السعودية المحاصرة
كبرى دول العرب في مشرقه وثاني كبرى دول العالم في الاحتياطي النفطي العالمي بعد فنزويلا وفيها عدد نفوس منافس في منطقة الشرق الاوسط يتجاوز ثلاثين مليون مواطناً اصلياً في الجزيرة العربية ، انها المملكة العربية السعودية .
تعاني هذه المملكة الكبيرة من عقد واضحة ومتتابعة زمنياً .
الاولى : انها منفصلة تاريخياً وحضاريا بين دول العالم ولا سيما في الشرق الاوسط لانها اختصرت الجغرافيا والتاريخ في حفنة بشر يمثلها ولا يتجاوز عددهم (6000 – 7000) نسمة وهو ما يسمى بالعائلة الحاكمة . وهم ليسوا سلالة تاريخية حاكمة بل قبيلة اشتد عودها واختطفت الارض والناس في هذه المنطقة ومن ثم الهيمنة على مقدرا ت هذه الجغرافيا .
الثانية : انها وبواعز الهيمنة اضفت على نفسها قدسية مكتسبة عبر حلفها الوهابي وكرست له سلوكها وخطابها السياسي لايدلوجيا وفقه (محمد بن عبد الوهاب) وقد التزمت الناس في جغرافيا الجزيرة العربية بهذه (الايدلوجيا) او الدين الجديد ، والذي منحها القوة والقدرة والشرعية التامة في دماء الناس واموالها وكذلك الحرية السياسية الكاملة في القرار السياسي المقدس .
الثالثة : انها نشأت وبانت طموحاتها الجامحة في دولة خاصة على كامل نجد والحجاز بعد ان كانت هذه الاقاليم قائمة بذاته ، وجاء ذلك في خضم الصراع الامبراطوري الحديث في العالم وما رافقه من امتدات اوربي نحو الشرق ، المحكوم بالخلافة الاسلامية العثمانية المنتشرة في العالم والمترسخة والمتجذرة في الشرق الاسيوي ، وهو ما جعل المملكة السعودية متذبذبة ومتناقضة في خطابها وسلوكها السياسي والامني في الجزيرة العربية والذهاب برغماتياً نحو التحالف مع أي قوي يمنحها السلطة والهيمنة في هذه الجغرافيا .
الرابعة : عقدة الصراع الكوني الغربي وتبادل مراكز القوى العالمية بين الغرب الاوربي والغرب الاميركي ، وانتقال حكومة المملكة من قوة الى اخرى وبقوة سلاح الطاقة الذي جعل المملكة وبقية دول البترول منطقة صراع بين اقطاب اخرى خارج المنطقة (اميركا – بريطانيا) وهذه الدول الغربية لم تكن تعبأ بأيدلوجيا البلدان وخياراتها الثقافية والدينية بقدر ما تركز في قيمها المادية .
الخامسة : ان الحلف المقدس داخل المملكة اصبح يمثل تهديداً عالمياً ومنبوذاً من اقطاب النظام الدولي الاول الذي افرزته الحرب العالمية الثانية وكذلك النظام الدولي الجديد الذي بان في تسعينيات القرن العشرين الماضي ، وفي مطلع القرن الواحد والعشرين اصبح منبوذاً رسمياً بقرارات محلية اميركية (جاستا) واخرى دولية عبر المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الانسان وحماية الاقليات والديمقراطية والبيئة وما الى ذلك من مسميات مؤثرة في صناعة القرار الدولي والرأي العام العالمي .
السادسة : عقدة التنافس على السلطة والبقاء فيها على وفق السيرة التأريخية للعائلة، التي استحوذت على السلطة بأزاحة العوائل الاخرى . ما يعني ازاحة الاجيال المؤسسة لهذه المملكة ، وهو ما يعني الركون والارتكاز الى أي قوة مهما كان وصفها ولونها ، الا انها قادرة على تحقيق هدف البقاء في السلطة ، دون الالتفات الى رواسي عرش السلطة واسباب بقائه وهو عقد العائلة والجماعة الدينية ، فكان العبث بكلاهما (العائلة والوهابية) ، وبذلك تعلقت المملكة الجديدة (السلمانية) في فضاء جديد نحو بيئة جديدة مختلفة تماماً في السيطرة على الحكم والقيادة ، الا انها تعيش وتحكم بعقلية القرن الثامن عشر .
