في مؤتمر بغداد إيران تفوز بالنقاط


بعد مؤتمر القمّة العربية الذي انعقد في الدار البيضاء عاصمة المغرب عام 1985م، كانت الخلافات العربية على أشدّها، لأسباب لن نأتي على ذكرها لأن العرب ليسوا بحاجة لأسباب لكي يختلفوا، وكان بيان القمّة الختامي أجوفاً كما بيان " مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، وبعد المؤتمر سأل أحد الصحفيين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد،" مع أن معظم من حضروا المؤتمر يعارضون سياساتكم، وخاصة مع إيران، فلماذا حضرتم مؤتمر الدار البيضاء"، فكان جواب الأسد:" لكي لا تتحول الدار البيضاء إلى بيت أبيض".
وأعتقد أن الجواب الإيراني بعد المؤتمر الذي انعقد في بغداد مؤخراً، سيكون ذات جواب الأسد، فيما لو سُئل أحد من المسؤولين الإيرانيين نفس السؤال.

والمُفارقة هي إن قمّة الدار البيضاء كان هدفها الأساسي زيادة دعم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بحربه التي افتعلها على إيران، ومحاولة تغيير موقف سوريا من هذه الحرب.

أمّا وفي مؤتمر بغداد، فلو مررنا على مواقف المؤتمرين بعضهم تجاه البعض الآخر، المعلنة سابقاً، والمقنّعة لاحقا،ً لعرفنا كم هو كبير حجم النفاق الذي حمله معهم هؤلاء القادة، ونستثني إيران التي حضرت بقوّة الجغرافيا، والتي ربّما كان الإستياء من حضورها هو الإجماع الوحيد لدى المؤتمرين، وربّما كان هذا الحضور هو العامل الذي منع الذهاب بعيداً بقرارات المؤتمر، ولاسيّما بعد انكشاف المخطط الأميركي الجديد للمنطقة، والذي يقوده الرئيس الفرنسي بالتكليف، دافعاً بالرئيس المصري، والملك الأردني، ورئيس الوزراء العراقي، ليكون الثلاثة رؤوس حراب في هذا المشروع الذي فضحه لقاؤهم الثلاثي في بغداد منذ شهر تقريباً، وكان قد سبق ذلك تحركاتهم وتصريحاتهم، وخاصّة تجاه سوريا، وقد بدى جلياً أن هذه التحركات وهذه التصريحات، وكأنها أتت من قِبل هواة يباشرون خطواتهم الأولى في السياسة، ولذلك لم ينخدع بها أحد، ويأتي تخبّط الإدارة الأميركية عبر سفيرتها في لبنان ليزيد في فضح هذا المخطط، هذا التخبّط الأميركي الذي ظهر للعلن بعد خطاب الأمين العام لحزب الله، حين أعلن تحرك باخرة النفط المتوجهة من إيران إلى لبنان، وأن هذه الباخرة تُعتبر أرضاً لبنانية ، حينها اضطرت الإدارة الأميركية لأن تفصح عن مخططها لاستجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا حتى ولو كان في ذلك فائدة لا تتمناها لسوريا، ولكنها الضرورة، ولذلك أعطت الإدارة الأميركية الأوامر بالتنفيذ، ومعروف أن الرئيس المصري قد أفشى بسر هذا المخطط لسعد الحريري عندما كان الأخير مُكلفاً بتشكيل الحكومة في لبنان.

ما من شكّ أن الحضور الإيراني كان الأكثر بريقا،ً وخاصة تلك الرسائل الأربع التي وجهها وزير الخارجية الإيراني السيد حسين أمير عبد اللهيان، حيث أتت الأولى حين قال أن إيران تنسق لهذا المؤتمر بشكل كامل مع سوريا، وستطلعها على نتائجه مباشرة، حيث كانت هذه الرسالة ضربة استباقية ناجحة جدا،ً تلتها الرسالة الثانية حين قال، أن أمن العراق لا يتحقق بدون مشاركة الدول المجاورة بما فيها الجمهورية العربية السورية، والثالثة حين خرق الوزير الإيراني البروتوكول، ووقف في المكان المُخصص لوقوف الرؤوساء، وذلك أثناء التقاط الصورة التذكارية، أما الرسالة الرابعة، فهي حين توجه من بغداد إلى دمشق لإطلاع القادة السوريين على أجواء المؤتمر.

وبهذا المؤتمر، كم كنا نتمنى على رئيس الوزراء العراقي أن يُغلّب، ولو قليلاً، الحس الوطني العراقي، على الإملاءات الأميركية، ويُذكّر الأميركيين، ولو من باب العتب، بأنهم غزو العراق، ودمروه، وسرقوا خيراته، وما زالوا يحتلون أرضه، برغم توصية البرلمان العراقي بخروجهم، وأن يعتذر من الشعب العراقي، لأنه، وبصفته رئيس السلطة التنفيذية في العراق، لم يعمل على تنفيذ توصية البرلمان، وكم كنا نتمنى أن يدين الإحتلال التركي لجزء من الأراضي العراقية، والإعتداءات العسكرية التركية المتواصلة على الشعب العراقي، أو يشجب سلب تركيا حق العراق من مياه نهري الفرات ودجلة، أو يستنكر أن تقفز تركيا فوق السيادة العراقية لتتعامل مع إقليم كوردستان كأنه دولة مستقلة، أو يستنكر الدعم السعودي للجماعات الإرهابية المسلحة التي احتلت أجزاءاً واسعة من العراق، حتى وصلت في عام 2014 م إلى مشارف بغداد، قبل أن يدحرها الجيش العراقي بمساعدة الحشد الشعبي، ولكن يبدو أن الحاجة للرضى الأميركي عليه، وسعيه لفوز كتلته بالإنتخابات البرلمانية العراقية، وبالتالي عودته مرة أخرى لرئاسة الحكومة تبدو أهم من تطلعات ورغبات الشعب العراقي.

ختاماً، من المؤكد أن هؤلاء القادة لن يلعنوا الإنهزامية، لأنها تسكنهم، ولن يلعنوا التبعية، لأنها أوصلتهم لكراسيهم، بل، ولألف مرّة، سيلعنوا الجغرافيا، التي جعلت وزير الخارجية الإيراني، وباللغة العربية الفصيحة، التي لا يجيدها حتى بعض الملوك العرب، يتفوق عليهم، ويقول بلسان إيران التي يساهمون في إضعافها، وبلسان سوريا التي كانت حاضرة بقوة رغم التغييب،" إن الأميركيين لا يجلبوا السلام والأمن لشعوب المنطقة، بل كانوا العامل الرئيسي للإنفلات الأمني في المنطقة"، وليتحول هذا المؤتمر، من مؤتمر يتشكّل من خلاله حلف في وجه الصين وروسيا والمحور المقاوم، إلى مؤتمر لالتقاط الصور، وتقاذف الابتسامات.