الانتخابات الرئاسية في إيران.. في الثوابت والتوجهات.
الحالة الديمقراطية بعناوينها العريضة، تعكس الصورة الحقيقية لأي دولة، وعندما نتحدث عن إيران الدولة الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في قضايا المنطقة، فإن الحديث عن الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا، يُجسد المعنى العميق للديمقراطية، في محيط إقليمي غالبية دوله لا تعرف معنى صناديق الانتخابات، وإمعانا في المعنى الحقيقي للديمقراطية، فإن الشعب الإيراني وبمشاركته الواسعة في الانتخابات، فقد ترجم هذا الشعب خياره، عبر انتخاب السيد إبراهيم رئيسي، قائداً للمرحلة الأكثر حساسية في مستقبل إيران، وبالتالي، فإن الدول التي تدعي الديمقراطية، عليها التعامل مع الرئيس الإيراني، بناءً على خيار الشعب الإيراني الذي قال كلمته.
ثمة تساؤلات تحكمها طبيعة النظام الإيراني، وشبكة علاقاته الإقليمية والدولية، ولعل السؤال الأبرز في هذا الإطار، يتمحور حول تأثير الانتخابات الإيرانية، على التوجهات السياسية لطهران، في المستويين الإقليمي والدولي، ومن البديهي أن يكون الموقف الإيراني تُجاه سوريا وفلسطين والعراق واليمن، ثابتاً لا يتغير، إذ يُركز المهتمون بالشأن الإيراني، على هذه الجزئيات، لانعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على العديد من الملفات والقضايا الاقليمية والدولية، تحديداً تلك التي لها تأثير على محور المقاومة ككل؛ صحيح أن المتغيرات الإقليمية والدولية، قد تفرض على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قواعد ومعادلات جديدة، لكن الصحيح أيضاً، أن رئيسي شأنه شأن كل الزعماء الإيرانيين، لديهم توجهات ثابتة تُجاه قضايا المقاومة.
في جانب أخر فإن انتخابات إيران، هي تجرية ديمقراطية لها خصوصيتها امتدت لأربعة عقود، أيّ منذ انتصار الثورة الإسلامية، وجاءت الانتخابات الإيرانية ضمن الاستعدادات للدخول إلى الاتفاق النووي، مع القوى الدولية، وبدون شك، فإن مسار الانتخابات الإيرانية، ووضوح المشهد السياسي في إيران، والمشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، كل ذلك سيحدد مسار التفاوض الراهن في فيينا بشأن الاتفاق النووي، وعطفاً على ذلك، فإن رئيسي قد حدد شكل المرحلة القادمة، وعناوينها وأطر التعاملات الإقليمية والدولية.
في نقطة اساسية لابد من الاشارة إليها لانها تتعلق بصلب الانتخابات الايرانية،وما بعدها لجهة انتخاب رئيسي، الأمر الذي يساعدنا على استقراء القادم في ايران داخليًا وخارجيًا، فالبعض وجه انتقادات لحكومة الرئيس حسن روحاني، إذ يأخذون عليه أن موقفه بقى ضبابيا تجاه الاستثمار واعادة الاعمار في سوريا، رغم الدور الكبير الذي لعبته ايران في حرب سوريا على الإرهاب، وقد يعود السبب في ذلك الى أن روحاني لم يكن يؤمن بضرورة التدخل في سوريا، بل أن بعض قيادات التيار الاصلاحي الذي يدعم حكومة روحاني، انتقد بشكل علني وصريح التدخل الايراني في سوريا، وعليه، فقد بات واضحاً، أن سياسة ايران الخارجية ستبقى ثابتة، وأن هناك ملفات لا تخضع للتغيير الذي يطرأ على البلاد بعد الانتخابات، خاصة اذا عرفنا أن السلطات الايرانية العليا ومن بينها المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني غالبا ما تتخذ القرار الحاسم تجاه تلك الملفات.
في ذات السياق، فإن الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، يكشف عن خطط إيران المستقبلية، ويتحدث لأول مرة عن امريكا والعقوبات والنووي وأولويات حكومته، إذ أشار رئيسي في أول خطاب له، إلى أن الشعب الإيراني صنع ملحمة جديدة عبر مشاركته في الانتخابات، وأوضح أن المشاركة في الانتخابات عبرت عن إرادة الشعب للتغيير في الوضع الاقتصادي، لافتا إلى أن الانتخابات حملت رسائل للعالم على الرغم من الدعاية الإعلامية المعادية.
وأضاف رئيسي، أولوياتنا تحسين الوضع المعيشي للشعب الإيراني وبناء نظام إداري سليم بعيدا عن الفساد، مؤكدا أن الظروف ستتغير لصالح الشعب الإيراني.
وشدد رئيسي على أن سياستنا الخارجية لن تبدأ من الاتفاق النووي ولن تنتهي به، موضحا أن سياسة الضغوط الأمريكية فشلت في تحقيق أهدافها، وأنه يتعين على واشنطن إعادة النظر فيها.
وفي إطار الحديث عن مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، علق رئيسي قائلا: أدعم المفاوضات النووية، لكن ينبغي تحقيق المطالب الإيرانية، مضيفا أن طهران لا تعول على مفاوضات فيينا لتحسين الوضع الاقتصادي.
كل ما سبق، وعطفاً على خطاب إبراهيم رئيسي، فإن ملامح المرحلة القادمة باتت واضحة، وإلى حدٍ ما، فإن سياق السياسية الإيرانية بأبعادها الداخلية والإقليمية والدولية، ستبقى ثابتة، لكنها تبقى رهناً بالمتغيرات التي تفرضها التطورات الإقليمية والدولية.
التعليقات