قراءة في كلمة السيد مقتدى الصدر مركز افق للدراسات والتحليل السياسي


تابعنا بدقة ما تحدث به السيد مقتدى الصدر في كلمته يوم الخميس ١٨/ ١١/ ٢٠٢١ حول الانتخابات وتداعياتها، وتشكيل الحكومة وتبعاتها.

تحدث السيد في قضيتين :

الاولى : قضية سياسية. 

والثانية : قضية امنية.

اما القضية الاولى،  فقد طالب السيد مقتدى من خصومه  الشيعة تحديدا ان ( لا تكون خسارتهم بداية لخراب الوطن والعملية السياسي)، واوصى قوى الاطار ان ( يراجعوا انفسهم ليعيدوا ثقة الشعب بهم).

 

وهنا تستوقفنا جملة ملاحظات منها

اولا: ان السيد يتحدث بثقة عن خسارة خصومه في الانتخابات ، وكلامه موجه الى قوى الاطار مجتمعة ( بوصفها القوى الرافضة للانتخابات )، وهذا الكلام مردود، كون السيد مقتدى خصم لتلك القوى ، واقراره بصحة ونزاهة الانتخابات وبالتالي اقراره بخسارة الخصوم ليس حجة عليهم ، فالخصم لا يكون حكما ، واذا كان اقرار السيد مقتدى بخسارة خصومه في قوى الاطار حجة، فلماذا لا يكون اقرار قوى الاطار بتزوير الانتخابات حجة عليه ايضا؟ ( حكم الامثال فيما يجوز ولا يجوز واحد).

ثانيا: ان السيد مقتدى ينصح قوى الاطار ان  يراجعوا انفسهم ليعيدوا ثقة الشعب بهم.

ووفق حسابات لغة الارقام وعدد الاصوات فان قوى الاطار حصلت على اصوات من الشعب تساوي اربعة اضعاف ما حصلت عليه كتلة السيد مقتدى ، واذا كان عدد الاصوات معيار رضا او عدم رضا الشعب ، فهذا يعني بالضرورة ان قوى الاطار التي صوت لها الشعب بهذا العدد لا تحتاج الى مراجعة، بل على الاخوة في التيار الصدري ان يراجعوا انفسهم ويسالوا لماذا لم ينتخبهم من الشعب بمقدار ما انتخاب قوى الاطار ؟.

فعدد المقاعد التي حصل عليها السيد مقتدى جاءت  وفق توزيع جيد ودقيق لاصوات جمهوره الذي لا يوازي جمهور قوى الاطار، في الوقت الذي لم تستطع قوى الاطار ان تحرك جمهورها الغفير ( اكثر من ملونين ونصف ناخب) بشكل يحقق اكبر عدد من المقاعد لمرشحي الاطاربسبب تشتت الاصوات لكثرة عدد المرشحين وتعدد الكتل داخل قوى الاطار وليس لقلة الجمهور.

 

 ثالثا- يقترح السيد مقتدى على قوى الاطار ان يلتزموا بمجموعة من الشروط مقابل

الاشتراك معهم في تشكيل الحكومة .                                                           

وقبل الحديث عن تلك الشروط تستوقفنا هنا نقطة نظام مهمة وجوهرية وهي::

ان السيد مقتدى اخذ على عاتقه مسؤولية تشكيل حكومة اغلبية وطنية، وقد اكد على هذا الوعد في نفس الموتمر الصحفي الذي القى به الكلمة، وقال انه اذا لم يستطع ان يشكل حكومة اغلبية فانه سيذهب الى المعارضة ، وهذا الامر يحسب له بالتاكيد.

لكن في هذه الفقرة اشترط على قوى الاطار مجموعة شروط لكي يشترك معهم في تشكيل الحكومة .

وهنا يطرح السؤال نفسه امام السيد مقتدى، ماذا لو استجابت قوى الاطار لجميع شروطك، فهل تقبل على حكومة الشراكة او التوافق او لا تقبل؟

فاذا قبلت بحكومة الشراكة،  فهذا يعني تخليك عن مشروعك السياسي ( الاغلبية الوطنية )، واذا كنت لا تقبل بتشكيل حكومة شراكة حتى لو استجابت قوى الاطار حفاظا على حكومة الاغلبية ، فما معنى ان تشترط عليهم شروطا لتقبل بمشاركته؟ .

ثم لماذا حكومة الاغلبية في نظرك تتحقق بعدم مشاركة قوى الاطار،  اذ انك تقبل بمشاركة كل القوى السنية والكوردية،  وليست لديك (فيتو) على اي طرف منهم باستثناء، فهل  تتحقق الاغلبية بابعاد قوى الاطار فقط ؟.

 

 

 

ناتي الى شرط السيد مقتدى على قوى الاطار مقابل القبول بمشاركتكم بالحكومة القادمة وهي:

الف:  محاسبة (المبتلين) منهم بشبهات الفساد وتسليمهم الى القضاء.                                               

وفي هذه الفقرة يعطي الصفة القانونية لاشخاص لم يسمهم باسمائهم او باوصافهم في محاسبة ( المبتلين) بشبهات الفساد بدلا من الجهات المختصة في مؤسسات الدولة.

ففي الوقت الذي ينبغي على السيد  ان يوجه كلامه الى مؤسسات الدولة لمحاسبة المتورطين بالفساد كجزء من مشروع ( الاصلاح )، نرى انه يوجه كلامه الى قيادات الاحزاب او الكتل السياسية للقيام بدور الجهات الرقابية او التحقيقية، وهذا يتعارض مع بناء ألدولة بناءا مؤسساتيا.

ثم لماذا الكلام موجه الى قيادات قوى الاطار حصرا ؟ هل لدى هذه القوى شخصيات متورطة بالفساد دون سائر القوى الاخرى ؟.

 بالتاكيد لا يقول بذلك حتى السيد مقتدى نفسه.

ثم اذا كان شرط السيد مقتدى محاسبة من تحوم حولهم شبهات فساد للتشارك معه في تشكيل الحكومة، فلماذا لا يعمم هذا الشرط على سائر القوى السياسية ( السنية والكورية )، على اعتبار ان معيار السيد هو النزاهة وعدم التورط بالفساد،  والجميع يقر بان اغلب القوى السنية والكوردي هي متورطة بشكل او باخر بالفساد، فلماذا يتفاوض السيد مقتدى مع بقية القوى دون شرط او قيد، بينما يشترط على قوى الاطار ما لا يشترطه على الاخرين ؟.

اكثر من ذلك هل لدى السيد مقتدى قناعة تامة بانه لا يوجد فاسدون داخل تياره ؟ وهل تم تقديم بعض قيادات التيار الى القضاء كونهم ( مبتلين بشبهات فساد)؟

: القضية الامنية

 

باء - من ضمن شروط السيد مقتدى ( تصفية الحشد الشعبي المجاهد من العناصر غير المنضبطة وعدم الزج بها في السياسة ، وقطع كل العلاقات الخارجية بما يحفظ للعراق هيبته وعدم التدخل بشؤون دول الجوار ).       

نحن نتفق تماما بضرورة تنقية الحشد الشعبي من العناصر السيئة والمسيئة له ولدماء    شهدائه وتاريخه الذي كتبه المجاهدون بالدم على كل جغرافية العراق.

                     

لكن بالمقابل وكما تحدثنا في الفقرة (٣) اعلاه نعيد الكلام هنا.

هل يعتقد السيد مقتدى ان العناصر المسيئة موجودة في الحشد فقط؟ ام في سائر المؤسسات العسكرية ؟ واذا اردنا ان نؤسس لمشروع اصلاحي حقيقي اليس الاولى ان نتعاطى مع كل مؤسسات الدولة بمعيار واحد دون انتقائية؟.

انا بودي ان اذكر سماحة السيد مقتدى بالخمسين الف فضائي لدى الجيش العراقي، والذين تحدث عنهم القائد العام للقوات المسلحة الاسبق السيد حيدر العبادي المدعوم سابقا وحاليا من قبل السيد نفسه ، اين ( استقرت بهم النوى )؟ هل تمت محاسبة كبار ضباط الجيش المتسترين عليهم؟ بل من هم المتورطون بالخمسين الف فضائي؟ ام ان اصل القضية كذب وغير حقيقية؟ واذا كانت كذب فهل تمت محاسبة السيد العبادي على كذبه بسبب هذه التصريحات ؟.

نعم نتفق مع السيد بضرورة ابعاد المسيئين ، لكن هل لدى السيد معلومات عن اسماء وجهات هؤلاء المسيئين؟.

ثم لماذا لا نتحدث بصراحة عن مسيئين وقتلة من بقية قواتنا الامنية ؟ اليس قتلة المعتصمين على محيط المنطقة الخضراء من القوات الرسمية العراقية ؟ فلماذا لم نسمع بيان ادانة او ستنكار من قبل سماحة السيد؟ بل لماذا لم يطالب بتنقية القوات الامنية من المتورطين بالدم العراقي ؟

اكثر من ذلك لماذا لا نتفق جميعا على محاسبة الكاظمي على تلك الدماء، بينما يكافئه البعض على جريمته بترشيحه لولاية ثانية ؟.

