مشروع الشام الجديد … ابعاده السياسية والاقتصادية


قفز الى الواجهة مصطلح ( الشام الجديد) اثناء القمة الثلاثية التي جمعت العراق ومصر والاردن كمشروع اقتصادي جديد للمنطقة وسوقت الماكنة الاعلامية لهذه الدول الثلاث هذا المشروع كطوق نجاة لاقتصادياتها المتهالكة.
وتاتي التسمية جغرافيا بعيدا عن الرقعة الجغرافية لمنطقة الشام فهو يستثني قلب الشام المتعارف عليه ونقصد بذلك سوريا ولبنان وذهب للقفز الى شمال افريقيا ليضم مصر كدولة اساسية في هذا المشروع.
ويضم هذا التجمع عدا العراق كلا من مصر والاردن وهاتان الدولتان تمتلكان علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل ناهيك عن العلاقات الاقتصادية وتقع اسرائيل بينهما جغرافيا ، فهل المطلوب على المدى البعيد سحب العراق الى قطار التطبيع مع اسرائيل ام هو محاولة لانتشال اقتصاديات هذين البلدين وايجاد حل لمشاكلهما الاقتصادية من خلال بوابة العراق الغني بمصادره للطاقة والثروة فالاردن لازال يعيش على النفط العراقي المنخفض السعر وكذلك مصر تحصل على تفضيلات في مجال النفط الخام العراقي بحيث لم تنجح العلاقات الكاملة مع اسرائيل في حل مشاكل هذين البلدين رغم طول العلاقة بينهم فلا زالت مصر تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية متراكبة وكذلك الاردن يعاني من ازمات اقتصادية متوارثة.
وبحسب التبرير العراقي للمشروع الذي بدات ملامحه في زمن حكومة السيد حيدر العبادي فانه يقوم على اساس ان مصر تمثل الكتلة البشرية والعراق كتلة نفطية والاردن ادخلت كحلقة وصل بينهما للاستفادة من الطرفين وتكون قناة ربط لمشاريع النفط والطاقة بين البلدين.
والعراق فعليا لا يحتاج الى الكتلة البشرية لانه اصلا يعاني من بطالة كبيرة وايدي عاملة ماهرة وغير ماهرة واصحاب تخصصات من جميع المستويات العلمية وجميعها تبحث عن فرص عمل.
اما ما ذهب اليه المبررون الى ان هناك سوقا للنفط العراقي فهذا التبرير غير مقنع كون ان النفط يباع الى البلدين بسعر مخفض يصل الى 16 دولارا لكل برميل دون السعر العالمي وهذا قد يكون احيانا بكلفة الاستخراج والنقل 
وان اقامة مدن صناعية مشتركة على الحدود مع الاردن يخدم الاردن بصورة خاصة لان الاسواق العراقية هي المستهلكة للسلع والبضائع دون الاسواق الاردنية بسبب تدني المستوى المعيشي للمواطن الاردني وبالتالي العراق هو الخاسر الاكبر من هذه المشاريع لانه سيعطل تطوير صناعته الوطنية ويصبح ملزما بتسويق البضائع المصنعة في هذه المناطق الصناعية المشتركة كما ان الصناعة العراقية لا تستطيع المنافسة مع نظيرتها الاردنية والمصرية.
ان اشغال العراق وتكبيله بهذه الاتفاقيات الضعيفة يشغله عن المشاريع الكبرى التي يمكن ان تنقل العراق اقتصاديا وسياسيا مثل مشروع البنى التحتية مع كوريا الجنوبية والاتفاقية الصينية النفط مقابل الاعمار ومشاريع اخرى مثل ميناء الفاو الكبير ومشروع القناة الجافة مع اوربا وطريق الحرير وغيرها من المشاريع العملاقة 
وهي مشاريع جاهزة تنتظر القرار السياسي للبدء بها ومحاولة قطف ثمارها في السنوات القادمة ، وكذلك احياء خطوط نقل النفط الخام الى بانياس في سوريا وينبع في السعودية التي يمكن ان تزيد من منافذ العراق التصديرية بدل الذهاب الى انشاء خط جديد مع الاردن وتحمل العراق تكاليف هذا الانبوب.
وتبقى الامور غامضة تجاه الدوافع من وراء هذا المشروع حيث ان الدوافع الحقيقية هي سياسية اكثر منها اقتصادية رغم الصبغة الاقتصادية التي يروج لها ، فالعراق بحسب النظرة الامريكية يراد سحبه الى قطار التطبيع مع اسرائيل والظروف الداخلية لاتسمح ان يكون هذا القرار سياسيا لذلك تم صياغة ديباجة هذا المشروع في دهاليز المخابرات الامريكية لربط اقتصاد العراق باقتصاد بلدان ترتبط بعلاقات كاملة مع اسرائيل والابتعاد به قدر الامكان عن الاقتصاديات الايرانية والصينية وبالتالي يرتبط العراق اقتصاديا باسرائيل بصورة غير مباشرة من خلال الشركات الاردنية والمصرية والتي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الشركات الاسرائيلية ناهيك عن كبرى الشركات الاردنية مملوكة لرؤوس اموال اسرائيلية والشيء نفسه يمكن ان ينطبق على الشركات المصرية .
وهناك افكار قديمة يحاول هذا المشروع أحياؤها منها الربط السككي بين الاردن وميناء حيفا ومن ثم ربط الاردن سككيا مع العراق وكذلك مد خط انبوب للنفط الخام من البصرة الى العقبة وربما الى مصر ، وبذلك يصبح النفط العراقي قريبا من حدود اسرائيل 
ويأتي هذا المشروع وسط تشرذم سياسي كبير داخل العراق ولا اعرف كيف سيستطيع الكاظمي تمرير هذا المشروع في البرلمان العراقي الذي تحكمه خلافات عميقة وسبق ان رفض مشاريع اكثر اهمية واكثر جدوى اقتصادية لعل اهمها مشروع البنى التحتية مع كوريا الجنوبية وغيرها من المشاريع ، قد يواجه هذا المشروع معارضة داخلية وخارجية خصوصا من جانب الدول الخليجية وتركيا التي ترى في هذه الدول الثلاث سوقا لها ولمنتجاتها ولا تريد ان تقوى اقتصاديات هذه البلدان لانها ستستغني عن هذه الاقتصاديات وتبعيتها.
وقبل الحكم على اي مشروع يجب ان نحصل منه على مخرجات تصب في مصلحة البلد قبل تكبيل الاجيال القادمة باتفاقيات قد تكون عقبة امام انطلاق الاقتصاد العراقي ويجب وضع مصلحة العراق اولا في كل خطوة تخطوها الحكومة وان تاتي نتائجه لصالح ابناء البلد اصحاب الثروة الحقيقية .