كيف سيتعامل الشيعة اتجاه طالبان?!
على مدى التاريخ وبالخصوص خلال الأربعة عقود الماضية، لم نعهد تحركا شيعيا ولا غير شيعي بصورة مستقلة ومنفصلة عن الكل المجتمعي، بل إن الأحداث التي وقعت في البلاد خلال الأربعة عقود الماضية، كانت عابرة للعرقيات والطوائف واللغات والمذاهب الموجودة في أفغانستان. إلا أنه وبسبب التساؤلات التي وردت من نقاط جغرافية متعددة في البلاد والتي مردها التشويش الإعلامي من قبل جهات معادية، إضافة إلى سلوك طالبان أنفسهم اتجاه الشيعة سواء خلال خمس سنوات حكمهم أو خلال العشرين سنة الماضية، أصبح لابد من تناول موضوع نظرة الشيعة والسلوك الممكن اتجاه طالبان.
هناك وجهتا نظر لطبيعة رؤية الشيعة اتجاه طالبان، والسلوك الممكن سواء حاليا أو في المستقبل:
يرى البعض أنه لابد من محاربة طالبان وأن لايتم السماح لهم بالحكم في أفغانستان، سبب ذلك أن طالبان قامت سابقا بتصفية حساب دموية ضد التيارات الإسلامية والمذهبية والقومية الأخرى، ولم تسمح لهم أن يكونوا في بنية السلطة، ولم يتقبلوا أي أشخاص حقوقيين ولا كفاءات من غيرهم، فالمتوقع أن يستمروا في هذا السلوك فيما هو قادم.
مجموعة أخرى تقول، لماذا يكون موقفنا مرتبط بمواقف الآخرين من طالبان?! بل علينا أن نبحث عن مصالح الشيعة، وهذا يتطلب التعايش السلمي معهم، وأن نمد لهم يد المصالحة والصداقة، وغير ذلك سيعود بالضرر على الشيعة.
والحقيقة أنه لايخلو أي رأي منهما من السلبيات والعيوب. إن سلوك الشيعة تجاه طالبان، سواء حربا أو سلما، لا يمكن أن يتم منفصلا عن مواقف الحلفاء والشركاء الطبيعيين (في الوطن) سياسيا واجتماعيا وبالخصوص الطاجيك والأوزبك والتركمان وغيرهم، وحتى طيف واسع من البشتون.
فإذا تم أخذ قرار الحرب منفصلا عن القرار الجمعي لشركاء (الوطن)، سيؤدي ذلك إلى تشكل قطبية طالبان مقابل الشيعة، وهذا بالتأكيد سيعود بالضرر على الشيعة، في المقابل فإن قرار المصالحة المنفرد مع طالبان سيؤدي إلى فقدان الشيعة مصداقيتهم لدى المكونات الأخرى في المجتمع. ولن يكون لهم أي وزن سياسي أو اجتماعي، ولن يحسب أي تيار أو تكتل آخر لهم أي حساب، ولن يتم قبولهم في أي تشكيل وطني، مما سيؤدي إلى أن يصبحوا بدون غطاء سياسي أو اجتماعي.
إضافة إلى ما تقدم، لنفرض أن الشيعة أخذوا قرار الحرب مع طالبان، فما القيم أو المبادئ التي تريد أن تدافع عنها في مثل هكذا معركة?! في المقابل ما هي المصالح والمكاسب المتوخاة من وراء قرار المصالحة مع طالبان?!
للإجابة على هذه الأسئلة والخروج بنتائج عملية، لا بد من معرفة رؤية الطرف المقابل وسلوكه المتوقع.
وعلى كل حال، فإن اختيار الشيعة سلوكا اتجاه طالبان أو غيرهم، حاليا ومستقبلا، لا يمكن أن يتجاهل الأمور التالية، ولتحقيق ذلك لابد من استحضار مدى حساسية هذا القرار وأن يقوموا بدور فاعل وإيجابي، وذلك من خلال استغلال كل الوسائل والروافع المشروعة والممكنة، وأن لا يتخلوا عنها تحت أي ظرف:
۱- الشؤون الدينية والاعتراف الرسمي بالمذهب الجعفري.
۲- الحقوق المدنية والمواطنة، والذي يشتمل على المشاركة في السلطات الثلاث: الحكومية والبرلمانية والقضائية.
۳- المصالح القومية ووحدة أراضي البلاد.
وأن لايتم التنازل عن هذه المسائل، وإنما لا بد من مراعاة الانسجام الداخلي الشيعي على نحو دقيق وأساسي، وأن يكون سلوكهم (أو مشاركتهم) في السلطة والحكم على نحو يحقق التوازن، ليس في الدفاع عن الحقوق الدينية والمذهبية والاجتماعية والسياسية المتعلقة بهم فقط، وإنما مراعاة مصالح الحلفاء والشركاء السياسيين والاجتماعيين، وعليه تصبح حماية حقوقهم الدينية والمذهبية مسألة جدية.
ومن هنا يبرز أهمية دور النخب الحوزية والعلمائية وقادة الأحزاب والتيارات السياسية. حتى يتم وبسرعة تحقق الانسجام المجتمعي اللازم داخليا وتشكيل اللجان التخصصية للحوار مع طالبان من قبل كل الأطراف الشيعية وممثليهم، وذلك من خلال مراعاة المسائل المذكورة أعلاه ومواقف الشركاء والأصدقاء الطبيعيين واستحضار أرائهم ورؤيتهم، حتى يتم تحقيق المطالب الدينية والمذهبية والسياسية والاجتماعية وإدارة الأمور بشكل جدي، وغير ذلك فسيكون مضيعة للوقت.
التعليقات