السابعة : عقدة المحيط الاقليمي المتحرك بقوانين البناء الذاتي المستمر والدخول الى الحلبة الدولية بمرتكزات تأريخية حضارية ضاربة في التاريخ وبقوانين الادارة العصرية المتمكنة من التوضيف الكلي للامكان المحلي بتفاصيله (الانسان ، الطبيعة ، الموارد الكامنة ، المحيط الخارجي ، شخصية الدولة القائمة) وهو ما ينطبق على دول مثل (تركيا ، ايران ، سوريا والعراق) وبدرجة مختلفة نوعاً ما وبشروط اخرى على دول البترول في (الكويت ، عمان ، قطر) ، والملاحظ في هذه الدول الاخيرة (البترولية) انها لم تكن تشكل امام السعودية أي عنوان اعتباري ولطالما ارغمتهم مكرهين على كل ما تريد وحتى التنازل عن حقوقهم في مواردهم واراضيهم وقرارهم السياسي وغيرها .
الثامنة : الدعوات السعودية الجديدة التي يقودها ويديرها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان ، ويرد قسماً كبيراً منها في رؤيته التي اسماها 2030 فهذه الدعوات تمثل مسيرة بقدميه نحو عمق البحر الاحمر المجاور له ، وليس امامه الا الغرق ، او الاستدارة وطلب النجدة من حوله والذهاب الى منطقة امان لا يحبذها نفسياً ، الا انها تمثل له النجاة من موت محقق له ولعائلتة التي تحكم منذ قرن في المملكة وقرن في القبيلة ومناطقها .
التاسعة : الشاب الامير الذي يدعوا الى الانفتاح والحرية العامة لم يتحمل صحفياً كتب عن اصلاح الحكومة ويريد ان ينتمي الى وطن ودولة مثل الاخرين ، فقتله شر قتلة ، وفتح على نفسه ملفاً عالمياً ، وهذا الشاب الذي يسمح لسافرة او (ناشطة مدنية) في اقصى شرق المملكة في منطقة (اميركا الصغرى) او (ارامكو) ان تمارس حياتها الحرة (سراً) ، ولا يسمح لها ان تكون كذلك في حياتها الطبيعية مع ابناء بلدها ، لتجد نفسها سجينة . فهذه العقلية الانتقامية القبلية لا يمكن ان تنتج نظاماً سياسياً قادراً على العيش بين الدول الاخرى التي التي اسست لحريات شعوبها منذ زمن بعيد ، وان هذه النماذج الفردية التي نذكرها هي نفسها قادرة على ادارة المملكة وتقديم اقل مما يقدمه الامير للدول الغربية وتتكفل هذه الدول حماية نظامهم السياسي ودون خجل من الرأي العام العالمي او منظماته الدولية .
العاشرة : عقد المخاطر الاقتصادية تمثل حيزاً اخر ومساراً اخر والخوض فيه يأخذ بحثاً اطول ، لانه يتعلق بحجم ابرادات ضخمة جداً ، ونظام توزيع بائس خلف مستويات فقر عالية .
الحادي عشر : عقدة الحل والحفاض على المملكة تكمن في قدرة التحول الى دولة حديثة ، وهذه تحتاج الى قائد شجاع قادر على نفسه ، فهل يتمكن بن سلمان في التخلي عن نزوات نفسه لاجل شعب في دولته ، ام سيتركه يفكر بطريقة شرعتها العائلة الحاكمة في الارتكاز الى قوى خارجية وأزاحته بالقوة .
الثاني عشر : عقدة الحصار الداخلي العائلي وعقدة الضحايا الكثر (بضمنهم الوهابية) والحصار الاقليمي من الكبار والصغار ، وضغط الحصار الغربي السياسي الاجتماعي المخيف القادم على الجزيرة بكل وقاحة وقبح وانقلابات قيمية ، يضع اسئلة كبرى امام الدولة السلمانية ؟ هل لها ان تتفلت من كل هذه الجهات والجبهات الضاغطة ؟هل لها ان تستقر في بيئتها بسلام مع كل هؤلاء .؟
التعليقات