من جانب اخر لماذا الحديث عن الحشد الشعبي ومنتسبيه او المسيئين فيه، ونحن نعيش في دولة واحدة يفترض النظر الى كل منتسبي قواتنا المسلحة بما فيها البيشمركة وقوات الاسايش، ونحن نرى ونتابع ما حصل من قتل وقمع للمتظاهرين في الاقليم ومن خطف وقتل للناشطين هناك، اليس معيار الدولة لابد ان يطبق على الجميع ؟ .

 

ثم ما علاقة قوى الاطار بالحشد والمسيئين فيه ؟ فالحشد مؤسسة رسمية دستورية، ومسؤوله الاعلى هو القائد العام للقوات المسلحة ، اليس الاولى توجيه الكلام اليه ؟ واذا كان الجواب انه لا يقوى على محاسبة المسيئين في الحشد ، فهل يستحق ان يكون قائدا لاكبر مؤسسات عسكرية في الدولة العراقية ويرشحه البعض لولاية ثانية ، اليس الاولى محاسبته بوصفه المسؤول المباشر عن القوات المسلحة ؟.

 

 جيم - من النقاط التي اشترطها السيد مقتدى على قوى الاطار للتشارك في الحكومة ( حل الفصائل المسلحة اجمع ودفعة واحدة ، وتسليم سلاحها للحشد الشعبي باشراف القائد العام للقوات المسلحة ).

ونعيد ما ذكرناه سابقًا.

 ما علاقة المقاومة بقوى الاطار، نعم بعض فصائل المقاومة مشتركة بالعملية السياسية اسوة بالتيار الصدري الذي كان مقاوما للاحتلال، لكن ليس جميع فصائل المقاومة مشاركة بالعملية السياسية او منضوية ضمن قوى لاطار.

اكثر من ذلك فان بعض قوى الاطار ليس لديها فصيل مسلح او مقاوم فلماذا يشمل الجميع بهذا الشرط؟.

هنالك اشارة مهمة ينبغي التاكيد عليها وهي ان السيد مقتدى اشترط من الفصائل نزع سلاحها ( اجمع ودفعة واحدة)، بينما عندما تعامل مع سلاح سرايا السلام تعامل بشكل تدريجي وعلى مراحل ولمحافظات دون غيرها.

من جانب اخر لا نعرف لماذا الحديث عن سلاح المقاومة في ظل هذه الظروف غير المستقرة سياسيا وامنيا ؟ ولماذا يتحسس السيد مقتدى من سلاح المقاومة دون غيره؟

ربما ياتي الجواب ان سلاح المقاومة غير دستوري وغير قانوني

نعم لنتفق ( تنزلا) مع صحة هذا القول ، لكن كم لدينا من السلاح غير القانوني وغير الدستوري ؟

سلاح الحشود العشائرية  التي اسسها ال النجيفي في محافظة الموصل ليست دستورية وليست قانونية، بل تم تدريبهم من قبل القوات التركية باستهتار بسيادة الدولة بشكل غير مسبوق، وكذلك هنالك حشود عشائرية في المحافظات الغربية ،اليس الاولى الاشتراط على القوى السياسية السنية نزع وتسليم سلاحهم الى الدولة كشرط للمشاركة في الحكومة ؟

ايضا سلاح سرايا السلام غير دستوري وغير قانوني حسب التوصيف الرسمي للسلاح ، فلماذا لا يكون نزع وتسليم السلاح دفعة واحدة اسوة بسلاح المقاومة ؟

اضف الى ذلك كنا نتمنى على سماحة السيد مقتدى ان يبادر بنزع سلاح سرايا السلام دفعة واحدة او بالتدريج دون النظر الى السلاح الاخر، على اعتبار ان المعيار لدى السيد هو بناء الدولة ومؤسساتها العسكرية بمهنية وقانونية ، وامتلاك الاخرين لسلاح غير (قانوني) لا يعطي الحق للسيد الصدر ان يمتلك هو الاخر سلاحا غير قانوني  وهو يحمل مشروع الاصلاح اليس كذلك؟.

ثم لماذا المطالبة بنزع سلاح المقاومة في هذه الظروف التي ننتظر فيها استحقاقات سياسية وامنية وفي مقدمتها اخراج القوات الامريكية من العراق، فالامريكان لم يخرجوا لحد الان، ولا يلوح بالافق خروجهم في نهاية هذا العام، وسلاح المقاومة احد اهم عوامل الردع والضغط على الامريكان للخروج من بلدنا، اليس الاولى انتظار خروج قوات الاحتلال ثم الحديث عن نزع السلاح، اذ عندها يصبح سلاح المقاومة لا مسوغ له بوصفه ( سالبة بانتفاء الموضوع ).