دمشق في قمة جنيف..

تحديات متزايدة وآمال دون التوقعات


دمشق في قمة جنيف.. تحديات متزايدة وآمال دون التوقعات.
أمجد إسماعيل الآغا 

في الطريق إلى حنيف، ثمة شاخصات أمريكية بإشارات غير واضحة المعالم؛ مسائل عديدة تُعتبر بمثابة الاختبارات الدقيقة للإدارة الأمريكية؛ هي اختبارات تقتضي قراءة الواقع الإقليمي والدولي، وما يشوبه من جُزئيات، بعضها ضاغط على كل القوى الإقليمية والدولية، وبعضها الأخر يأتي في إطار الدبلوماسية التي لا بد منها، بُغية تأمين الخروج الآمن من ملفات متشابكة ومُعقدة، وبلا ريب، فإن اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في جنيف، سيُحدد شكل التعاطي مع جُملة ملفات سياسية على المستويين الإقليمي والدولي، مع تحديد شكل وآلية وطرق العمل، خلال بقاء بايدن في البيت الأبيض.

اللقاء الأمريكي الروسي في جنيف، سيكون فيزيائياً وفق معادلات البحث عن تهدئة، ومن خلال اللقاء، ستُحدد أولويات كِلا الرئيسين في الملفات الخلافية بين بلديهما، وعلى رأسها الملف السوري، والواضح أن الشأن السوري يُمثل في عُرف الرجلين، تحدياً لابد من خوض غماره، فاللقاء الذي لابد منه، سيكون بمثابة الرقص ضمن حقول ألغام، وكل طرف ينتظر انفجار اللغم في وجه خصمه، لتكون هذه الألغام، بمثابة المُحدد الذي سيؤطر شكل التعاطي مع الملف السياسي في سوريا، مع محاولة بث الحيوية في سياق اللجنة الدستورية، خاصة بعدما أرادات دمشق، إنجاز الاستحقاق الدستوري المُتمثل بالانتخابات الرئاسية، وتحديد المعالم السياسية القادمة، لإعادة رسم المشهد السياسي بآليات "ربما" أدركت دمشق ضرورتها في هذا التوقيت، فضلا عن ذلك، فإن التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود، والتي ستنتهي مطلع تموز المقبل، ستوضح إمكانية حدوث تعاون روسي أميركي، فاعل ومؤثر في سوريا.

في جانب موازٍ، ثمة معطيات عديدة "ربما" تؤكد جنوح واشنطن إلى بوتقة التفاهمات السياسية مع موسكو، من ضمنها، خطوة بايدن في إنهاء عمل شركة النفط الأميركية في شمال شرقي سوريا، وكذلك إيقاف فرض أية عقوبات ضمن قانون "قيصر" خلال الفترة الماضية، وتأخير إعادة تشكيل مكتب سوريا في وزارة الخارجية الأميركية، بعدما كان مقرراً في منتصف شهر أيار الفائت، وعطفاً على ذلك، فإن الجولة القادمة من محادثات اللجنة الدستورية، من المتوقع أن تُعقد بداية  شهر تموز المُقبل، لكن ضمن توافقات روسية أمريكية، وريثما تُعقد هذه الجولة، ستتشكل ملامح سياسية جديدة لدى دمشق وحلفاؤها، للخروج بتفاهمات متينة، لا تُغضب الأمريكي، وتُبنى عليها دعائم الحل السياسي؛ كل ذلك، يُعد خطوات يريد بايدن من خلالها منع أي تصعيد مع الجانب الروسي، ريثما يتم عقد قمة رئاسية مشتركة، ترسم معالم خارطة الطريق لدى الطرفين في سوريا.

ضمن ما سبق، يبرز سيناريو يُمكن أن يتحقق، في حال اتجهت إدارة بايدن للتوافق مع الجانب الروسي، على أولى خطوات التفاهم في سوريا، ورسم شكل مغاير للحل السياسي المرتقب، وبالتالي، وفي حال تم الخروج من جنيف بصيغ توافقية حيال سوريا، سيكون ممكناً الخروج عن إطار المفاوضات السياسية، والدخول في مفاوضات أمنية عسكرية، تكون منطلقاً لحل سياسي يُرضي جميع الأطراف.

في جنيف، لا يتعلق الأمر بلقاء وطاولة تجمع قطبي العالم الأمريكي والروسي، فالعلاقة الروسية الأمريكية تحكمها ضوابط عدة، وملفات تحتاج إلى تنسيق مشترك، ولا ضير من رفع سقف التصريحات بين موسكو وواشنطن، مع بقاء الدبلوماسية ركيزةً ومخرجاً لأي تصعيد سياسي، في هذا الإطار، كان واضحاً أن إدارة بايدن تعمل في الإطار الدبلوماسي، مع انتظار خطوات من الجانب الروسي، لجهة التقدم بخطوات إيجابية، حيال عموم الملفات التي تجمع البلدين.

 في الطريق إلى جنيف، وعلى الرغم مما سبق، إلا أن موسكو كانت واضحة حيال المحادثات المقبلة مع واشنطن، وتحدثت الخارجية الروسية، عن خفض سقف التوقعات، بل وحصرت مُخرجات القمة، ضمن الحوار الإيجابي، وهذا ما حضر في كلام المسؤولين الروس، وعلى لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الذي قال إن "حجم الخلافات بل وحتى مظاهر النزاع في علاقاتنا الثنائية كبيرة جداً، لدرجة أنه لا مبرر لتوقع تحقيق أي تقدم نحو التوصل إلى تفاهم. لكن في بعض الأحيان يكون من المفيد أيضا الاتفاق على أننا لا نتفق". وفي ذات الإطار كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكثر وضوحاً، عندما أكد أن بلاده لا تتوقع صدور قرارات تاريخية خلال قمة جنيف، حين قال "لا نحمل أوهاما ولا نحاول تشكيل انطباع أنه سيتم تحقيق انفراجات أو صدور قرارات تاريخية تحدد المصير".

في مقابل التصريحات الروسية، هناك ضبابية في الرؤية الأمريكية، وعدم وضوح في كيفية التعاطي مع موسكو، حيال حجم الملفات الضاغطة بينهما، الأمر الذي فرض على الإدارة الاميركية مقاربات جديدة، تتسق وحساباتها الداخلية، وموقف الرأي العام الأميركي؛ وبين هذا وذاك، يمكننا استشراف نتائج القمة، والتي يبدو أنها لن تختلف عن القمة التي جمعت ترامب وبوتين في عام 2018، وبذلك لن تستطيع واشنطن وكذا موسكو، التعامل بمرونة حيال الملفات ذات الاهتمام المشترك.

بصرف النظر عن مُخرجات قمة جنيف، إلا أن مياه التطورات الإقليمية والدولية، ستكذب "غطاس" التوقعات حيال أي سيناريو روسي أمريكي تُجاه الملفات المشتركة بينهما، لكن ستبقى حالة الاستنزاف بكافة مستوياته، حاضرة بين البلدين، الأمر الذي سينجم عنه محاصرة مصالح بعضهما البعض جغرافياً، في ساحات مثل سوريا وأوكرانيا، وغيرها من الساحات ذات الاهتمام المشترك، كل ذلك، يكاد يأخذنا إلى حقيقة قمة جنيف قبل أن تبدأ، لتكون قمة الاتفاق على عدم الاتفاق، هو حاجة لـ موسكو وواشنطن على السواء.