السلاح النووي الإيراني في الإستراتيجية الأمريكية


تم إطلاق برنامج إيران النووي في فترة خمسينيات القرن العشرين بمساعدة من الولايات المتحدة جزءا من برنامج "الذرة من أجل السلام".

حيث شاركت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الغربية في البرنامج النووي الإيراني إلى أن قامت الثورة الإيرانية عام 1979 وأطاحت بشاه إيران.

بعد الثورة الإسلامية عام 1979، أمر روح الله الموسوي الخميني بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية للبرنامج ، ولكنه أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الطاقات النووية، وسمح بإعادة تشغيل البرنامج خلال الحرب الإيرانية العراقية، وقد خضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاة روح الله الخميني في عام 1989

يعتبر مفاعل بوشهر أول محطة للطاقة النووية في إيران، وقد اكتمل بمساعدة كبيرة قدمتها وكالة روساتوم الروسية الحكومية. وقد افتتح رسمياً في 12 سبتمبر 2011.

في نوفمبر 2011، انتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجلس محافظي إيران. وبعد تقرير الوكالة خلصت إلى أن إيران على الأرجح قد أجرت البحوث والتجارب الرامية إلى تطوير قدرات الأسلحة النووية قبل عام 2003.

يُوضح تقرير الوكالة تفاصيل المزاعم بأن إيران أُجريت دراسات تتعلق بتصميم الأسلحة النووية، بما في ذلك وضع المفجر، ووضع نقط متعددة من المواد شديدة الانفجار، والتجارب التي تنطوي على إمكانية حمل صواريخ نووية على مركبات ناقلة.وقد ذكر عدد من الخبراء النوويين الغربيين بأنه كان هناك القليل جداً من الجديد في التقرير، أنه المعني في المقام الأول الأنشطة الإيرانية قبل عام 2003، وأن وسائل الإعلام أعطت تقارير مبالغ فيها.إيران رفضت تفاصيل التقرير واتهمت الوكالة الموالية للغرب بالتحيز.وهددت بخفض تعاونها مع الوكالة الدولية.

في عام 2010 نشرت فتوى بتحريم إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة النووية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي على موقع مكتبه في ندائه للمؤتمر الدولي لنزع السلاح النووي في طهران. وأكّد خامنئي أن البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض سلمية، وأن مبادئ الجمهورية الإسلامية تمنعها من اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.

في مطلع العام الجاري، توعدت إسرائيل بالتعامل مع المشروع النووي الإيراني وفق عدة سيناريوهات بهدف كبح طموح إيران النووي. وجاء التنفيذ بعد عدة أشهر في أبريل/نيسان الماضي باستهداف مفاعل نطنز بحادث تفجير قالت إيران إن أحد عملاء الموساد نفذه وهرب.

ويحبس العالم أنفاسه مع كل مناسبة يتراشق فيها الطرفان التهديدات والوعيد، خشية تصاعد الأمر إلى عمل عسكري مباشر، وهو سيناريو نفذته إسرائيل قبل أربعين عاما في العراق

ماذا عن إيران؟
ربما من المفارقات أن الطائرات التي استُخدمت في عملية "أوبرا" كانت مخصصة لإيران في الأصل. إذ وقع شاه إيران محمد رضا بهلوي صفقة شرائها من الولايات المتحدة، لكن الثورة الإسلامية حالت دون تسليمها لإيران، وكانت في النهاية من نصيب إسرائيل.

ولا يخشى المسؤولون الإسرائيليون التصريح باحتمال اللجوء للحل العسكري مع إيران، إذ لوح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه مرتين بإمكانية اللجوء لعملية جوية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية كما فعل سلفه بيغن، كانت إحداهما في عام 2005، والأخرى في عام 2012.

لكن المراقبين يستبعدون احتمال مثل هذه المواجهة المباشرة، إذ أن إيران اليوم لا تشبه عراق الأمس. فالمشروع النووي العراقي كان وليداً ولم يبدأ العمل بعد، وكان تحت رقابة تامة من المفتشين الأمميين والخبراء الفرنسيين.

وفي المقابل، يبدو المشروع الإيراني شديد التقدم بالنسبة لمشروع العراق، إذ استكملت البنية التحتية لمفعلاتها، وتمكنت بالفعل من تخصيب اليورانيوم بمستويات كافية لإنتاج سلاح.

وكان تراجع إدارة ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 فرصة لاستكمال عمليات التخصيب بعيدا عن قيود الاتفاق، إذ أعلنت إيران - كرد فعل على الموقف الأمريكي - تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة، واستئناف التخصيب حتى تركيز 20 في المئة وبناء مخزون من تلك المواد.

