نظرة اقتصادية في قانون التجنيد الالزامي
ان الزيادة السنوية في العراق في السنوات الأخيرة يقترب من المليون نسمة سنويا، وهذه الزيادة كبيرة جدا بالنسبة الى عدد السكان البالغ أكثر من الأربعين مليون نسمة (1) في هذا العام. حيث يبلغ نسبة الذكور من هذا الرقم هو 50.50 % اما الاناث فكان نسبتهم هي 49.5 %(2).
ان عدد الشباب الذين يبلغون من العمر (18 – ثمان عشر عام) من هذا العدد في هذا العام وهو 2021 يبلغ 882,093 نسمة (1) وهذا يشكل نسبة 2.151 % من العدد الكلي، حيث يشكل الذكور من العدد 455,370 شاب (1)، وهذا يعني ان نسبة الشباب الذين هم في سن الثامن عشر هو 1.11 % من المجتمع، اما الاناث فهي 426,723 شابة (1) في عمر الثامن عشر.
نعود الى موضوعنا وهو التجنيد الالزامي للشباب وهذا يعني ان 2.151 من المجتمع العراقي سوف ينخرط ضمن صفوف الجيش العراقي، للعلم ان جزء من الجيش هم من المتطوعين وهم الضباط والمراتب من الجيش العراقي، والنتيجة ان العدد الكلي سيبلغ بحدود 600 ألف منتسب للجيش العراقي.
سيناريوهات متوقعة
1 – عدم تسريح افراد الجيش الحاليين والذين يبلغون من العدد اكثر من 288 ألف منتسب (3)، فاذا اضفنا إليهم العدد الحالي، ربما يصل العدد من 700 الف.
فاذا كان العدد الحالي من المنتسبين في وزارة الدفاع، وان حصة وزارة الدفاع لسنة 2019 هو اكثر من تسعة تريليون دينار عراقي (4) ، اما المبلغ المخصص للوزارة لسنة 2021 فهو بحدود العشرة تريليون دينار عراقي. هذا المبلغ فقط 288 الف، فكيف اذا اصبح العدد 750 الف (اذا جمع عدد الشباب في عمر 18 سنة مع القوى العاملة في الجيش الان وهي 288 الف) .
النتيجة هي ان المبلغ سيتم ضربة بثلاث أي ان المخصصات الكافية له إذا تم تشريع القانون سيكون بحدود 30 ثلاثين تريليون دينار عراقي أي سيأخذ ربع الموازنة العامة الاتحادية، فكيف اذا تمت إضافة رواتب ومخصصات وزارة الداخلية وبقية الأجهزة الأمنية المساندة، التي هي الان مع وزارة الدفاع تأخذ بحدود 20 % من الموازنة، النتيجة ان اكثر من ثلث الموازنة سيتم صرفها على الأجهزة الأمنية.
وهذا ما يخالف ابجديات الاقتصاد الحاث على تقليل النفقات وتعظيم الايرادات ويخالف توجه الحكومة وورقتها الإصلاحية (الورقة البيضاء).
2. السيناريو الثاني، تسريح المتطوعين الحاليين
هذا السيناريو غير منطقي، وهو يحتمل احتمالين، وهما
أ. تسريح بدون تقاعد، وهذا يخالف الانظمة والقوانين وغير ممكن ابدا.
ب. تسريح مع تقاعد، هذا ممكن لكن فيه سلبيات كثيرة، اهمها
- يوجد شباب من المتسرحين وهؤلاء يمتلكون طاقات، وسيبحثون عن عمل في القطاع الخاص، لان لا يستطيعون العمل في القطاع العام لان ذلك يعتبر مخالفه وجمع بين وظيفتين، وبالتالي سينافسون بقية العاطلين عن العمل.
- ان هؤلاء المتسرحين، يمتلكون خبرات كبيرة، لانهم تدربوا ودخلوا دورات كثيرة، الدورات تعني صرف اموال، وبالتالي استبدال ذوي خبرة باخرين لا يمتلكون اي خبرة.
