حروب الشرق والغرب وإمكانية الفوز الأحادي «أمريكا ام روسيا».


تتطلع الدول العظمى لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، وذلك عبر إتخاذ نوع خاص من الحروب، أو العمليات العسكرية التي تعتبر نجاة لها من خطر قد يصيب محيطها الإقليمي وأمنها القومي؛ فعلى سبيل المثال، دأبت الولايات المتحدة على خلق ظروف التموضع العسكري، أولا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب المُهدد لأمنها، وثانياً بحجة تحقيق الديمقراطية الغربية، كما فعلت في أفغانستان والعراق لعديد من السنوات، حيث أسست الولايات المتحدة لِما يمكن تسميته بخطوط المواجهة، مع القوى الأخرى المناهضة لها كروسيا الإتحادية، وبات الصراع السياسي والعسكري بين الدولتين، نتيجة السطوة الأمريكية على أفغانستان، يتم من خلال أطراف النزاع ما بين طالبان والجيش الأفغاني.

ربطاً بما سبق، فإن الإنقسام وتوليد فرقاء من نوع خاص كحركة طالبان، كانت من أولويات القيادة الامريكية لتمكن لها من خلق ظروف البقاء، لتحقيق مكاسب أخرى تخص الثروة الجغرافية لأفغانستان، وعلى الجانب الآخر تستمر الخلافات السياسية مع روسيا واتهامها باحتلال افغانستان، لتتراكم النزاعات السياسية بين موسكو وواشنطن على كثير من الملفات.

 ورغم خروج واشنطن من أفغانستان، واعتراف رؤسائها بعدم جدوى البقاء فيها، لتنتقل الدفة في الصراعات السياسية إلى سوريا، حيث استشاطت الولايات المتحدة غضباً عندما تحولت العلاقة الروسية مع سوريا، إلى حليف صديق في الحرب الإرهابية على سوريا، وباتت بطلب من القيادة السورية أحد أهم الفاعلين في تحقيق القضاء على الإرهاب، الذي يصدره الغرب، سواء بنشاط القوات الروسية عسكرياً على الأرض السورية، أو لوجستياً عبر تقديم المعدات العسكرية والآلات الحربية، وخاصة منظومة S-300.

وبعد 11 عاماً من الحرب الإرهابية على سوريا، ادركت الولايات المتحدة عدم جدوى الكباش السياسي البعيد المدى، كما في سوريا وافغانستان، فانتقلت وفق خطة ممنهجة لضرب المحيط القومي لروسيا الاتحادية عبر تأجيج الخلاف مع أوكرانيا، والذي ظهر بشكل تراكمي مع سقوط الاتحاد السوفييتي، فتبنت واشنطن مسألة دعم المجموعات القومية المسلحة في أوكرانيا، وايدت التعصب القومي لأوكرانيا ضد روسيا الاتحادية، لتحقق لها أرضاً في الحديقة الخليفة لروسيا، فتنشئ قواعد لحلف الناتو في المحيط الروسي. 

تطور الصراعات السياسية لم يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة تراكمات خلفتها الحربين العالميتين الاولى والثانية، ورغم الضخ الكبير لتحقيق انكسار روسيا الإتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ومع اقتناع الغرب برغبة الرئيس "بوتين"  في إعادة إحياء الإتحاد السوفييتي، لذلك تم التحضير لخلق انكسار وزلزلة في المحيط الروسي، عبر الحرب الاوكرانية، التي ومن خلالها استطاعت الولايات المتحدة من فرض تعديلات على السياسة الروسية خاصة الإقتصادية منها، والتي انعكست في كثير منها بشكل سلبي على اوروبا، خاصة اقتصادياً وأمنياً،  وبالتالي زعزعت بعض المواقف الاوروبية تجاه روسيا، لأنها أدركت حجم التورط في العلاقات السياسية، والموقف من العملية العسكرية على أوكرانيا بالنسبة لهم، خاصة وأن روسيا تشكل المورد الرئيسي لهم للغاز والنفط عبر نورد ستريم1.

في المحصلة، ما يحصل على المستوى العالمي من حروب بين القوى العظمى روسيا والولايات المتحدة، كلً من وجهة نظره السياسية، مع استغلال لنقاط الضعف السياسية والاقتصادية للبلدان المستهدفة،  وبالتالي التبعية اللامشروطة، والتي في النهاية ستنتهي إما بخروج دراماتيكي أو قانوني، ولكن بعد تدمير من تم تسليط عدسة التلسكوب عليه ليكون في لعبة البوكر السياسية القادمة.