سد النهضة بعد اكتمال الملء الثالث .. ماذا بعد ؟!
نعاود الكتابة عن سد النهضة مجددا تلك الأزمة التي شغلت الرأي العام المصري على مدار الأحد عشر عاما الماضية باعتبارها واحدة من أبرز قضايا الأمن القومي المصري, وقبل شهور أعلنت إثيوبيا عن نيتها لبدء الملء الثالث للسد أثناء موسم الأمطار والفيضان والذي يبدأ في يوليو من كل عام, وكتبت محذرا في الوقت الذي لم يعد أحد يكتب عن هذه الأزمة وكأنها لم تعد واحدة من أخطر القضايا التي تهدد وجودنا الإنساني على هذه البقعة الجغرافية التي استقر عليها أجدادنا منذ ألاف السنين, وعندما بدأت إثيوبيا فعليا في الملء الثالث للسد وأخطرت مصر بذلك قامت الدبلوماسية المصرية ممثلة في وزارة الخارجية بتقديم اعتراض لمجلس الأمن الدولي على خطط إثيوبيا للملء بشكل أحادي دون اتفاق ملزم مع مصر والسودان, وأكدت على تمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي على ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل, غير أن أديس أبابا ترفض ذلك وتؤكد على أن سدها الذي بدأت تشيده قبل عقد من الزمان لا يستهدف الإضرار بأحد, ومرت عملية الملء الثالث للسد دون أن يتحرك ساكن لمجلس الأمن الدولي, وخرج علينا يوم الجمعة الماضية رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليعلن أمام العالم أجمع اكتمال عملية الملء الثالث للسد بنجاح, وأكد مدير السد أن المشروع سيكتمل تماما خلال العامين ونصف عام القادمة.
وفي ظل هذا التعنت الإثيوبي والصمت الدولي على هذه الجريمة نعاود الحديث مرة أخرى عن السيناريوهات المتوقعة والتي تحدثنا عنها كثيرا منذ بداية الأزمة وحتى اليوم في محاولة توقع ما هو قادم, ومن بين السيناريوهات التي طرحناها سابقا أربعة سيناريوهات محتملة الأول كنا نعتقد أنه سيأتي عبر الضغط المصري خاصة بعد تأكيد الرئيس السيسي بأن " مياه النيل خط أحمر, وأن كل الخيارات مفتوحة" , حيث اعتقدنا أن ذلك سيؤدي إلى تحرك المجتمع الدولي للتأثير على إثيوبيا لوقف عملية الملء الثالث للسد والجلوس على طاولة المفاوضات مجددا لانجاز اتفاق ملزم للحفاظ على حصة مصر والسودان التاريخية في مياه النيل, والآن وبعد اكتمال عملية الملء الثالث للسد يكون قد تبدد هذا السيناريو خاصة بعد إعلان مجلس الأمن عدم اختصاصه في نظر مثل تلك النزاعات في مطلع العام الماضي, ورغم ذلك تصر الدبلوماسية المصرية على مخاطبته مجددا هذا العام وكأننا لا نستفيد من تجارب الماضي.
أما السيناريو الثاني الذي رسمناه فهو التعنت الإثيوبي والإصرار على الملء الثالث في موعده من طرف واحد وهذا ما حدث بالفعل, ورفض الجلوس على طاولة المفاوضات وفرض أمر واقع وهو ما سيدفع مصر والسودان إلى توجيه ضربة مؤثرة لتعطيل العمل في استكمال السد مؤقتا حتى يتم انجاز الاتفاق الملزم, والآن ومع اكتمال عملية الملء الثالث للسد دون توقيع اتفاق ودون تحرك مصري سوداني بتوجيه ضربة مؤثرة لتعطيل العمل في استكمال بناء السد ولو مؤقتا يكون هذا السيناريو قد تبدد أيضا خاصة مع تصريحات المسؤولين الأثيوبيين الدائمة بأنهم جاهزين للدفاع عن السد ضد أى محاولة لتخريبه, وأنهم ماضون في استكمال باقي مراحل عملية البناء والتشغيل.
وتمثل السيناريو الثالث الذي رسمناه في استمرار التعنت الإثيوبي وتوجيه ضربة عسكرية ناسفة للسد من قبل مصر والسودان, وهذا السيناريو يفقد فاعليته مع مرور الوقت لأنه كلما زادت المياه المخزنة خلف السد أصبح هذا السيناريو سلاح ذو حدين فقد تؤدي عملية نسف السد لتدمير الأخضر واليابس في دولتي المصب فقد تغرق السودان ومصر من جراء عملية النسف, ورغم مشروعية هذا السيناريو خاصة مع العجز الواضح للمجتمع الدولي في اقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق دولي ملزم للحفاظ على حصة دولتي المصب كما تنص على ذلك القوانين الدولية المنظمة للأنهار المشتركة, إلا أن تطبيق هذا السيناريو غير مضمون العواقب, فهذا المجتمع الدولي العاجز قد يتحرك ضد مصر والسودان في حال توجيه ضربة عسكرية ناسفة للسد وقد تنشأ حرب واسعة وفوضى عارمة في الإقليم, قد تلقي بظلالها على المنظومة الدولية برمتها.
وجاء السيناريو الرابع الذي رسمناه على النحو التالي وهو تعنت إثيوبيا والضغط الدولي على مصر والسودان لقبول الأمر الواقع وعدم توجيه أي ضربات عسكرية أو تعطيل لاستكمال السد, وهو السيناريو الأقرب حتى اللحظة, وهو ما يعني موت شعبي البلدين جوعاً وعطشاً, وبالطبع لا تسعى مصر والسودان لأي حلول خارج الشرعية الدولية لكنهما يبحثان عن حل يحفظ لهما حياة شعبهما المهددة لذلك فالسيناريو الرابع لا يمكن أن تقبله جموع المواطنين في مصر والسودان, وهذا السيناريو يمكن أن يحدث فوضى عارمة في مصر والسودان لأن شعبا البلدين لن يقبلا بالانصياع للضغوط الدولية إذا قبلها القادة السياسيين في البلدين.
ومع مرور الوقت تصبح قضية سد النهضة على صفيح ساخن, فبعد إعلان فشل المفاوضات وتصميم إثيوبيا على الذهاب لحافة الهاوية بإعلانها اكتمال الملء الثالث للسد دون توقيع اتفاقية ملزمة مع دولتي المصب مصر والسودان, ضاربة بحقوقهما التاريخية في مياه النيل عرض الحائط, حيث ترفض الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل المختلفة سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف بحجة أن هذه الاتفاقيات وقعت خلال مراحل الاحتلال, تكون بذلك تدق طبول الحرب, ويتحمل المجتمع الدولي ثمن تقاعسه عن القيام بالدور المنوط به في حفظ الأمن والسلم حول العالم, وليتذكر الجميع تلك المقولة الفرعونية المسجلة على جدران المعابد " فليهرع الجنود لإنقاذ النيل, وترعى وصوله إلى معشوقته مصر" وهى المقولة التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشعب المصري, لأن تنازله يعني الموت لنا جميعا, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
التعليقات