نظام جديد لا رهان فيه على واشنطن ، يكسوه حماسة الأحلاف والنأي فيه في الخليج ، وضخ اعلامي غربي اسرائيلي بشأنها ، وشرق أقصى وأوسط ، كلاهما يرى مؤشرات واضحة ترجح أفق الهيمنة الامريكية الاطلسية ،منها محكوم عليها تاريخيا بالتراجع ، وأخرى تصنف من ضمن الامبرارطوريات صعودا أو سقوطا ، في ما يسارع الروسي والصيني خطواتهم لتهيئة الظروف الدولية المغايرة معهم طهران ، وفق منظور رؤويتهم الاستراتيجية المواتية لتكريس القطبية المتعددة ، وما يلاحقهم بها المساعي الامريكية الحثيثة لكبح مسار السقوط ، علها تسعف واشنطن من الإنحدار الداخلي وأزماته الداخلية ، لتواجه تحديات اقتصادية غير مسبوقة النفط والتبعية ، مقابل الأمن والحماية ، وخبراء وعلماء وقادة يعلقون على وضع الولايات المتحدة ، بأن امريكا الان في الوقت الراهن ليست امريكا المتحدة التي كانت منذ عقود ، ووضع الولايات المتحدة قياديا حول العالم محط تساؤلات كثيرة تجاه الأحداث العالمية الحالية ، وفي إطار التساؤلات هل هناك مجال لتعداد أحلاف على مستوى العالم بدءا من الحرب في اوكرانيا وصولا إلى الشرق الأوسط وشرق اسيا ومنها إلى أوروبا وما تعانيه ، وماذا عن خصوم الولايات التي تتبنى النظام الدولي في ظل ظروف الإضمحلال الدور الاوروبي ، وما سيقابله من تبعيات ودلالات بالنتائج الملموسة على أرض الواقع ؟
لا شك أن التحولات العالمية تضع هيمنة القطب الواحد أمام تحدي التراجع ، بعد ما دخلت امريكا عصر انتهاء مدة صلاحيتها على العالم ، بعد عودة روسيا وتوسع الصين العملاق الاقتصادي ،إضافة لتنامي الدور الايراني والدول الاقليمية ، وانطلاقا منها قد يبدو أننا دخلنا التعددية القطبية ، وهذا لاحظناه من خلال خطوات واشنطن التي تدعم حظوظها في المنطقة علها تنجح ، بوقف تراجع هيمنتها الذي وصل مستوى الحضيض ، عبر بناء أحلاف أمنية وعسكرية إحداها في الشرق الأوسط ،وهذا بحسب الأحداث يعطي مؤشر لعمر الولايات المتحدة المتبقي مالم تحقق أهداف زيارة بايدن المقايضة للنفط والأمن في الخليج ،وهذا مثير للجدل السياسي الحالي الذي يتحدث عن اصطفافات قد تأخذ العالم إلى تعدد الأقطاب ، إذ هناك من يراهن على نجاح هذا التحالف أو البناء أن جاز التعبير، عسكريا وأمنيا للحد من تراجع الهيمنة الاميريكية في الشرق .
لم تعد الولايات المتحدة كالسابق ذات نفوذ كبير وإن كانت بإدارة بايدن الذي يحاول إستعادة بريق الامبراطوية الاستعمارية على العالم أحاديا ، لكنها في تقدير كثير من المراقبين يؤكدون ويعولون على ما تبقى من عمر امريكا العجوز كما وصفها السيد نصر الله في خطابه الأخير ، وما قاله أيضا نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف ، وما يعنيه أن مفهوم أمن روسيا خلف الحدود وأبعد منها بكثير ، فإن طموحات الإمبريالية الاميريكية تلك غير مبررة بتعبيره ، لاتعد أن تكون مؤشرا على عمر قصير قد بقى ، وهذا فعليا ربما يؤيد الطرح في التحليلات ، بمعنى أخر سلسلة من الأزمات زمجرت السياسة الاميركية بالتضخم ، وكذا الضغط على الدول نفطية وطاقية وغازية خليجية ، مع وجود تحذيرات قائمة للضرورة القسوى ، في ظل إطار ما يحيط الغلاف الدولي وما يجاريه على كافة المستويات ، لتعد واشنطن وحلفائها المقامرة بها ، وبالتالي هذا له عواقب غير محمودة في التوازنات ، وسقفه السياسي فاقد للاستقرار في حال كان يعيش العالم مخاض ولادة جديدة .
