تزول الشخوص وتبقى الماثر
عالية محمد رحمها الله أنموذجا
موظفة بسيطة بروح الوطنية والمواطنة الصالحة الحقيقية
سؤال بسيط قد يكون عدد موظفي القطاع العام قرابة الاربعة ملايين ، لماذا تركزت الاضواء على ام غزوان الى مدى ان الكاتبة الانجليزية "جنيت وينتر" عندما علمت بقصتها كتبت كتاب للاطفال عنها ليتعلموا الشجاعة والوطنية منها ، الكتاب موجود في كل مكتبات اوروبا تحت اسم "موظفة مكتبة البصرة"
وتحول الكتاب الي مسرحية تعرض على اهم مسارح العالم
انها السيدة العراقية العظيمة التي انقذت تراث بلدها
لنستعرض تلك الحادثة التي حولت موظفة مكتبة بسيطة الى أيقونة عالمية .
القصة مفادها الست ام غزوان
كانت تعمل موظفة في مكتبة البصرة المركزية ، ابان حرب عام 2003 دخلت قوات عسكرية عراقية الي مبنى المكتبة لتنصب مضادات للطائرات فوق سطحها ، لنوضح المشهد دخول قوات عسكرية الى مبنى مدني بتلك الفترة سيفقد المبنى صفته المدنية ويتحول الى هدف عسكري يمكن ان يستهدف باي لحظة ، طبعا هناك جزء يجب النظر اليه بعمق بنظام وأجهزة امنية شمولية متسلطه الامر العسكري نافذ المفعول وغير قابل للنقاش ، هناك تفاصيل اخر مهم يستحق التدقيق الموظف بذلك المبنى ( دائرة حكومية ) عندما يأمر بترك الموقع لن يكون تحت طائلة القانون او العقوبة بحالة حدوث اي حدث يمكن ان يسبب او يتسبب بأقصى الحالات بتدمير كامل للمبنى ومافيه من محتويات .
برغم من كل ما تقدم واخلا طرف اي موظف من اي مسؤولية إدارية او قانونية طلبت هذه السيدة ان تنقل الكتب والوثائق والمخطوطات الثمينة التي تحتوي عليها المكتبة الى موقع أمن .
حقيقة هناك سرد اورده الاستاذ موفق الربيعي بعنوان شخصية من بلادي يسعدني أن يكون جزء من كلماتنا .
ولدت عالية محمد باقر كاظم الخفاجي في مدينة المعقل بالبصرة عام 1952 ، أنهت دراستها الابتدائية في مدرسة الميناء المختلطة ، وأكملت الثانوية في ثانوية المعقل للبنات ، ثم التحقت بالجامعة المستنصرية ببغداد , ونالت منها شهادة البكالوريوس في علم المكتبات ، عملت بعد تخرجها عام 1975 في مكتبة الموانئ العراقية ، وظلت على ملاكها حتى عام 1983 ، ثم انتقلت إلى محافظة ذي قار للعمل كأمينة لمكتبة مدينة الرفاعي ، عادت ثانية إلى البصرة عام 1989 لتعمل كأمينة لمكتبتها المركزية على ملاك وزارة الحكم المحلي ، وظلت في منصبها هذا حتى عام 1994 ، عملت منذ عام 1994 بوظيفة أمينة في المكتبة المركزية العامة في البصرة ، فكانت حقاً أمينة عليها وعلى مقتنياتها لمدة أربعة عشرة عاماً ، كانت فيها المكتبة ملتقي عشاق العلوم والفنون والآداب ، وملاذهم وواحتهم وديوانهم وحديقتهم الزاخرة بالكنوز والنفائس .