كما تحظى إيران بدعم من روسيا والصين في الوقت الراهن بينما كان المعسكر الشرقي وقتها في حالة ضعف وقت بناء المشروع العراقي إبان الحرب الباردة، ما سهل من عملية التضييق على العراق.

لكن ذلك لا يعطي حصانة كاملة للمنشآت النووية الإيرانية، إذ تحاول إسرائيل تنفيذ عمليات تخريب دون التدخل العسكري المباشر، كان آخرها اغتيال كبير العلماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زاده مطلع هذا العام، ثم التفجير في منشأة نطنز في أبريل/نيسان الماضي.

وتتمسك إيران في المقابل بحماسها ودأبها على تطوير قوتها النووية، وقالت وقت تفجير نطنز إنها ستعمل على استكمال تخصيب اليورانيوم به خلال تسعة أشهر (إيران هي القاسم المشترك لكل مشكلاتنا في المنطقة) هكذا قال مسؤول أمريكي في تصريح ينم عن مدى التوتر وعمق الأزمة في العلاقات الإيرانية الأمريكية، ولكنه يكشف في الوقت نفسه عن الوعي الأمريكي بالدور المتعاظم لإيران في المنطقة مما يدفع المرء إلى التساؤل: هل تسعى أمريكا حقاً إلى حرمان إيران من السلاح النووي؟ وما حقيقة الموقف الأمريكي إذن من السلاح النووي الإيراني؟

الموقف الأمريكي كما عبرت عنه التصريحات الرسمية المعلنة يعتمد موقف المواجهة للمشروع النووي الإيراني، ووصل إلى التهديد بالحرب وإجهاض هذا المشروع بالقوة المسلحة سواء أكان ذلك بالطريق المباشر أي استخدام القوات الأمريكية وخاصة الموجودة بالجوار العراقي، أو التلويح بالذراع الصهيونية والتذكير بما فعله طيران العدو بالمفاعل النووي العراقي في ضربة قاصمة عام 1981.

ولكن في الوقت نفسه فإن إيران تبدو ماضية في مشروعها بالمزج بين الوسائل الدبلوماسية والسياسية، والتلويح بأوراقها المختلفة في المنطقة، ومنها الرد العسكري على أي ضربة توجه إليها؛ بينما يبدو الموقف الأمريكي في نظر بعضٍ كأنه غير مكترث بما يجري.

وما بين التهديدات وعدم المبالاة يدور المشهد الأمريكي في حلقة غامضة تثير الحيرة والبلبلة.
 
ولكن: لماذا هذا التغير في السلوك الإستراتيجي الأمريكي النووي؟  إن مخاطر السياسة الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة تتجلى في اعتمادها سياسة لحظر نشر الأسلحة ليس عن طريق المعاهدات بل بالهجوم؛ فهي تتنكر جذرياً لفرضية الردع الكلاسيكية كي تنحو في اتجاه مخطط استخدام الأسلحة النووية وضرب النظام الذي ينتج أسلحة محظورة، وتعطي الأولوية لنشر الأسلحة النووية.

كل ما سبق يعني أن الإستراتيجية الأمريكية الحالية هي عدم التوقف عن إنتاج الأسلحة النووية؛ ولكن ما يعرف بالنووية التكتيكية والتي تمكِّن الولايات المتحدة من الرد على المجموعات الإرهابية أو ما يسمونه (الدول المارقة) بالمنظور الأمريكي وليست هذه إستراتيجية أمريكية فقط، ولكنها إستراتيجية أوروبية قد تكون نتيجة تنسيق بين الأطراف المختلفة، أو تكون نوعاً من إثبات القوة أمام الهيمنة الأمريكية. وإذا كانت الولايات المتحدة نجحت في إسقاط الاتحاد السوفييتي بما يمثله من قوة نووية هائلة بدون إطلاق أي قوة نووية أو غير نووية فإن الولايات المتحدة واثقة من أنها قادرة على من هو أقل منه شأناً في ذلك المضمار.

أهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
يُجمِعُ المراقبون السياسيون على وجود هذه الثلاثية من الأهداف التي تبغي الإدارة الأمريكية تحقيقها في المنطقة وهي: الدولة الصهيونية، والنفط، ومحاربة الإرهاب؛ ولكن خلافهم حول أولويات هذه الأهداف وترتيبها؛ والتي تصب في النهاية لتحقيق الهدف الرئيسي الذي عبر عنه بوش في خطابه في احتفال البحرية الأميركية في فلوريدا يوم 13/2/2003م بقوله: نرغب أن نكون بلداً فوق الجميع.

