التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم

( اتّفاق السّلام ) بداياته ، أبعاده واستراتيجيّاته ( الجزء الرّابع )


كنت قد توقّفت في الجزء الثّالث عند سعي سورية لتغيير خطابها الإعلاميّ عبر اعتراف عدد من الوزارات السّوريّة بإسرائيل والإشارة للهجرات اليهوديّة ، وتغيير مناهجها لتتوافق مع المرحلة القادمة ، مع الإشارة لوضع سورية في ظلّ الأزمة والمؤامرة عليها ودور بعض المنظّمات الفلسطينيّة في تخريب سورية  ودعمها الإرهابيين رغم أنّها كانت في الحضن السّوريّ ، وسنكون في الجزء الرّابع مع الرّؤيا السّوريّة حاليّاً لاتفّاق السّلام القادم وآفاق ذلك الاتّفاق المستقبليّ المنشود ، وأسعى للإجابة على عدد من الأسئلة منها : 
هل آن الأوان لعقد اتّفاق السّلام بين سورية وإسرائيل ؟ وما أبعاد ذلك الاتّفاق واستراتيجيّاته المستقبليّة سواء على السّاحتين السّوريّة والإسرائيليّة أم على المستوى العربيّ أو العالميّ عموماً ؟!.. 
وممّا لا ريب فيه أنّ تحرير الدّاخل السّوريّ جزء مهمّ جدّاً من تأمين السّلام الدّاخليّ وحالة الاستقرار لربوع سورية ، وتعِدّ سورية ما تعرّضت له مؤامرةً كونيّة ذات جذور إسرائيليّة كونها مدعومة بأسلحة إسرائيليّة وفق ما أثبته الإعلام الرّسميّ السّوريّ ، كما تعِدّ المعركةَ مع الجماعات المسلّحة جزءاً من معركتها ضدّ العدوّ الإسرائيليّ _ وفق ما تسمّيه عبر ما ذكرتُه من إثباتاتٍ في الجزء الثّالث _ ولو أنّها قامت بالرّدّ على العدوان الصّهيونيّ منذ بداية الأزمة لاستطاعت أن توئد تلك المؤامرة قبل تفاقمها ، ولما استطاعت تلك الجماعات احتلال أراضٍ سورية داخليّة وهي التي مهّدت لدخول قوّات احتلال متعدّدة لربوع سورية  ونهب خيراتها والإسهام في دمارها .    
وإنّ قراءة تحليليّة للأوضاع السّياسيّة على السّاحة الإقليميّة حاليّاً تشير إلى ظهور واضح لمسارات عديدة تجنح للسّلام في المنطقة بين عدد من الدّول العربيّة ولما يُطلَق عليه : ( إسرائيل ) ، إن كانت الإمارات أو البحرين ولاحقاً بعض الدّول الأخرى خليجيّة وغير خليجيّة سواء أكانت سرّاً أم علناً ، وسورية لم تُبدِ أيّة تصريحات رسميّة حيال تلك الاتّفاقيتين الأخيرتين سواء للإمارات أم البحرين ، وكذا الحال في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ، وإذا كانت فلسطين أو لنقل أبناء فلسطين قد عقدوا سلسلة اتّفاقيّات مع إسرائيل فما الذي يضير الدّول العربيّة أن تعقد مثل تلك الاتّفاقيّات ليعمّ السّلام والأمن والاستقرار في المنطقة العربيّة بدل حالة الصّراع وعدم الاستقرار الذي امتدّ لسنين خلت وأنهك اقتصاد الدّول واستنزف خيراتها وأبناءها ، وإنّي أرى أنّ هناك تحوّلاتٍ سياسيّةً كبيرة في المنطقة خصوصاً والعالم عموماً يمكن أن تؤدّي بسورية لإبرام اتّفاق سلام مع إسرائيل ، وهذا ليس خافياً على أحد ، فقد صرّح به السّيّد مهدي دخل الله عضو القيادة المركزيّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ قبل شهرين تقريباً في الإخباريّة السّوريّة ، وكذلك فإنّ السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد قد صرّح في مقابلة سابقة من العام الحالي لوكالة سبونتيك الرّوسيّة قبل شهرين ، فقال : 