انقبض قلب السيدة عالية موظفة المكتبة وهي ترى قوات عسكرية تقوم بنصب مدافع مضادة للطائرات فوق بناية مكتبة البصرة المركزية عام 2003 والتي كانت تضم في قاعاتها الكتب النادرة والمخطوطات الثمينة، في تلك اللحظة تراءى لها مصير عشرات الآلاف من الكتب والمصادر، ورأت في ما رأت في حدوس المرأة التي لا تخطئ أن الكتب ستكون طعما للنيران في الأيام القادمة ، فطلبت من محافظ البصرة وقتها بالسماح لها بنقل محتويات المكتبة الى مكان أكثر أمانا ، لكن قوبل طلبها بالرفض دون أي سبب ، فبدأت بنقل الكتب إلى منزلها في حي الكفاءات مقابل مخازن شركة نفط الجنوب في باب الزبير بعد ان اودعتها في مطعم حمدان القريب من المكتبة فاعترض عليها الضابط المقرب من المحافظ ، وبادر بإبلاغ وكيل المحافظ السيد ( نجيب محمود) ، فقال الوكيل أتركوا (عالية) تتصرف بالطريقة التي تراها مناسبة ، فهي أعلم من غيرها بقيمة هذه الكتب التي لا تقدر بثمن ، اتفقت مع حارس المكتبة وبادرت إلى القيام بمجازفة شخصية متحملة المسؤولية الكبرى في تهريب الكتب ليلا بمساعدة الجيران من سكان المنطقة، فساعدها صاحب المطعم والخباز وغيرهما من الرجال البسطاء الذين لا يجيدون القراءة ولا تعنيهم الكتب في شيء لكنهم أقدموا على المساعدة في عملية نقل الكتب لشعورهم بالانتماء للوطن ورغبة لإنقاذ تراثه ، وبعد ان تمكنوا من تهريب 30000 كتاب وذلك بنقلها بستائر المكتبة وبغضون عدة ايام احترقت المكتبة ولكن الكتب كانت بامان بما في ذلك كتاب سيرة النبي محمد الذي يعود تاريخه إلى حوالي 1300 سنة .
هناك كلمات كتبت بحقها تستحق النظر ومنها ما كتبته السيدة لطفية الدليمي ( ان الإنسانية الفذة واحترام المعرفة تتجسد في لحظات فارقة تمر بها الشعوب خلال الحروب والكوارث التي تتعرض لها وتبرز نماذج إنسانية باسلة وهي إزاء تهديد الموت والخراب الذي تنذر به الحواس والحدوس أكثر مما تنذر به حسابات الواقع ) وأضافت ( انحني احتراما للسيدة عالية فقد قامت بفعل ثقافي كبير تعجز عنه اتحادات الأدباء المحلية والعربية ويعجز عنها مثقفو الأضواء وهم يلقون معلقاتهم من فوق المنابر وفي الفضائيات كطواويس مزهوة )
، المستشار الثقافي لمحافظ البصرة عبدالامير الوائلي وصف الفعل الذي قامت به مديرة المكتبة بانقاذها 50% من الكتب والمراجع والمصنفات خلال الحرب التي مر بها العراق في عام الفين وثلاثة بالمميز، لم يستطع الكثير من الرجال فعله وكتب عنها الأديب (رحيم بور) مدير المكتبات في الأحواز بخط يده في الشهادة التكريمية ، التي منحها لها ( لأنك أنت النور في زمن الظلمات ، والسفينة التي أنقذت العلم والمعرفة والتراث القيم من بحر الضياع ، إن ما قمت به من عمل جبار ، ومبادرة عظيمة تنبع من رسالتك الإنسانية النبيلة ، التي يتشرف بها كل وطني غيور ، إن الأمانة التي جعلتها نصب عينيك ذات شأن عظيم وأجر كريم ، فأنتِ أهل للإجلال والتقدير ، يدين لك الجميع بالشكر والامتنان والعرفان ) وكتب كاظم فنجان الحمامي ( قصة حقيقية لامرأة عراقية شجاعة سطرت أروع صور الكفاح والتضحية والإيثار ، عندما جازفت بحياتها من أجل إنقاذ نفائس الكتب والمراجع والمخطوطات الثمينة ، فنجحت في حمايتها من بلدوزرات التخريب وآفات النهب والدمار ) .
في العاشر من أكتوبر سنة 2004، أعيد فتح المكتبة ، وعينت عالية باقر مديرة لها، وبفضل إخلاصها هي وطاقم العاملين معها استطاعوا إعادة مجدها وجعلها قطبا معرفيا عظيما .
ختاما نردد تزول الشخوص وتبقى الماثر .
الامن متعض ومستمع ومتعلم
الرحمة والنور للست عالية الخفاجي ام نعمان واسكنها فسيح جناته
تقديري واعتزازي
التعليقات