الموقف الأمريكي كما عبرت عنه التصريحات الرسمية المعلنة يعتمد موقف المواجهة للمشروع النووي الإيراني، ووصل إلى التهديد بالحرب وإجهاض هذا المشروع بالقوة المسلحة سواء أكان ذلك بالطريق المباشر أي استخدام القوات الأمريكية وخاصة الموجودة بالجوار العراقي، أو التلويح بالذراع الصهيونية والتذكير بما فعله طيران العدو بالمفاعل النووي العراقي في ضربة قاصمة عام 1981.

ولكن في الوقت نفسه فإن إيران تبدو ماضية في مشروعها بالمزج بين الوسائل الدبلوماسية والسياسية، والتلويح بأوراقها المختلفة في المنطقة، ومنها الرد العسكري على أي ضربة توجه إليها؛ بينما يبدو الموقف الأمريكي في نظر بعضٍ كأنه غير مكترث بما يجري.
ولكن ما هو موقع إيران من تلك الأهداف الأمريكية؟

بالنسبة للنفط فإن إيران من كبار منتجيه في العالم، وفضلاً عن ذلك قربها من المنتجين الرئيسيين في الخليج العربي، كما تطل بشواطئ طويلة على ذلك الخليج الممتدة من عبدان وحتى المحيط الهندي؛ ومع وجود قوات بحرية قوية فإنها تستطيع تهديد مرور ناقلات النفط في الخليج، وسبق أن هددت بذلك؛ فبعض التقارير العسكرية التي أقرت بها إيران، تفيد بأنها تمتلك غواصة لا يستطيع الرادار كشفها، كما أنها دأبت على تصنيع توربيدات محلية الصنع قد تسبب أرقاً للبحرية الأمريكية في مياه الخليج الضحلة أساساً؛ هذا بالإضافة إلى ترسانة صواريخ أرض أرض التي تمتلكها والمتمثلة بمنظومة صاروخية ذات تقنية روسية صينية وكورية شمالية ومحلية الصنع يقف على رأسها الصاروخ شهاب.

والدولة الصهيونية حاضرة بالنسبة للمنظور الأمريكي لإيران؛ فالإستراتيجية الأمريكية من ضمن خطوطها العريضة الحفاظ على أمن دولة العدو؛ وإيران تمتلك كثيراً من المؤهلات العسكرية والبشرية والتقنية وهو ما يجعلها نِدّاً إقليمياً للعدو الصهيوني مكافئاً لها.

أما مكافحة الإرهاب؛ فوجود إيران كمعبر من أفغانستان إلى العراق يشكل هاجساً مهماً بالنسبة لأمريكا التي تخوض حرباً ضروساً مع الجماعات الجهادية التي تنشط بشكل مكثف في كل من البلدين، وتغرق الجيوش الأمريكية في تلك المناطق حتى أذنيها؛ فضلاً عن الحضور الشيعي في كل من هذين البلدين. 

باستعراض ما سبق نجد أن الولايات المتحدة تنظر إلى إيران بحجمها الإستراتيجي في المنظور الأمريكي كدولة موجودة على الخارطة وقوة لا يمكن تجاهلها بحال من الأحوال؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة يمكن أن تغض النظر عن مستوى معين في التسلح النووي الإيراني.

الإجابة هي أنه لا بد أن هناك خلافاً بين الطرفين على المساومة على الأوراق السياسية المطروحة بينهما؛ ففي مقابل الأوراق الإيرانية السابقة الذكر تملك أمريكا ورقة فعالة وهي ورقة البرنامج النووي الإيراني، ويشير أكثر المراقبين إلى أن صفقة يمكن أن تتم بين الطرفين، وأن الخلاف هو حول الأولويات؛ فحسب بعض التقارير الإخبارية أن الإيرانيين يريدون صفقة شاملة من النووي، وحتى التفاصيل الاقتصادية والسياسية في شرق إيران وغربها وجنوبها وشمالها. و الأميركيون يفضلون الاتفاق على المسائل واحدة بعد أخرى من العراق وحتى لبنان اذ أن الولايات المتحدة الآن في مواقع الدفاع في الشرق الأوسط رغم جيوشها الضاربة في كل مكان... تحتاج أميركا إلى الاستقرار في العراق، وإلى الاستقرار في لبنان، وإلى الاستقرار في الخليج
ولن تستقر مادامت جمهورية ايران الاسلامية تشكل خطرا على مصالحها والعدو اللدود للكيان الصهيوني.