية التّطوير المنشودة . 


    بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ :
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية