حقائق عن اتهام نائبة رئيس البرلمان الاوروبي بالفساد : ما دور دولة قطر ؟


تناقلت القنوات التلفزيونية و الصحف البلجيكية و الاوربية حالتان فساد ، والعلاقة بينهما في التزامن فقط ، الحالة الاولى تخص البرلمان الاوربي ،حيث اوقفت الشرطة الاتحادية البلجيكية عشرة اشخاص ،اغلبهم اعضاء في البرلمان الاوربي ، وفي مقدمتهم السيدة إيفا كايلي ، نائبة رئيس البرلمان الاوربي ،وهي من الحزب الاشتراكي اليوناني وعضواً في البرلمان منذ عام ٢٠١٤ ،بتهمة الكسب غير المشروع .
وقد صادق البرلمان الاوربي يوم ٢٠٢٢/١٢/١٢ ، على اقالتها بغالبية ٦٢٥ صوت مقابل صوت واحد . والتهمة الموجّه لها هي التأثير على قرارات في البرلمان الاوربي لصالح دولة قطر مقابل اموال وهدايا ، وتنفي دولة قطر ، وهي التي تستضيف الآن ، وبنجاح ، بطولة كأس العالم ،ايّة مخالفات في العلاقات بينها وبين ايّ عضواً من البرلمان الاوربي .
 المدعي العام البلجيكي يتهم السيدة المذكورة مع اربعة اعضاء آخرين بالمشاركة في تنظيم اجرامي وغسل اموال وفساد . وحسب وسائل الاعلام البلجيكية تّمَ العثور على حقائب مليئة بالنقود في منزل كيلي في بروكسل ، وتقدّر ب ١٠٠ الف يورو و حقيبة اخرى ب نصف مليون يورو !
الحالة الثانية تتعلق برئيس برلمان اقليم والون البلجيكي ، و التهّمة الموجهّ ليست قضائية وانما ادارية و سياسية ، ومن بين التهم ، صرفهِ لمبلغ ٢٠ الف يورو على سفرة عمل الى ابو ظبي في منتصف عام ٢٠٢١ من ميزانية البرلمان ،الذي يرأسه ، حيث ترى اللجنة المختصة مبالغة و تبذير في فقرات الصرف ! وقدّمَ رئيس البرلمان استقالته ، واستقالة جميع اعضاء مكتبه ،و كذّبَ ارتكابه اي خطأ او تجاوز .
لمْ اتوقف طويلاً عن هذه الحالة ، العِبرة بذكرها هو صرامة الدقة والرقابة في أنفاق المال العام ،مقابل التبذير و التسيّب والهدر بالمال العام و سرقات ، وأخرُها مايُسمى ” سرقة القرن ” في العراق !
اعودُ الى التهمّة الموجّه الى نائبة البرلمان الاوربي ” وهي التأثير على قرارات البرلمان الاوربي لصالح قطر مقابل اموال و هدايا “،حيث تسترعي التوقف و ابداء بعض الملاحظات حول توقيت كشف هذا الحدث القضائي السياسي ، وحول حجيّته القانونية او القضائية ، وحول تداعياته .
يتزامن الحدث مع النجاح الذي حققّته قطر في اقامتها و رعايتها لبطولة كأس العالم ، ولم يقتصر النجاح على الجانب الرياضي و التنظيمي ،حيث تعّداه الى جوانب انسانية و اجتماعية و اخلاقية وسياسية ، الامر الذي اثارَ حفيظة واستياء بعض الدول ولوبيات و منظمات مؤثّرة في الاوساط الفكرية والسياسية و الاجتماعية الغربية .
 تصريحات و مواقف و تعليقات رسمية غربية ضّدَ قرار قطر بمنع رفع شعارات المثليين ، كذلك ضًدْ رفع العلم الفلسطيني ، واعتبرته احدى الصحف الالمانية معاداة للساميّة !
 مشاهد التضامن الجماهيري العربي ، والهتاف من اجل فلسطين يُخيف الكيان الاسرائيلي و داعميه ، من وسائل اعلام و حكومات و لوبيات غربية صهيونية . مشاهد التضامن الاسري و الاخلاق الانسانية التي عبّر عنها الجمهور المغربي والعربي و الفريق المغربي في ملاعب قطر ، و المرئية من اكثر من ملياري شخص تجعل الرأي العام في حالة توقف و استفهام عن حالة الانحدار التي ينقاد لها العالم بالترويج لسلوك بشري يتناقض مع الفطرة الانسانية ومع القيّم البنّاءة للانسان وللمجتمع .
اسرائيل و المنظمات والكيانات و الدول التي تقود هذا الانحدار ، وترّوج له و تدافع عنه يرّون في ملاعب قطر و اجراءاتها حواضن لِما عبّرت عنه الجماهير تجاه فلسطين ، و تجاه ظواهر الشذوذ الاخلاقي .
 لم استبعدْ هدف النيل من النجاح الذي حققته قطر ، والاضرار بمصالحها هو خلف هذه الحملة القضائية السياسية ،والتي ( واقصد الحملة ) وظّفت زيارات سابقة ،أجرتها السيدة نائبة رئيس البرلمان الى قطر ، في اطار عملها ،والتقارير الايجابية ،التي اعدتها ،عن حالة العمالة في قطر والرعاية الاجتماعية التي يتمتعون بها .
 ما يعزّزُ هذا الاستنتاج هو ماوردَ في مطالعة المدعي العام البلجيكي والذي يتهم فيه النائبة ” التأثير على قرار البرلمان الاوربي لصالح دولة قطر مقابل اموال وهدايا ” .
 سبب الاتهام هو انها كتبت إيجابياً عن حالات العمال و العمل في قطر ، والرعاية الصحية التي يحضى بها كل مقيم في دولة قطر ، وخاصة بعد الغاء نظام الكفيل للمقيم الاجنبي في قطر ، وانها تقاضت اموال وهدايا ، وسعت للتأثير على قرارات البرلمان الاوربي لصالح قطر . تجدرُ الاشارة ،بهذا الخصوص ،ان قرارات البرلمان الاوربي تخضع لدراسة وتقيم وتبادل اراء بين اللجان المختصة بالموضوع ، ولا تصدر على ضوء تقرير من الجهة المُكلفة بأعداد التقرير .
تجدر الاشارة ايضاً بأنَّ اكرام زائر لدولة بهديّة يُعّدْ من الامور المتعارف عليها في العمل الدبلوماسي ، ولا تتردّد دولة قطر بتحمّل نفقات ضيافة الزائر لدولتها و تكاليف اقامته واستقباله و توديعه ، ويحضرني ،بهذا الخصوص مفاتحتي مِنْ احد سفراء الدول الاوربية العاملة في قطر ( لا اريد اذكر اسمه و دولته ،لخصوصيّة الامر ) حين مدة عملي في قطر ( ٢٠٠٩ لغاية ٢٠١٤ ) ، بشأن زيارة وزير خارجية تلك الدولة لقطر ،و طلبَ منّي ان اساعده في مسألة ضيافة وزيره ، لانه – وكما قال لي – بيته لا يتسع لاستضافة الوزير و الوفد المرافق له وعددهم ٢ ، وليس لديه مخصصات لاسكان الوزير في فندق ! القارئ قد لا يصّدق ، وهي دولة اوربية ! قمتُ بالاتصال بالسفير القطري ،مدير المراسم في الخارجية القطرية ،والتي تربطنا واياه علاقة عمل و وّدْ واحترام ، وهو لا يزال في عمله الآن ،فشرحتُ له طلب السفير الاوربي وحيرته ، تعهّدَ الرجل و وفى حيث قامت الوزراة بدفع اجور ضيافة الوزير و والوفد المرافق .
 القصدُ مما ذُكرْ هو انَّ التفاوت في بعض العادات و التقاليد بين المجتمع العربي و الغربي ،وخاصة في الكرم و الضيافة قد يثير استحسان او استهجان ، او يكون مناسبة للذين يتصيدون في الماء العكر ، او مناسبة لتوظيف سياسي .
و استحضرُ ، بمناسبة ذكرْ التوظيف السياسي، كيف تّمَ استبعاد و اسقاط المرشّح للانتخابات الفرنسية ، والتي جرت عام ٢٠١٩ ، وهو السيد فيليب فلّون ، والذي كان يحضى ، وحسب استطلاعات الرأي ، بأعلى نسبة في التصويت بسبب تعينه لزوجته في مكتبه كبرلماني ،حين كان عضواً في البرلمان ، ولكن السبب الحقيقي هو مواقفه الرافضة للهيمنة الامريكية على القرار الاوربي ، وتصريحاته العلنية المعارضة للحرب على سوريا و المعارضة للارهاب .
 التداعيات الآنيّة لهذا الحدث تدّلُ ايضاً على توظيفه سياسياً : البرلمان الاوربي قرر ان يعيد النظر في قراره باعفاء القطريين من سمة الدخول شنغن للدول الاوربية ، والمعارضة الفرنسية وبعض السياسيين الفرنسيين الذين وجهوا انتقاداً للرئيس الفرنسي ماكرون للزيارة التي يقوم بها اليوم الى قطر ، لتشجيع الفريق الفرنسي ، حيث يرون في الزيارة دعماً سياسياً لقطر .