- ان احالتهم للتقاعد يعني اعطاء اموال بدون مقابل، هو مقابل خدمات سابقة، وكذلك اعطاء رواتب اي اموال لأناس اخرين، وبالتالي ان صرف الاموال تضاعف وهذا تم تفصيله سابقا.
إيجابيات القرار
قلنا سابقا ان عدد الشباب في عمر الثامن عشر هو 455,370 شاب (1)، فاذا تضمن التشريع بإمكانية دفع بدل الخدمة العسكرية بمبلغ مالي ولنفترض خمسة مليون دينار عراقي، طبعا هو مبلغ كبير بالنسبة للفقير ومبلغ زهيد جدا للساسة الذين هم كانوا سابقا ام لازالوا في السلطة. ولنفترض فرضية أخرى وهي ان ثلث الشباب بإمكانهم ان يدفعوا ذلك المبلغ أي يصل الى 150 الف شاب، سيكون مردود الوزارة السنوي بحدود 750 مليار دينار، أي تريليون الا ربع وتعني ان نسبة 7.5 % من التخصيصات المالية التي خصصت للوزارة تم تمويلها من بدلات الخدمة.
مناقشة بدل الخدمة
ذكرنا فائدة القرار الاقتصادي من حيث المردود المالي، لكن لم يتم التطرق الى:
1 - الزيادة المهولة التي ستطال التخصيصات المالية لوزارة الدفاع من رواتب ودعم لوجستي وتدريب.
2 – ان العملية تحتاج الى مراكز تجنيد في كل المحافظات والاقضية كي تستطيع استيعاب الاعداد الكبيرة التي ستراجع تلك المراكز. للعلم ان كل مركز يحتاج الى بناية، واما يتم بناء تلك البناية او يتم ايجارها، وهذا يعني ان البنايات ستكلف مبالغ ضخمة جدا.
ان عدد الاقضية في العراق هو 130 قضاء (5) وان تكاليف البناية الواحدة يكون بحدود 500 مليون دينار، لذلك سيكون المبلغ الكلي للبنايات فقط هو (65 مليار دينار)
اما في حالة ان تلك البنايات سيتم ايجارها لا بنائها، لنفترض ان معدل الايجار لتلك البناية هو مليون ونص، فسيكون المبلغ الشهري الذي سيتم دفعة لكل البنايات هو (195 مليون دينار شهريا) اما سنويا، فسيكون المبلغ (2.340 مليار دينار سنويا) وهي مبالغ ضخمة.
3 – ان المراكز تحتاج الى موظفين مدنيين او عسكريين، والمركز الواحد يحتاج الى 15 موظف وان راتب الموظف الواحد هو مليون ونصف بالشهر، فسيكلف الدولة سنويا (35.1 مليار دينار).
4 – البنايات والمراكز، تحتاج الى نثرية من اجل دفع الكهرباء والماء وشراء القرطاسية ومن اجل صيانة البناية وكاز المولدة وغيرها من الأمور، ولنفترض ان مبلغ النثرية الشهري هو ثلاث ملايين دينار، فسيكون المبلغ السنوي المخصص للنثرية هو (4.68 مليار دينار سنويا)
5 – لو تم جمع مبالغ الفقرة (2 و3 و4) سيكون المجموع هو (72.02 مليار دينار سنويا).
6 – النقطة المهمة في هذا الامر ان المواطن سيتم مراجعة عدة دوائر لإنجاز تلك العملية، وبالتالي ان الاحتكاك بين المواطن والموظف يعني فساد مالي واداري ورشاوي كبيرة ومتفشية، وبالتالي ان عملية التجنيد ستزيد الفساد المالي والإداري وبشكل أفظع مما هو علية في بقية الوزارات.
7 – ان أبناء المسؤولين، سوف لن يخدموا في الجيش، وان عبئ الخدمة سيقع على عاتق الفقير فقط، مثلما وقع عبئ رفع صرف الدولار.
8 – ان المراكز المخصصة للتجنيد، ستكون أيضا خاضعة للمحاصصة بين الأحزاب، وربما يصل الامر الى محاصصة بين العشائر في بعض الاقضية.
