دمشق وطهران وقمة بغداد.. معادلة جغرافية المقاومة.


على الرغم من الزخم الإعلامي أثناء وما قبل قمة جوار العراق، إلا أن سقف التوقعات لمخرجات هذه القمة، لم تكن على مستوى الآمال، فالمراقب لتطورات المنطقة، يدرك أن التحديات بمستوياتها كافة، تُرخي بظلالها على عموم المشهد الشرق أوسطي، وضمن ذلك، ثمة مؤشرات يتعلق جُلها، برغبات إقليمية ودولية، بالذهاب في مسار التهدئة دون إحداث أي تعقيدات من شأنها عرقلة المساعي الرامية في المضمون والأهداف، لتأسيس معادلة جديدة، قوامها حلول سياسية مستدامة، والبحث عن موجبات الاستقرار، خاصة في ظل تردي الواقع الاقتصادي لغالبية الدول الإقليمية، جراء عقود الحرب الأمريكية، فضلًا عن تداعيات فايروس كورونا. 

قمة بغداد وبمن حضر، لم تُقدم أي مسار جديد، ولن نقول هنا، بأن غياب دمشق عن القمة، قد افرغ مضمونها، لكن لا يُمكن لأي مسار إقليمي أو دولي، أن يصل إلى نهايته، دون لمسات دمشقية، بمعنى، أن الحرب على سوريا وعناوينها، أسست لجملة معادلات، كانت دمشق عنوانها الرئيس، وبالتالي، لا يُمكن لأي قمة إقليمية، أن يُكتب لها النجاح، دون حضور دمشق، وعليه فإن قمة بغداد، وقبل أن تبدأ، لم ولن تُحقق أي نتائج سياسية، لا على المستوى الإقليمي فحسب، بل أن العراق لن يتمكن من حصد ثمار هذه القمة، خاصة أن جارة العراق سوريا، لم تحضر. 

العلامة الفارقة في قمة بغداد، كانت حضور وزير الخارجية الإيراني السيد أمير عبد اللهيان، والذي استبقت تصريحاته قبيل التوجه إلى القمة، عنوانا بارزا تمثل في ضرورة حضور دمشق، وكذا تصريحاته خلال القمة، والتي أكد من خلالها، أن لدمشق دورا هاما في تنسيق ملفات المنطقة، الأمر الذي ترجمه الوزير الإيراني، في زيارة دمشق بعد انتهاء القمة، لتكون هناك معادلة راسخة بين دمشق وطهران، وستكون بلا ريب، بوابة للكثير من المعادلات القادمة في المنطقة. 

الوزير الإيراني والذي تعكس تصريحاته حقيقة الموقف الإيراني أكد صراحة من خلال زيارته لدمشق ولقاء الأسد، بأن سوريا لها دور في دعم استقرار العراق، وبأن إيران على اتصال دائم مع سورية فيما يتعلق بالأمن والتنمية المستدامة للمنطقة، وهي ستتشاور مباشرة مع دمشق حول هذا المؤتمر وستؤكد على الدور المهم لدول المنطقة بخصوص أي مبادرة إقليمية.

عبد اللهيان الذي وصل سورية، للقاء كبار مسؤوليها قادماً من بغداد، في محطته العربية الثانية بعد العراق منذ تعيينه في منصبه، وسيستقبله وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، هاجم في كلمته خلال المؤتمر الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، قائلاً: إن "الأميركيين لا يجلبون السلام لشعوب المنطقة، بل كانوا العامل الرئيس للانفلات الأمني، ويمكن استشعار ذلك في كثير من دول المنطقة بكل جلاء".

قمة بغداد وبحسب توصيفات إعلامية، كان لها إيجابية وحيدة،  من خلال الحوار المباشر بين إيران ودول الخليج، والذي بدأ منذ فترة لإنهاء حالة العداء التي سادت في العقد الأخير، غير أن العناوين الأُخرى التي عبّرت عنها كلمات الحاضرين وبيانهم الختامي أجاب عن التساؤل المطروح، وهو لماذا لم تدعَ سورية؟ والتي كانت بحضورها ستعري عدداً كبيراً من المدعوين المنافقين والهاربين من العدالة الدولية، وتهم دعم وتمويل والاستثمار في الإرهاب الذي لم يضرب سورية فحسب بل ضرب أيضاً كل دول المنطقة.

في المحصلة، صحيح أن دمشق لم يتم دعوتها لحضور قمة بغداد، لكن الصحيح أيضاً، أن دمشق سجلت نقطة ذهبية في سياق تعرية مواقف بعض الدول التي تدعي رغبتها بايجاد حلول للأزمة السورية، كما أن دمشق وإن لم تحضر، لكن لا يُمكن لأي مسار إقليمي أن يكتمل دونها، وبزيارة وزير الخارجية الإيراني السيد أمير عبداللهيان إلى دمشق، إنما تؤكد المؤكد، بأن دمشق ومحورها المقاوم، كان وما زال، العنوان الأبرز في عموم المشهد الشرق أوسطي.