" سورية مستعدّة لإقامة علاقات طبيعيّة مع إسرائيل عندما نستعيد أرضنا " ، وهذا يؤكّد إمكانيّة عقد اتّفاق سلام مع إسرائيل إذا أعادت إسرائيل الحقوق العربيّة السّوريّة واسترجعت سورية أراضيها حتّى خطوط الرّابع من حزيران لتعيدها لحضن الوطن ، وتمّ تطبيق القرارات الدّوْليّة ذات الصّلة ، وهذا ما يؤدّي بطبيعة الحال إلى تحقيق ما تريده سورية دون حرب أو إراقة دماء جديدة فوق ثرى الأراضي السّوريّة استناداً لما قاله السّيّد الرّئيس ، بعيداً عن التّنازلات ، وهذا موقف سورية ، وإن حدثت حرب  _ وهذا ما أستبعده _ فستكون مدخلاً وسبباً لإبرام الاتّفاق ، ولعلّ ذلك يؤكّد أنّ سورية كانت تدرك قبلاً أنّ حقوقها عائدةٌ لا محالةَ ، وبالتّالي تكون قد حقّقت أحد أهداف المقاومة في استرجاع الأراضي العربيّة المحتلّة ؛ وربّما لا أكون مغالياً إذا قلت : إنّ المنطقة قد تشهد اتّفاق سلام في ربيع العام القادم بين سورية وإسرائيل في حال قامت إسرائيل بإعادة الأراضي العربيّة السّوريّة المحتلّة وطبّقت القرارات الدّوْليّة الخاصة بهذا الأمر والتزمت بها وخصوصاً القرارين ( 242 ) و( 338 ) الصّادرين من مجلس الأمن ، وهما يشكّلان دعامة السّلام الشّامل الذي تطالب به سورية ، ومن هنا فإنّني أرى أنّ إسرائيل _ في حال التزامها بذلك _ تكون قد عادت لصوابها وسارت في الاتّجاه الصّحيح لإعادة الحقوق لأصحابها _ وطبعاً يأتي الجولان العربيّ السّوريّ في مقدّمة تلك الأراضي والحقوق _ وهذا من وجهة نظرٍ سوريّةٍ ، وبالتّالي يؤدّي إلى تحقيق مفهوم السّلام العادل والشّامل والمنشود في المنطقة ، وإنّ ذلك السّلام الذي ترعاه روسيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة سيتمّ فوق الأرض الإماراتيّة كونها تعمل له وتسعى من أجله استناداً لما تمّ التّصريح به من مصدر في الخارجيّة الأمريكيّة أواخر الشهر العاشر من العام الحالي ، وقد صرّح وزير الخارجيّة الرّوسيّ لافروف يوم الجمعة في الرّابع من الشّهر الحالي ضمن حوار " منتدى الحوار 
المتوسّطيّ " بما يلي : 
" لا يمكن استقرار الوضع في هذه المنطقة طالما لا يزال هناك جرح قديم مثل الصّراع العربيّ الإسرائيليّ "، 
وسيكون لهذا السّلام أثره وتداعياته ، ليس على المستوى الدّاخليّ فحسب لكلّ من سورية وإسرائيل ، وإنّما على مستوى المنطقة برمّتها ، وربّما أقول جازماً على المستوى العالميّ . 
فعلى المستوى الدّاخليّ لسورية : نلاحظ أنّ العملية السّلمية القادمة مرتبطة بالظّرف الإقليميّ الموسوم بالصّراع بين الولايات المتّحدة وإيران ، وكان موقف سورية من التّطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة ثانية هادئاً وبراغماتيّاً ، ولذلك خلا البيان السّوريّ من حدّة التّنديد والشّجب ، وأعتقد أنّ سورية تقبل بتحقيق اتّفاق السّلام استناداً لما قاله السّيّد الرّئيس لوكالة سبونتيك الرّوسيّة ، وإن كانت المفاوضات فوق الأرض الإماراتيّة لما للإمارات من أهمّيّة حاليّاً لسورية وهي أوّل دولة أعادت فتح سفارتها بدمشق وتلتها البحرين ، وتستطيع سورية أن تحقّق من اتّفاقها مع إسرائيل أهدافاً عدّة كنت قد أشرت لبعضها في الجزء الثّاني من البحث ، وهي : 
إلغاء قرار الكنيست الإسرائيليّ الصّادر في عام 1981 القاضي بضمّ الجولان ، وإقرار مبدأ السّيادة السّوريّة المطلقة على أرض الجولان والاستعداد للانسحاب الإسرائيليّ الكامل منه ، وأن تقبل إسرائيل بأن يكون الحلّ السّلميّ في إطار تسوية شاملة على مختلف الجبهات ، وأن تتمّ إجراءات أمنيّة على جانبي الحدود وضمان أمن كلّ دولة ، وأن تبدي سورية بالمقابل استعدادها للبحث في المسائل الأخرى المتعلّقة بالعلاقات الخاصة لفتح الحدود وفتح السّفارة والتّبادل التّجاريّ . 
