تطابق الرّؤى بين “صافية” و”كيسنجر” وتوافقها حول العالم الجديد وما بعد كورونا


هل يعدّ تطابق الآراء ووحدة الرّؤى بين فكرين متباعدين عموماً أمراً يثير العجب أو قد يصل لحدّ الاستغراب ، ولا يعني أنّ أحداً استقى من الآخر فكره ، ولكن : هل يدلّ ذلك على صوابية رأي وبعد فكريٍّ استراتيجيّ ؟ ، وهذا ما سنبيّنه في المقال الحالي ..

ولعلّ من المفيد بداية الإشارة إلى أنّ هناك شبه اتّفاق عالميّ ضمنيّ على التّخلّص من مجموعة بشريّة كبيرة من أجل الحدّ من الانفجار السّكانيّ العالميّ ، حيث أنّ تعداد السّكّان بلغ ثمانية مليارات نسمة ويزيد ، وهذا يؤثّر في المخزون الاستراتيجيّ العالميّ للماء والغذاء ، وعملية كورونا لا تنفصل عن هذا السّياق ، فهناك أكثر من جائحة خلال أعوام 1720م و1820م و1920والآن 2020م ، وكنت قد أشرت في مقال سابق بعنوان : ” هل الكورونا مؤشّر لانهيار النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ؟!” بتاريخ 31/3/2020م في الوكالة العربيّة للأخبار ، وأشرت فيه لتغيير اقتصاديّ عالميّ نتيجة تفشّي وباء الكورونا في مختلف دول العالم بلا استثناء ، وذكرتُ حالة الانقسام الأمريكيّ عندما حمّلت الحكوماتُ الأمريكيّة المحلّيةُ النّظامَ الفيدرالي الأمريكيَّ المسؤوليةَ عن حالات الموت الجماعيّ التي أصابت عدداً من الشّعب الأمريكيّ في بعض الولايات الأمريكيّة ، مشيراً لإمكانية احتلال الولايات المتّحدة المرتبة الأولى في عدد الإصابات على مستوى العالم ، وتمّت الإشارة أيضاً إلى سحب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان بعد إجراء مفاوضات مع طالبان ، وبيّنتُ فيه الخسائر المتلاحقة التي تهدّد النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ، وحالة الرّكود الاقتصاديّ التي تعصف به ، وإمكانية تراجع الدّولار وتشكُّل حالة ركود اقتصاديّ عالميّ يؤدّي إلى تشكّل بنية اقتصاديّة عالمية جديدة.

لتأتي تلك الرّؤيا التي قدّمتها متطابقةً مع ما صرّح به السّيّد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق في يوم السّبت 11/4/2020م عبر مقال له في صحيفة ( وول ستريت جورنال ) بأنّ جائحة كورونا ستغيّر النّظام العالميّ للأبد ، وتطابقتِ الرّؤى في تأثير كورونا اقتصاديّاً وسياسيّاً على العالم برمّته ، بما يؤدّي إلى إشعال العالم عندما أشار إلى حالة الانقسام الأمريكيّ حاليّاً ، ودعا قادة العالم إلى مهمّة أخرى تترافق مع مواجهة الوباء ، وتتمثّل في إطلاق مشروعٍ موازٍ للانتقال إلى نظام ما بعد كورونا ، مؤكّداً أنّه لا يمكن لدولة منفردة أن تتغلّب على الفيروس بجهد وطنيّ محض ، ولا بدّ من وضع رؤية وبرنامج لتعاونٍ دَوْليّ لمواجهة الأزمة ، وبالتّالي : فإنّ ذلك الوباء سيكون مؤشّراً لبداية حقبة عالميّة جديدة ينتهي فيها النّظام العالمي الحالي ذو القطب الواحد الموحَّد الرُّؤى بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وسيشهد العالم نظاماً متعدّد الأقطاب ، وربّما أنّ الوقت قد حان لتتزعّم الصّين العالم ، وتكون الصّين وروسيا قوّتين في مواجهة الولايات المتّحدة الأمريكيّة اقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ، وربّما يخلق هذا إشكاليّة حقيقيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة في نزوع روسيا والصّين لتزعّم قوى إقليميّة وعالميّة جديدة ، ويكون دورهما استراتيجيّاً ومؤثّراً في العالم في مرحلة لاحقة ، وأعتقد أنّه لن يطول أمد ذلك ليظهر بوضوح وجلاء خصوصاً بعد حالات الفشل الأمريكيّ والانقسام التي تمّت الإشارة إليها ، وإن كان دورهما قد برز مع ما يُطلَق عليه الفوضى الخلّاقة ، وخصوصاً في الحرب على سورية ومحاربة الإرهاب ، ولعلّ الفيتو الصّينيّ الرّوسيّ المشترك كان ضربة مؤلمة للولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها أكثر من مرّة ، ولا بدّ أنّ الرّكود الاقتصاديّ الأمريكيّ سيلقي بظلاله على العالم أيضاً ، ولا أستبعد أن يكون الكورونا بداية حرب عالميّة ثالثة سلاحها بيولوجيّ من جهة واقتصاديّ نفطيّ من جهة ثانية ، وقد ترافقا تقريباً في وقتٍ واحدٍ ، ولكنّني أستبعد مواجهة عسكريّةً أمريكيّةً روسيّةً صينيّةً ، وإن كانت الحرب النّفطيّة الاقتصاديّة سبّاقةً ، وهي التي تفرض ذاتها بين النّظام السّعوديّ وحلفائه وروسيا وهذا ما أشرت إليه في الإعلام السّوريّ بتاريخ 15/3/2020م بعنوان : ” الحرب الاقتصاديّة النّفطيّة القادمة ” ، وفي مقال أيضاً بتاريخ 18/3/2020م يحمل ذات العنوان في الوكالة العربيّة للأخبار ، وبيّنت فيه الأهداف الحقيقيّة من حرب أسعار النّفط ، وهذا أيضاً سيكون له تأثيره عبر مواجهة اقتصاديّة قادمة بين روسيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وإن كان النّظام السّعوديّ هو الواجهة حاليّاً في حرب الأسعار ، وإن برز اتّفاق ثلاثيّ أوّليّ قبل أيّام بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا والنّظام السّعوديّ لإنقاذ الأسواق ، ومن شبه المؤكّد أنّ لتلك الحرب تداعياتها وانعكاساتها الخطيرة إقليميّاً ودوْليّاً ، وضمناً في الاقتصاد الأمريكيّ ، وهنا نتساءل :
مَن يستطيع الصّمود أكثر الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاؤها أو روسيا والصّين وحلفاؤهما في المرحلة القادمة على المستوى الإقليميّ والدَّوْليّ ؟ وهل سيشهد العالم أفول نجم الدّولار الأمريكيّ وبزوغ اليوان الصّينيّ ؟ وهذا ما ستثبته الأشهر القادمة ، فلنترقّب ونتابع مرحلة ما بعد كورونا .

المصدر: العربي برس