لبنان خارج عناوين الرفاهية السياسية وانعدام التوازن


بعيداً عن عناوين التجاذبات بين الأفرقاء السياسيين، أو الارتباطات الإقليمية التي تؤطر المشهد السياسي في لبنان، لكن الواقع في لبنان يزداد تأزماً يوماً بعد يوم، وعلى الأصعدة كافة، إذ كان من الضروري تحييد أي خلافات سياسية، تمهيداً لولادة حكومة جديدة، وكان من الحريّ ببعض التيارات السياسية في لبنان، أن تبتعد عن ارتباطها الإقليمية المُعطلة لإرساء أسس الاستقرار، في بلد أنهكته حالة الكباش السياسي والتدخلات الإقليمية، ومنذ بداية الانهيار عام 2019، ومروراً بحادثة انفجار مرفأ بيروت، كان لزاماً على الجميع في لبنان، البدء الفوري بتطبيق برامج توقف الانهيار المالي والسياسي والاقتصادي، ويحفظ مدخرات اللبنانيين ومعاشاتهم، ويعيد بناء ما تهدم في الانفجار ويعوض الضحايا ثمن الكارثة.
لا يختلف اثنان بأن لبنان دخل مرحلة جديدة عنوانها الرئيس انعدام التوازن، خاصة أن اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، ستكون له نتائج تتعلق بتعطيل عمل المؤسسات، والذهاب نحو المزيد من التآكل الاقتصادي، وانهيار العملة اللبنانية، وعطفاً على حالة الفوضى التي أُشيعت من قبل أنصار الحريري، الأمر الذي يضع لبنان أمام تحدٍ جديد، لابد على العقلاء السياسيين في لبنان، البحث لإيجاد مخرج يُجنب لبنان واللبنانيين، المزيد من الأزمات والكوارث.
يُدرك الجميع بأن اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، لم يكن ليتم لولا الضغوط السعودية والأمريكية وضمناً الفرنسية، الأمر الذي سيترك وبحسب مصادر، أثراً سلبياً مباشراً في سعر  العملة الوطنية أمام الدولار، وهي المنهارة أصلاً، وسيؤثّر في الشارع المؤيد للرئيس سعد الحريري، إلا أن الاحتجاج وقطع الطرقات لن يستمرا طويلاً، وستبقى حالة الفوضى منضبطةً، وتحت سقوف محدَدة، لأنها تتنافى مع إرادتين محلية ودولية تلتقيان على منع الانزلاق إلى الفوضى الأمنية. والحديث الدولي المتكرر، عن دعم الجيش اللبناني ودوره في الداخل، إنما يصب في هذا السياق.
دعوة الرئيس اللبناني ميشيل عون إلى الاستشارات النيابية، قابلتها معلومات تؤكد بأن كُتلاً وازنة في المجلس النيابي، لن تشارك في تلك الاستشارات التي دعا إليها عون، فبحسب وجهة نظر هؤلاء، فإن الدعوة إلى الاستشارات لن تُفلح في التوافق على شخصية قادرة على تحمل ظروف لبنان الاقتصادية والسياسية، ولابد في هذا الإطار، من اتفاق وتوافق يتجاوز لبنان، طرفاه إقليمي ودولي، ويحظى بدعم كامل من كافة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الشأن اللبناني.
بضرف النظر عن المشهد السابق، لكن لبنان وصل إلى حافة الهاوية، فإما الجنوح نحو الاستقرار، وإما استمرار العمل بنمط الإملاءات الخارجية، والتي تحدد عمل الحريري وتأثر على قراره، الأمر الذي سيجعل من لبنان، بوابة لإحداث ضغوط داخلية وإقليمية، يُمكن استثمارها تُجاه حزب الله من جهة، وسوريا من جهة أُخرى، فالدول الضاغطة على لبنان والتي تصادر قراره السياسي واستقراره الاقتصادي، إنما تعمل في اتجاه تأزيم الأوضاع اللبنانية، لإنهاك لبنان قبيل الوصول إلى الانتخابات النيابية، وبهذا المعنى، فإن كل ما يحدث حالياً في لبنان، يأتي في إطار التأثير المسبق على تلك الانتخابات، وإطالة أمد الأزمات، ووضع حدود ترسم بموجبها المصالح السعودية والأمريكية والفرنسية في لبنان.
لبنان خارج عناوين الرفاهية السياسية وانعدام التوازن، هذا عنوان المشهد في لبنان، فلا مقومات نجاح سياسي تلوح في الأفق، والمحاصصة الطائفية تؤطر أي حل، والنظام المالي والمصرفي في لبنان، ينهار بوتيرة متسارعة، والسعودية تُعطل كل شيء في لبنان، ومعادلة الافقار التام والعمل على انهيار العملة اللبنانية، هي هدف سعودي أمريكي فرنسي؛ كل ذلك هي مدعاة للوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين، وتحييد أي خلاف سياسي وضرب حالة الاصطفاف الاقليمي، المُعطل لأي حل سياسي، يُنقذ لبنان واللبنانيين، من كارثة مُحتمة.

المصدر: رأي اليوم