وطبعا تأتي إعادة هضبة الجولان بعد انسحاب القوّات الإسرائيليّة ضمن فترة زمنيّة يتمّ الاتّفاق عليها من أولويّات الاتّفاق بعيداً عن التّنازلات لتحقيق مبدأ ( الأرض مقابل السّلام ) وليس السّلام مقابل السّلام ، ويأتي من نتائج ذلك الاتّفاق فتح سفارة إسرائيليّة وما يترتّب على ذلك من علاقات ، والتّبادل التّجاريّ من ذلك ، وإنهاء حالة ( لا سلم ولا حرب ) ، وإنهاء العزلة الدّوليّة ، وإعادة ترتيب العلاقات مع الدّول الغربيّة وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وإنّ أهمّ ما يمكن أن يتمّ إعادة الأمن والاستقرار إلى الأراضي العربيّة السّوريّة جميعها ووحدتها تحت راية الوطن الواحد الموحّد سياسيّاً واقتصاديّاً وقد غدا معظم الشّعب العربيّ السّوريّ قابلاً أيّ شيء يحقّق أمنه واستقراره وسلامه بغضّ النّظر عن التّطبيع والتّطبيل ، وإخراج القوّات التي تحتلّ سورية إن كانت الأمريكيّة أو التّركيّة وقوّات هيئة تحرير الشّام من إدلب وقوّات سورية الدّيمقراطيّة من شرق الفرات وكذلك تنظيم داعش من البادية السّوريّة وكذا الحال للقوّات الصّديقة كروسيا مع بقاء القواعد العسكريّة الضّرورية لها سواء في حميميم وغيرها بما يتمّ الاتّفاق عليه مع سورية ، وكذلك بعض القوّات الإيرانيّة مع ضمان سياسيّ واقتصاديّ لهما رغم أنّ هيئة مستشارين إيرانيين أكثر من كون تسميتهم قوّات ، وتحريك المجال السّياسيّ والدّبلوماسيّ من أجل فتح قنوات الاتّصال لإعادة الإعمار ، وكسب المزيد من العلاقات والتّحالفات في مواجهة محور الإسلام السّياسيّ المتمثّل بتركيّة وقطر ، وحلّ الأزمة السّوريّة وإيجاد حلّ سلميّ يضمن الاستقرار والسّلام الدّاخليّ أيضاً وليس الخارجيّ فحسب ، فكلاهما متوازيان ، وذلك الحلّ يؤدّي لاعتماد دستور يحقّق العدالة الديمقراطيّة والمساواة بين مختلف الشّرائح الاجتماعيّة والسّياسيّة في تحمّل المسؤوليّة والرّقابة والمتابعة بحيث يتمّ تطبيقه بصورة دقيقة ، وتحسّن في المستوى الاقتصاديّ بصورة عامة بعد رفع العقوبات المفروضة على سورية ، والإفادة من الثّروات الباطنيّة لدعم المستوى الاقتصاديّ الشّعبيّ وتحقيق الازدهار والتّطوير الاقتصاديّ لسورية بعد أن أنهكت الحكوماتُ المتعاقبة في سورية الشّعبَ العربيّ السّوريّ وهو الذي يموت على يد الإرهاب تحت الدّمار أو على يد الحكومات بغلاء الأسعار وتضارب التّصريحات من المسؤولين بفعل الاستئثار وإثارة النّقمة في نفوس الشّعب ، ومن الأهمّيّة أيضاً المضي في الإصلاحات الدّاخليّة بعد انتهاء الأزمة في مختلف المجالات سياسيّاً واقتصاديّاً وخدميّاً وإداريّاً وتفعيل دور الرّقابة الغائبة حاليّاً في مختلف مجالاتها وتفعيل الدّور الرّقابيّ لمجلس الشّعب بحيث يكون فاعلاً عموماً وليس انتفاضة انتخابات المجلس قُبيلَ انتهاء الدّور التّشريعيّ الخاص عندما يصحو الأعضاء فجأة بعد مرحلة سبات لسنوات ، ومحاربة الفساد حقيقة وعملاً بعيداً