من الناحية السياسية
1 – ان الحومات العراقية تتشكل بمحاصصة وان احد الأحزاب سيكون من نصيبة وزارة الدفاع وبالتالي ان العقود التي فية ستحال الى شركات تابعة للمسؤول الأكبر في الحزب وبالتالي ان الحزب الذي يسيطر على الوزارة ستكون مردوداته المادية اكبر.
2 – ان جميع النظم الديمقراطية، لا يوجد فيها تجنيد الزامي، بل هو تطوع وعقود مع الراغبين في الانضمام في صفوف الجيش، وهذا يعني ان التشريع مخالف للنظم الديمقراطية.
3 – قد يبرر البعض بان التجنيد الإلزامي يصنع الوطنية في قلوب الافراد فيه، وهذا غير صحيح كما راينا ان التجنيد الالزامي لم يصنع ذلك في زمن النظام الماضي.
4 – هل سيخضع الإقليم للتجنيد الالزامي ويخدم الفرد الكردي في الوسط والجنوب حاله حال بقية المحافظات. هذا مستبعد.
5 – هل سيخضع الجيش للمحاصصة الحزبية والمناطقية ويتم وضع جنود في محافظاتهم وجنود اخرين في محافظات أخرى
6 - ما الغاية منه عادة ما تقوم به الحكومات يعود بهدف مفيد ومثمر على الشعب اولا واخيرا هل نحن بحالة حرب ام هناك ما ينبأ بالخطر اذا كان هناك شيء من هذا القبيل فلماذا لم يتم فتح باب التجنيد الالزامي بداعش مثلا
من الناحية الاجتماعية
1 – يبرر البعض ان التجنيد الالزامي يصنع من الشباب رجال، ويقضي على التميع، لكن لاحظنا في أيام داعش ان كثير من الشباب المتميع قاتل قتال الأسود في الحشد الشعبي وفي الخطوط الامامية لجبهات القتال. وبالتالي لا حاجة للتجنيد
2 – ان التجنيد الإلزامي يجعل معظم الشباب قد استخدموا السلام وقد يخوضوا معارك وبالتالي ينتج من التجنيد الالزامي شعب أكثر عنف لان معظمة تعلم على حمل واستخدام السلام وبالتالي ميال للعنف اكثر.
3 – ان الطبقات الفقيرة هي من ستتحمل عبئ التجنيد الالزامي وتم توضيح ذلك في أعلاه.
4 – ان التجنيد الالزامي سيضيع سنين من طاقة وعمر وإنتاج الشباب في أمور هو في غنا عنها ومن الممكن ان يعملها غيرة والسبب انه لا يستطيع دفع البدل.
5 – سيشكل التجنيد عبئ على المواطن الفقير، لانه سيغادر اهله ويترك عمله من اجل شيء طارئ سيستمر لسنتين او ثلاث.
6 - أين دعاة المدنية ودعاة نحن نسعى للسلام وما تقوم به المقاومة هي لعسكرة العراق ونحن بحاجة إلى حياة جديدة تخلوا من الحروب أين أصواتهم أين ذهبت.
النتائج
1. ان الموضوع خالي من الجدوى الاقتصادية.
2. مخالف للتوجه العام للإصلاح الاقتصادي
3. مخالف للورقة البيضاء
4. ان العراق يمتلك نسبة عالية من تعداد قوى الامن بالنسبة إلى عدد سكانه، وبالتالي يحتاج لتقليل ذلك لا زيادته.
التوصيات
1. عدم المضي بهذا التشريع لأسباب تم توضيحها في اعلاه.
2. تقليل الانفاق على الأجهزة الامنية والاعتماد على النوعية لا الكمية.
- - - - - - - - - - - - - - -. ء.
المصادر
(1) – موقع الجهاز المركزي للإحصاء http://cosit.gov.iq/ar/
(2) – تقرير في موقع الجزيرة الإخبارية https://www.aljazeera.net/news/2021/1/12
(3) – قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2021.
(4) - قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2019.
(5) - موسوعة وكيبيديا العالمية
التعليقات