وأما بالنسبة للوصف بأن الولايات المتحدة لم تعد متحدة كما تحدث خبراء امريكيون ، مازالت واشنطن تعيش أوهام القوى العظمى باعتبارها الأولى في العالم بحسب معلقين ينحازون إلى سياسة الهيمنة ، تشيد أن الصعود الروسي لا يلامس الواقع ، ولا يرون صعودا ، إذ هنا ينقصهم بعد نظر سياسي ثلاثي الأبعاد ولا عتب ، لطالما يعانون من قصر نظر سياسي شيخوخة ، يرون روسيا معزولة ، وأنها تطمع بمزيد من الاراضي الاوكرانية التي تدعمها واشنطن ، ومن وجهة نظرهم روسيا تمارس عدوانا على اوكرانيا ، وأخرون يعلقون بأن روسيا تتصرف وكأنها انتصرت دون أن نرى نتائج انتصارها ، وتتحدث عن النظام الدولي بطريقة مبالغة وكأنه بيدها ؟؟ وما الى هنالك من ضجيج .
هنا قد يشاطرني الرأي البعض تعقيبا على هذة الإرهاصات التي ذكرت أعلاه ، لا أرى مبالغة عند الروس ، ربطا بجملة ديمتري أبدأ الذي تحدث عن طموحات الامبريالية الاميريكية ، حقا هناك تغييرات ومتغيرات في بنية النظام العالمي والدولي ، بمعنى أننا قد دخلنا مرحلةالانتقال من النظام القطب الواحد إلى التعددية بحسب وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، الذي نوه مرارا عنه خلال السنوات الأخيرة ، و منذ بدء العملية الروسية الخاصة بأوكرانيا ، وما قبلها جائحة كورونا التي نشأت معها سلسلة من الأزمات عصفت بالتطورات وتسارعت الأحداث على هذا النحو ، ناهيك عن التراكمات التي نسفت كل مقومات السياسة الدولية والعالمية بما فيهم اقتصاديا ، هذة التراكمات هي نتاج لأزمة الطاقة وغيرها ، إذ لبعض التكتلات أيضا دور و مخلفات لدول أخرى تحاكي الأزمات المالية والاقتصادية ، وروسيا طرحت مواضيع بهذا الشأن ، ولكن لا جدوى .
هذة العوامل حققت ربما انتصار لدى روسيا على أكثر من مستوى ، ومن وجهة نظري كان من أولويات هذا الانتصار الذي لا يراه بعضكم هو سقوط الهيمنة الامريكية وتراجعها ، وربما الأزمة الاوكرانية لها ربط سياسي أدى لأنهيار النظام بقيادة امريكا ، ليس فقط الولايات المتحدة وربما الاتحاد الأوروبي ، وهذا واضح المعالم على مستوى دولي واستراتيجي ، جمعت مصالح مشتركة مع الصين وغيرها وهذا يعتبر اجتهاد سياسي وانتصار ميداني يوثق لحظة دخول العالم المشهد الدولي بين قوسين روسيا وحلفائها ، بينما اخرون يبحثون عن بوادر نظام عالمي جديد لإدارة العالم ما بعد الهيمنة الامريكية وهذا له بحث فرضته المواقف لجهة أو ربما فرضته واشنطن على أدواتها ليبقى هناك قطبية مخفية موضوعة على ملف إدارة العالم برمته . ليكون المتضرر الأكبر من الحقبة الجديدة التي ينتظرها العالم هي أوروبا نظرا لمسألة الإستعصاء النفطي والطاقي .
وأخير يبقى للملفات العالمية ضغوط ليست حكر على أي سياسة خارجية ، إزاء فشل استراتيجة العقوبات على روسيا وشركائها ، أمام التأكيدات التي تشير إلى تحولات عالمية وصعود دولي قوي كالصين وروسيا وايران ، وما بينهما مقولة الرئيس الفرنسي أن هيمنة الغرب على العالم انتهت وأن صدقت يبقى هناك فضول سياسي لمعرفة عوامل الظروف الاقليمية والدولية المتباحث بها لها خصوصيتها وزواية نقاش أخرى .
التعليقات