في مياه المنطقة.. رسائل نووية واشتباك ناعم.


لا تزال الولايات المتحدة تواصل سياساتها الاستفزازية في مياه المنطقة، في محاولة منها لاستدراج إيران إلى معركة بالتوقيت الأمريكي، لكن دائما ما تفشل الخطط الأمريكية، عبر وعي استراتيجي إيراني، يدرك خفايا الخطوات الأمريكية ومآلات الحركات الإستفزازية، التي تتبعها واشنطن، ففي أخر فصول السياسات الأمريكية الإستفزازية، ما أعلنت عنه طهران، لجهة المحاولة الأمريكية، للإستيلاء على ناقلة نفط إيرانية في بحر عُمان، لكن البحرية الإيرانية تمكنت من إستعادة الناقلة، بعملية إنزال جوي، وفي حين نقل مسؤولون أميركيون رواية مغايرة تماماً لتلك الإيرانية، متحدّثين عن أن طهران هي مَن تحتجز ناقلةً ترفع العلم الفيتنامي.

ما سبق يعطي مشهداً واضحاً، حيال التوتر الأمريكي الإيراني، والذي لا تزال أبواب تهدئته مغلقة في وجه أي احتمال لخفض حدة التوتر بين البلدين، خاصة أن واشنطن أعلنت قبل أيام، نيتها استخدام ما أسمته الخيارات البديلة، والتي يُحتمل أن تكون خيارات عسكرية، على نمط الإستفزاز الأمريكي الذي حدث في بحر عُمان.

كل ذلك التوتر والإستفزاز الأمريكي، يُراد منه صراحةً، الضغط على إيران قُبيل إستئناف المحادثات النووية في فيينا، لا سيما أن الغموض يؤطر مستقبل الإتفاق النووي الايراني، ليأتي تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ترجمة صريحة وواضحة للنوايا الأمريكية حيال إيران وبرنامجها النووي؛ بلينكن الذي لوّح باللجوء إلى الخيارات البديلة، ومنها ذلك العسكري، الأمر الذي يؤكد مضي الإدارة الأمريكية في اتباع سياسة الضغوط القصوى على طهران، وفي ذات السياق، فإن طهران تشترط خفض الإجراءات الأمريكية، والتراجع عن سياسة العقوبات، والكف عن السياسات الإستفزازية.

في مقابل ما سبق، ترفض إدارة جو بايدن، تقديم أي تنازلات في إطار الرغبات الإيرانية، الرامية لرفع العقوبات بالكامل عن طهران، لكن رغم ذلك، فقد تمكنت القيادة الإيرانية، من تخطي كافة العقوبات الأمريكية، والالتفاف عليها، بينما لا تزال واشنطن تتبع سياسة توتير الأجواء، والدفع باتجاه تحقيق المزيد من الضغوط ضد طهران، ولعل إحباط البحرية الإيرانية، المحاولة الأمريكية الإستيلاء على ناقلة نفط إيرانية، يُفسر النوايا الأمريكية تجاه طهران.

وبالتالي، وبصرف النظر عن الرواية الإيرانية وكذلك الأمريكية، لجهة ما حصل في بحر عمان، فإنه وبكل تأكيد، فإن تلك الحادثة ستلقي بظلال تأثيراتها على مسار المحادثات النووية، هذا الأمر، أكده الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، حين قال أن المفاوضات ستفشل ما لم يتمكن الرئيس الأميركي جو بايدن من ضمان عدم انسحاب واشنطن مجدّداً من الاتفاق، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي، الذي يفتقر إلى السلطة، ليس مستعدّاً لتقديم ضمانات. إذا استمر الوضع الحالي، فإن نتيجة المفاوضات واضحة.

في المحصلة، إيران كانت ولا زالت تتمتع بالصبر الإستراتيجي، وتقوم بتحويل العقوبات الأمريكية لمزايا وفرص في المستويات كافة، وبطبيعة الحال، فإن المتابع للشأن الإيراني، يدرك بأن العقوبات الأمريكية وسياسة الضغوط القصوى ضد طهران، لم ولن تحقق غاياتها، بل على العكس، فقد تمكنت إيران من تحقيق قفزات نوعية في المجال النووي والاقتصادي، وعليه، فإن إيران لا تستعجل العودة إلى الإتفاق النووي، وهي تنتظر البوادر الأمريكية والنوايا الحسنة من قبل الإدارة الأمريكية، وبذلك فإن طهران مرة أُخرى تُحقق انتصاراً جديداً، وتُجبر واشنطن على إعادة النظر في سياساتها تجاه إيران.