تركيا وإعادة تفعيل استراتيجية “صفر مشاكل”.. هل تتحقق الأحلام التركية؟


خلال سنوات ما سُمي بالربيع العربي، دأبت تركيا، وانطلاقاً من موقعها الجيو استراتيجي، الناظم لكل المعادلات الإقليمية والدولية، وبالتوازي مع أفكار رجب طيب أردوغان الإخوانية، ورغبته بتعميم نموذج إسلامي” حضاري”؛ دأبت على التدخل في كل البلدان التي حط بها رحال ما أطلق عليه زوراً وبهتاناً “الثورة”، وقد نجحت تركيا في بعض البلدان، وعبر ذراعها الإخواني، لكنها فشلت في بلدان أُخرى، وباتت استراتيجية صفر مشاكل، ضرباً من الخيال، فقد باتت تركيا أردوغان، بؤرة تجمع لإرهابيي العالم، فضلا عن سياسات صدامية، مع تدخل عسكري في سوريا والعراق وليبيا، ودعم سياسي للإخوان في مصر، وعليه باتت تركيا أردوغان، وبعد تغير الكثير من المعادلات في الإقليم، وحالة الاصطفاف التي هندستها تطورات وتأثيرات ما سُمي الربيع العربي، في موقع الخاسر الأكبر، ومع وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وعطفاً على الانكسار التركي في سوريا، كل ذلك، أجبر رجب طيب أردوغان، على إعادة تقييم علاقاته الإقليمية، أملاً بالحفاظ على مكانته السياسية في الداخل التركي، ورغبة منه بإبقاء مقعد تركيا ذات الموقع الجيوستراتيحي، بين اللاعبين الكبار.
ضمن ما سبق ،يبدو أن أردوغان يريد نظم علاقات إقليمية جديدة، بغية الخروج سياسياً من وضعه المأزوم، فقد دعا أردوغان إلى إقامة علاقة شراكة مشتركة بين بلاده وكل من مصر والدول الخليجية تنطوي على “ربح متبادل”، وتأتي هذه الدعوة في وقت تسعى فيه أنقرة إلى تطبيع علاقاتها مع الدول التي ترى فيهم منافساً إقليمياً لمصالحها الخارجية.
في ذات السياق،  قال أردوغان في مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية التابعة للحكومة “نريد الاستفادة القصوى من فرص التعاون مع مصر، وتحسين علاقاتنا على أساس الربح المتبادل”. كما أضاف “هذا ينطبق أيضاً على الدول الخليجية”، في إشارة إلى السعودية والإمارات التي تتّسم العلاقات بينها وبين تركيا بتوتّر شديد، وخاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في مبنى السفارة السعودية في تركيا، والتي أدت إلى أزمة دبلوماسية استمرت سنوات عدّة بين تركيا والدول العربية الثلاث.
في مقابل ذلك، هناك جهود تركية تأتي في الإطار الدبلوماسي، بغية إصلاح العلاقات مع مصر، فقد شهدت العلاقة المصرية التركية، توترات وتحديات كثيرة، خاصة بعد وصول الرئيس السيسي إلى كرسي الحكم، وتعد تصريحات أردوغان تجاه مصر، بوابة لتلطيف الأجواء، وتهيئة المناخ للمرحلة التي تلي تلك المباحثات، حيث حرص أردوغان على القول “أنا أعرف الشعب المصري جيّداً وأحبّه. علاقاتنا الثقافية قوية للغاية”.
لا نعلم إن كان أردوغان يُدرك بأن التصريحات الجذابة شيء، والواقع السياسي شيء أخر، خاصة أن هناك الكثير من العقبات، التي تمنع وصول أردوغان إلى شواطئ إعادة العلاقات رسمياً مع مصر، وكذا السعودية والإمارات، لكن بنظرة منطقية، قد تكون المصالحة بين مصر وتركيا، ممكنة، ولكنها لن تكون سهلة، وذلك بسبب وجود الكثير من الملفات الشائكة، التي تسمم جو العلاقات بين البلدين، ومن أهم هذه الملفات، يمكن الإشارة إلى اتهام الرئيس أردوغان شخصياً للرئيس السيسي بأنه قائد انقلاب، كما تتهم القاهرة انقرة بأنها أصبحت وكراً علنياً لقيادات من حزب الإخوان المسلمين، الذين فروا من مصر واتخذوا من انقرة منبراً لتوجيه خطاباتهم وبث كراهيتهم للحكومة المصرية بقيادة السيسي.
لكن فيما يتعلق بالتقارب المصري التركي، ثمة جزئية لابد من الانتباه إليها، تتعلق بالشعور المصري بالإحباط، بعد المصالحة الخليجية، والتي لم يكن لمصر اي دور أو حضور ضمنها، وبالتالي، فإن مصر لديها شعور بأنها غُدرت بعد المقاربة الخليجية مع قطر، حيث ذكرت بعض المصادر أن “كلاً من مصر والإمارات بدأتا في استغلال مسألة التواصل مع تركيا، في إطار الضغط المتبادل في ظل التباين في توجهاتهم حيال بعض المواقف التي ترقى إلى حد الخلافات، بسبب بعض ملفات المنطقة وفي مقدمتها الملف الليبي”.
من الواضح أن تركيا ترغب في التصالح مع مصر، بغية خفض مستويات العداء بين أنقرة وباقي دول المنطقة، وخاصة بعد تزايد الخلاف بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، بسبب صدامها مع اليونان على ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى تدهور اقتصادها وانهيار سعر العملة التركية، وربما تكون مصر هي جسر العبور لتركيا لإعادة العلاقات مع السعودية والإمارات.
ختاماً، يمكن القول أن تركيا دائماً ما كانت تتبع سياسة الهروب من الأزمات، فعندما كانت تتدخل في أي بلد وتصل إلى مرحلة من عدم الفائدة، أو تتعرض لأزمة، تلجأ إلى فتح منفذ لها لتهرب من أزمتها، فبعد أزمتها في سوريا، لجأت للاتحاد الأوروبي، وبعد أزمتها في الاتحاد الأوروبي، لجأت إلى ليبيا، وها هي اليوم تلجأ إلى مصر، لانتشالها من المستنقع الليبي، و تهيئة مناخ العلاقات مع كل من السعودية والإمارات، لإنقاذ اقتصادها الذي أوشك على الانهيار، وبالتالي فإن العودة التركية إلى الحضن المصري، ليست هدفاً، وإنما وسيلة لتحقيق أهداف أكبر تسعى إليها القيادة التركية، لإعادة الأمل للاقتصاد التركي وتحقيق الانتعاش من جديد.