عن الشّعارات التي ملّها النّاس أو الشّعب عموماً وفق اعتماد معايير المكاشَفة والمصارحَة والمساءَلة والمحاكمَة والمعاقبَة لكلّ من الفاسد والمرشِّح لذلك الفاسد الذي ثبت فساده دون استمرار حالة فساد المحاربة وتحقيق مبدأ النّزاهة والكفاءة بعيداً عن المحسوبيّة والانتماء لأنّ سورية لكلّ السّوريين وفق مفهوم المواطنة ، وتفعيل دور الإعلام والقضاء وتغيير كثير من القوانين التي لم تعد منسجمةً مع الواقع السّوريّ الحاليّ ، وإصدار قانون انتخابيّ جديد يحقّق العدالة والدّيمقراطيّة الحقيقيّة بين مختلف الأحزاب السّياسيّة وفق التّعدّدية السّياسيّة الحقيقيّة لا الشّكليّة عبر إظهار بيانات انتخابيّة من المرشَّحين بعيداً عن الحالة الانتخابيّة التي كانت معتَمَدة قبلاً وهي تحقّق الأغلبيّة النّيابيّة قبل الانتخابات التّشريعيّة ، وأن تظهِر الحكوماتُ المكلّفَةُ برنامجَ عملِها للشّعب بصورة حقيقيّة أيضاً وليس لمجلس يتمّ تعيينه عبر تعيينات انتخابيّة شكليّة ، وعودة سورية لمكانتها الطّبيعيّة عربيّاً ودوليّاً وتحقيق التّعاون الإقليميّ وتعاون سورية مع محيطها لمزيد من التّرتيبات الأمنيّة في العراق وغيره أيضاً ، ومن الطّبيعيّ أن تتمّ عودة العلاقات العربيّة معها بعد رفع الحظر المفروض على الدّول العربيّة للانفتاح العربيّ نحو سورية .
ويمكن أن تحقّق إسرائيل أهدافاً عدّة تسعى لها من وجهة نظرها ، وأهمّها : السّعي لإفراز واقع جديد قد ينتهي بتفكيك سلاح حزب الله ، وإضعاف الموقف الفلسطينيّ الرّسميّ بعد فشل المفاوضات الفلسطينيّة الإسرائيليّة المتكرّر ، وإضعاف مواقف الحركات الرّاديكاليّة في السّاحة الفلسطينيّة ، وفتح باب العلاقات العربيّة مع إسرائيل بصورة أوسع ، والسّعي لفكّ الارتباط الاستراتيجيّ بين سورية وإيران ، وإبعاد إيران عن حدودها عبر إجراءات أمنيّة من سورية رغم أنّ هذا المطلب حدّدته إسرائيل في أثناء اجتماع ثلاثيّ روسيّ أمريكيّ إسرائيليّ في تلّ أبيب بتاريخ 25/6/2019م ، وقد جمع بين نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الرّوسيّ وجون بولتون مساعد الرّئيس الأمريكيّ لشؤون الأمن القوميّ وقتئذٍ ومئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ ، وكان الاجتماع برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ، ودعا الاجتماع إلى ضرورة انسحاب القوّات التي دخلت سورية بعد عام 2011م ، وقال فيه نتنياهو : 
" إسرائيل تدخّلت مئات المرّات لمنع إيران من التجذّر عسكريّاً في سورية " . 
 وإنّ ما تريده إسرائيل أيضاً إنهاء الصّراع العربيّ الإسرائيليّ ، والسّعي لتّعويضات دوليّة يمكن أن تتمّ نتيجة انسحابها من هضبة الجولان سواء بأراضٍ من دول أخرى كالأردن مثلاً أم عبر تأجيرٍ وتعويضات مادّيّة أخرى ، وإيجاد بيئة آمنة لها إقليميّاً ، وانسحابها من الهضبة ضمن فترة زمنيّة محدّدة يتمّ الاتفاق عليها ، وضمان التّبادل التّجاريّ . 
