"الروبل الروسي" سلاح اقتصادي بتأثيرات محدودة.
على الرغم من تأثيراتها وفواعلها، إلا أن الحرب العسكرية، لم تعد تُحقق نتائج يُمكن استثمارها وتوظيفها في سياق ما بعد الحرب؛ فالأنظمة العالمية وضعت نُصب أعينها، مساراً تكتيكاً جديداً يرتكز على ضرب المصالح، وذلك باستخدام وسائل الضغط أو ما يُعرف بـ الحرب الناعمة، الأمر الذي بموجبه تُحقق الغايات والأهداف. وأبعد من ذلك، إذ بات يُعد تهوراً أن تعلن دولة ما، حرباً عسكرية على دولة أُخرى، الأمر الذي يًصيب الطرفان بأضرار جمَة، فضلاً عن سنوات عديدة، لـ لإعادة ترميم نتائج وتداعيات الحرب العسكرية.
وربطاً بما سبق، ثمة وسائل أكثر فاعلية وتأثير، وتُحقق نتائج سياسية غاية في الأهمية، من ضمنها ما يُعرف اصطلاحاً بـ حرب العملات. فقد أصبح التلاعب بالعملات سلاحاً ذو تأثيرات كبيرة، تستخدمه الدول في حروبها السياسية والاقتصادية، لكن ثمة ضوابط كثيرة تتعلق بقدرة العملة، على أن تكون سلاحاً اقتصادياً ذو تأثيرات عالمية، الأمر الذي يفتقده الروبل الروسي.
ما سبق يُعطينا مشهداً واضحاً يُمكن البناء عليه، لجهة استقراء قدرة العملة الروسية، على الدخول في نادي عملات الكبار، واستبدالها كـ عملة عالمية في التبادلات التجارية. في الآونة الأخيرة، طالبت الحكومة الروسية الدول الأوروبية بدفع ثمن وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا بالروبل. هذا الإجراء يهدف في مضامينه، إلى إعطاء الأولوية للمصالح النقدية الروسية في وقت الصراع والاستقطاب بين روسيا والغرب، الأمر الذي ترجمه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حين أوضح أن الدول المستهدفة بهذا الإجراء هي دولاً غير صديقة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أدعى في وقت سابق، أن العملات الغربية معرضة للخطر. ونتيجة لذلك، بات ضرورياً من وجهة نظر بوتين، تغيير طريقة الدفع إلى الروبل الروسي، وبذلك ستكون جميع العملات النشطة في الدول الغربية، التي تعتبر معادية من قبل الحكومة الروسية، خارج نطاق التعاملات الروسية؛ بهذا المعنى، فإن منع استخدام العملات الغربية في المعاملات التجارية، سيضمن لـ موسكو مصالحها الوطنية، ويُشجع على نمو البحث عن الروبل في السوق المالية العالمية.
في عمق المشهد، ومنذ بداية العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، فقد الروبل الروسي الكثير من قيمته أمام العملات الغربية، ويرجع ذلك أساسًا إلى العقوبات التي فُرضت على موسكو. لكن وبسبب سياسية الدفع الروسية التي أقرها بوتين، فإن الاتجاه الحالي قد يؤسس لمشهد جديد، يرتكز على زيادة كبيرة لجهة الطلب الدولي على الروبل، مما يدعم الأمن النقدي والمالي الروسي.
من زاوية المنطق في قراءة الواقع، يُمكن القول، بأن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لجهة إجبار الدول غير الصديقة في أوروبا، على دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، تحكمه مُشكلتان:
الأولى - مُشكلة قانونية. حين تم الاتفاق بين روسيا والدول الأوروبية، على توريد الغاز الروسي، وُقعت العقود وحُددت العملة التي تستخدم في الدفع، وهي إما اليورو أو الدولار، وبالتالي فإن أي تغير في العملة يعني مخالفة عقود البيع، ونتيجة لذلك، فإن الخلافات الناجمة عن مخالفة شروط العقد، ستنتهي في المحاكم الأوروبية، وعليه فإن روسيا وكذا دول الإتحاد الأوروبي، لا يريدون الوصول إلى هذه النتيجة، والتي ستنتهي بوقف تدفق الغاز الروسي، ومن ثم وقف عجلة الاقتصاد.
الثانية – حقيقة الأمر، فإن الدول الأوروبية تريد الغاز، وفي حال رضوخها لقرار بوتين، فإن عليها الحصول على الروبل الروسي، من البنك المركزي الروسي، لكن غالبية البنوك الروسية بما فيها البنك المركزي الروسي، تخضع للعقوبات الأمريكية، ولا تستطيع الدول الأوروبية الحصول على الروبل، الأمر الذي بموجبه لن تستطيع الدول المستوردة للغاز الروسي، الدفع بالروبل.
وتجنباً لهاتان المشكلتان، من قبل روسيا والغرب، فقد أُتفق على أن تقوم الدول الأوروبية باستيراد الغاز عبر الدفع باليورو أو الدولار، وذلك بحسب العقد الموقع بين الدول الأوربية وشركة غاز بروم الروسية، على أن يقوم بنك غاز بروم، بتحويل اليورو أو الدولار إلى روبل، ثم يفتح حساباً لكل شركة بالروبل، ويدفع عنها الحساب.
لكن ضمن ما سبق، ثمة أيضاً مشكلة تواجه القرار الروسي، خاصة أنه لا توجد كميات كافية من الروبل الروسي، لتغطية تجارة الغاز، والتفافاً على تلك المشكلة، سيقوم البنك المركزي بطباعة كميات كبيرة من الروبل، الأمر الذي يعني انخفاض قيمته، وربما انهياره.
في الخلاصة. قرار بوتين أدخله في مشكلة متشعبة ومقعدة، لكنه قد يتمكن من إيجاد الحل المناسب، لكن ثمة تحدياً يواجه النظام المالي في روسيا المُكبل أصلاً بالعقوبات الأمريكية. مع ذلك، وبالإضافة إلى رد الفعل على العقوبات الغربية، من الضروري أيضًا ذكر القيمة الجيو- إستراتيجية لمناورة بوتين، فالأخير يُريد ضمان اندماج موسكو والروبل الروسي، في العملية المتزايدة لتعدد الأقطاب النقدية، حيث يقبل المزيد والمزيد من البلدان التجارة دوليًا باستخدام عملاتها المحلية، كقوة للطاقة، وموسكو لديها القدرة على تعزيز الروبل، وبالتأكيد فإن بوتين لن يُفوت هذه الفرصة. وتبعاً لما ستكشف الأيام القادمة، عن مدى تأثير هذه العوامل المتضادة، سيرسم مستقبل الاقتصاد عموماً، والروبل الروسي بشكل خاص.
التعليقات