والتّطبيع مع الدّول العربيّة _ برأيها _ يؤمن لإسرائيل بيئة آمنة وينهي لديها حالة الصّراع العربيّ الإسرائيليّ ويحقّق لها أهدافها في المزيد من التّصعيد ضدّ إيران وحزب الله وخصوصاً الاتّفاقيّات التي تجريها مع دول الخليج ، ويمكن أن تسعى لخلق سباق تسلّح عربيّ في مواجهة إيران ، وهي تسعى لإيجاد قواعد لها في دول الخليج ممّا يشكّل تهديداً للأمن القوميّ الإيرانيّ ، كما تسعى لاستثمارات إسرائيليّة مختلفة لدى الدّول العربيّة ، وتسعى إسرائيل من تطبيعها مع الدّول العربيّة أيضاً لاستغلال قدراتها العلميّة والزّراعيّة والطّبّيّة من الدّول التي تطبّع معها ، وإنّ استعمال العرب لمصطلح ( العالم العربيّ ) وتكراره في الخطاب الرّسميّ العربيّ الإعلاميّ أو السّياسيّ يؤكّد حالات انفصاليّة عربيّة بعيداً عن وحدتها ، والذي أكّد ذلك أيضاً استعمال كلّ دولة عربيّة مصطلح : ( أمّة ) في إشارة إلى ذاتها وليس الأمّة العربيّة ، وتجلّى تأكيد ذلك في سورية أيضاً باستعمال السّيّد محمّد عبد الستار السّيّد وزير الأوقاف قبل أيام مصطلحَ ( الأمّة السّوريّة ) الذي سيمهّد لدستور يخلو من كلمة ( العربيّة ) ويؤسّس للقوميّة السّوريّة كما الأمّة الكويتيّة والمصريّة وغيرها ، وهذا يسهم في جعل الصراع العربيّ الإسرائيليّ فلسطينيّاً إسرائيليّاً صرفاً ، ولعلّ ذلك ما ترغب به إسرائيل.
وعلى المستوى العربيّ :  يشكّل الاتّفاق خطوة مهمّة جدّاً في إنهاء الصّراع العربيّ الإسرائيليّ ويؤدّي إلى حالة استقرار في الشّرق الأوسط ، ويحقّق أمن إسرائيل وفق منظور عالميّ ، رغم أنّه يفتح المزيد من التّصعيد في المنطقة ضدّ إيران ، وتغيير المعادلات الإقليميّة والدّوليّة في المنطقة ، وسيكون للإمارات العربيّة المتّحدة أهمّيتها في المنطقة تَبَعاً لما قامت به من وساطة بين الطّرفين السّوريّ والإسرائيليّ ، وهي التي تسعى أيضاً لوساطة عربيّة بين سورية والمملكة العربيّة السّعوديّة ، وهو ما سيمهّد الطّريق لسورية عربيّاً أيضاً ويعيد رسم السّياسات نحوها ويعيدها للجامعة العربيّة بعد أن تلقى دعماً عربيّاً مطلقاً ، وسيكون له تأثيره الاقتصاديّ في المنطقة عندما يتمّ العمل على تعزيز الأمن والاستقرار والمشاركة في التّكامل الاقتصاديّ والاستثمارات بين دول المنطقة . 
ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى هدف بعيد المدى للإمارات عندما تطلب من سورية مساندتها في تحقيقه ، ويتجلّى في سعيها لإعادة الجزر ( أبو موسى وطنب الصّغرى وطنب الكبرى ) التي تمّت الإشارة إليها في الجزء الثّالث وعدّتها الكتب المدرسيّة والمناهج في سورية احتلالاً . 
وعلى المستوى الدّوْليّ : تحقّق روسيا المزيد من أهدافها في سورية ، وخصوصاً في حالة إبعاد الطّرف الإيرانيّ ممّا يسمح لها بتحقيق المزيد من المكاسب والاستثمارات في سورية ، وإنّ التّطبيع العربيّ الإسرائيليّ يمكن أن يؤدّي إلى مزيد من النّمو الاقتصاديّ ليس بين الدّول العربيّة فحسب بل سيكون له أثره في الاقتصاد العالميّ ضمن إطار الطّاقة والابتكارات والمياه وسواها ، وإيجاد صيغة التّكامل  الاقتصاديّ ، كما أنّ الاتّفاق سيعيد رسم الخارطة السّياسيّة في المنطقة وأعتقد في العالم ، وسيجعل من إسرائيل دولة معترَفاً بها ضمن الشّرق الأوسط كونه يؤسّس لها ووجودها الشّرعيّ عبر الاعتراف بها ، وتعدّه الدّول عموماً خطوة في اتّجاه تطبيق صفقة القرن .    
وتبقى الأسئلة الآتية : 
ما مصير الأسلحة والثّروات ؟ وكيف ستتمّ آليّة توزيعها في ظلّ الاتّفاق بعد إنهاء حالة لا سلم ولا حرب ؟ وما مصير العلاقات الإيرانيّة السّوريّة ومع حزب الله ؟ وأين سيكون موقع مصطلحات ( الرّجعيّة العربيّة والامبرياليّة والرّدع والمقاومة والصّمود والتّصدّي والتّحرّر والممانعة ) في الخطاب الرّسميّ السّوريّ ؟! وما مصير العلاقة بحركات التّحرّر الإقليميّة والعالميّة ؟! .... فهذا ما سنبيّنه في مقالات قادمة ...

  الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : أ.
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية