هل في سورية فساد أو إنّ الفساد في سورية ؟ ، وما الأسباب التي تحدّ من مكافحته ؟!.

الجزء السّادس


كنت في الجزء الخامس قد أشرت إلى تضمين المناهج قصائد لشعراء لهم مواقف عدائيّة مع القائد المؤسّس حافظ الأسد ، وهم أساساً نظموا قصائد في هجائه ، وتساءلت عن سبب إدراج قصائد لهم في المناهج ؟!، واللافت أيضاً أنّ بعض الوزارات الأخرى أسهمت في تخريب الفكر التّربويّ والثّقافي في سورية وليست وزارة التّربية الوحيدة التي أسهمت في ذلك ، فقد جعلت وزارة الثّقافة من شعراء المقاومة إرهابيين ، فكان شعر المقاومة برأيها إرهاباً ، وهذا ما سيكون مجال بحثنا في الجزء السّادس .  

وحول دور وزارة الثّقافة في الإساءة لشخص السّيّد الرّئيس أيضاً فقد أُقيم مهرجان الماغوط المسرحيّ الثّقافيّ في دورته الأولى 2019 م ، وكان العرض الأوّل اليوم الأحد 29/9/2019 م في السّاعة السّابعة مساء مع فرقة مديريّة الثّقافة بحماة ( محاكمة الماغوط ) إخراج الفنّانة كاميليا بطرس ، وكانت عن نصوص محمّد الماغوط تحت مسمّى ( توليفة مولود داوود ) ومن المعلوم أنّ مولود داوود من أشد المعارضين للسّيّد الرّئيس ، وصفحته في الفيسبوك مليئة بالإساءة لشخص السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد ، وهذا ما ذكرتُه في مقال منشور في الوكالة العربيّة للأخبار بتاريخ 28/12/2019م ، تحت عنوان : " مَن تجرّأ على الإساءة للسّيّد الرّئيس ؟ ومن الجهة التي كرّمته بعد فعلته الشّنعاء ؟!". 
واللافت في وزارة الثّقافة أيضاً ما تمّ في معرض الكتاب العربيّ السّابق في عام 2017م وقد احتوى كتباً في القسم الخاص بدار بيسان اللبنانيّة ، وهي تثير نوازع طائفيّة أو نزاعات سياسيّة عرقيّة في سورية مثل : ( الأكراد من العشيرة إلى الدّولة ) للمؤلّف موسى مخول ، وكتاب ( العلويّون من الوجود في التّاريخ إلى التّاريخ مع مدخل إلى التّعريف بالإسلام والفرق الإسلاميّة ) ، كما تضمّن القسم أيضاً أسماء كتب تجعل من المقاومين إرهابيين من مثل : كتاب ( شعراء إرهابيّون ) للكاتب أوس داوود يعقوب ، وقد جعل الكتاب من الشّعراء نزار قبّاني ومظفّر النّواب ومحمود درويش إرهابيين ، علماً أنّ زيارةً تمّت في المعرِض لدار بيسان قام بها السّيّدان الوزيران محمّد عبد الستار السّيّد وزير الأوقاف ومحمّد الأحمد وزير الثّقافة آنذاك ، ورأيتُهما يجولان في المعرض في آخر يوم منه ، وتمّ التقاط مقاطع تصوير تلفزيونيّة وفوتوغرافيّة لهما من الإعلام أمام دار بيسان اللبنانيّة أي أمام تلك الدّار التي وُجِدت فيها كتبٌ تثير تساؤلات عدّة عن سبب وجودها في المعرض وغزوها لرفوفه واقتحامها له ،  وكنت قبلاً قد تطرّقت بتاريخ 31/12/2017 لذلك أيضاً في مقال منشور في موقع ( الحدث اليوم ) بعنوان:" هل وزيرا الأوقاف والثّقافة سبب فساد الثّقافة ؟! "، ومن الملاحظ ضمن مكتبة الأطفال في المراكز الثّقافيّة أنّها ممتلئة بالكتب الإسلاميّة التّحريضيّة ، ولا تتضمّن كتباً تنمّي القدرات الإبداعيّة أو التّفكير الابتكاريّ والمهاري للأطفال ، وهذا ما كتبتُه في مقال تحت عنوان : " لماذا يمتلِئ قسم مكتبات الطّفل في مختلف المراكز الثّقافيّة بالكتب الدّينيّة ؟ "، المنشور في موقع ( الحدث اليوم ) بتاريخ 12/4/2018 م ، ومقالي : 
" أيّهما أقوى دور النّشر الخاصة أو وزارة الثّقافة في سورية ؟!" المنشور في موقع ( الحدث اليوم ) بتاريخ 10/4/2018م . 
وفي ظلّ غياب الرّقابة على الجانب السّياحيّ خلال فترة الأزمة ، وربّما أستطيع أن أقول قبلها _ عندما كانت العبارات تقول في بعض المحافظات العربيّة السّوريّة على الطّرقات العامة ( تركيا قطعة من الجنّة ) ، فهل هذا يعكس سياسة سياحيّة اقتصاديّة لصالح سورية ؟! وهل هناك سياسة سياحيّة واضحة من خلال معظم الحكومات التي تعاقبت في سورية ، ولم نلحظ أيّ وزير سياحة قد حدّد معالم سياسة سياحيّة بصورة جليّة واضحة مع مرور الزّمن ، وهل هذا إلّا من حالات الفساد ؟!.
وكذلك الحال فيما لو تساءلنا عن الواقع الصّناعيّ في سوريّة ، فإنّ الأزمة كانت شمّاعة لحال الصّناعة في سورية ؟ ولو طرحنا السّؤال الآتي : 
ما حال الصّناعات قبل الأزمة لنقارنها بالواقع في ظلّ الأزمة ، وربّما بعدها ؟ وما الصّناعات التي كانت قائمة في سورية من خلال القطاع العام ؟ ولماذا تتمّ عملية الخصخصة الصّناعيّة إذا كانت تلك الصّناعات في القطاع العام تحقّق أرباحاً وبالتّالي ازدهاراً في دخل المواطن ؟ وكذا الحال في السّياسة الاقتصاديّة في سورية ،فهل هي قائمة على دراسة استراتيجيّة حقيقيّة تؤدّي لازدهار الاقتصاد السّوريّ ؟، ولماذا لم نرَ أو نلمح نتائجها قبل الأزمة أو في ظلّها ، وربّما بعدها ؟!، وبالتّالي هل هناك فساد فيها ؟!. 
ولعلّ من الأهمّيّة أن أشير إلى كلمة السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد أمام السّادة رؤوساء مجالس المدن والبلديّات بتاريخ 17/2/2019م ، عن تقصير الحكومة وجاء فيها قوله : 
" إنّ التّقصير الأكبر فيما حصل مؤخّراً ، وخاصةً في موضوع الغاز ، هو عدم شفافية المؤسّسات المعنية مع المواطنين ، لأنّني لو طلبت من المواطن أن يبني حواراً على المعلومات ، ويكون موضوعيّاً في النّقد ، فسيقول : كيف أتحدّث بشكل موضوعيّ وأنا لا توجد لديّ معلومات ؟ كيف أواجه المعلومات الكاذبة  لا توجد لديّ المعلومات الصّحيحة ؟ ، هذا كان تقصيراً واضحاً تمّ توجيه الحكومة ، وتمّ الحديث بهذا الموضوع أمام مجلس الشّعب من قبل المعنيين ، وتمّ التّأكيد أن يكون هناك شفافية كاملة مع المواطنين لكي نحدّد أين يكون التّقصير ، وكيف نتعامل مع كلّ مشكلة ". 
فهذا القول يجعلنا نتوقّف مليّاً أمام كلّ ما كان يُقال من الحكومة سواء السّابقة أم الحاليّة ، والتي جاء بعضها على لسان السّيّد وزير المالية السّابق مأمون حمدان ، فقال بتاريخ 29/1/ 2019 : 
" لا توجد أزمات غاز ولا مازوت ولا خبز ولا كهرباء ، والأزمات صنعتها وسائل التّواصل الاجتماعيّ التي تُدار من الخارج " ، وكذلك الحال في مجلس الشّعب ، فإنّ السّيّد رئيس المجلس حمودة الصّبّاغ قد ذكر أيضاً : 
" إنّ الحصار الاقتصاديّ المفروض على سورية سبب أزمة الطّاقة " ، واتّهم فيسبوك بتأجيج الأزمة الموجودة وفق ما أوردته صحيفة الوطن ,كما سبق لي أن كتبت مقالاً عن ذلك بعنوان : " أزمة الغاز في سورية بين إقرار السّيّد الرّئيس ونفي المسؤولين " ، وهو منشور بتاريخ 30/3/2019م ، في ( الحدث اليوم ) .
فأين الحكومة ومجلس الشّعب من توجيهات السّيّد الرّئيس إذا كانت تقدّم معلومات غير صحيحة ، ولا توجد لديها معلومات صحيحة ؟! ، وإذا كان أحد المسؤولين ينفي وجود أزمات لدى الشّعب العربيّ السّوريّ علناً ، ويدّعي عدم وجود أزمة ليأتي السّيّد الرّئيس ويقرّها _ كما أشرت قبلاً _ ألا يخفي ذلك حالة من الادّعاءات لدى هذا المسؤول في كلّ ما يقوم به ، وهل هذه الحالة عامة أو خاصة بوزير المالية السّابق ، وهل تشكّل بالتّالي مثل تلك الحالة من عمل أيّة حكومة فساداً ، وماذا نسمّي ما ادّعاه رئيس مجلس الشّعب في تصريحه ؟ وأين أعضاء المجلس أيضاً من المحاسبة والمتابعة عموماً ؟ وهل ما تمّ من ادّعاء  جاء على لسان رئيس المجلس إلّا حالة فساد وتناغم مع الحكومة ؟!.
ولعلّ المتتبّع للتّصريحات التي يطلقها أعضاء الحكومة الحاليّة يراها مليئة بالتّناقضات ، وهي كثيرة ، ومن أمثلتها : 
ادّعاء السّيّد طلال برازي وزير التّجارة الدّاخليّة وحماية المستهلك في جريدة الوطن بتاريخ 11/12/ 2020 م أنّه " لن تتمّ أيّة زيادة على أسعار المشتقّات النّفطيّة ، وأنّ ذلك لا أساس له من الصّحّة ، وهو غير مطروح أساساً " _ وفق ادّعائه _ وبعد تصريحه بأيّام صدر قرار برفع أسعار البنزين ، فأين ذلك التّصريح من القرار ، وهو الذي نفى ما أثبته لاحقاً ؟!.. 
وهذا يتكرّر دوماً ليس في عهد حكومة السّيّد عرنوس فقد سبقته تصريحات كثيرة متماثلة على لسان أكثر من وزير للتّجارة الدّاخليّة وحماية المستهلك في حكومات سابقة ، وكذلك الصّحّة والماليّة والنّفط والكهرباء وغيرها ... لتّأتي قرارات صادرة من المسؤول ذاته ، وهي متناقضة مع التّصريحات التي تسبقها بأيّام ، وأشرت لذلك في الجزء الثّاني من بحث بعنوان :" هل عجزت سورية عن تأمين مستلزمات المعيشة للمواطنين ؟!" بتاريخ 30/1/2021 ، وفي غيره من مقالات عدّة سابقة منشورة في ( الوكالة العربيّة للأخبار ) ، ومنها أيضاً : " حكومة افتعال الأزمات ( كورونا الحكومة ) " ، وأذكر أمثلة لذلك منها : ما جاء على لسان مصدر في وزارة النّفط يوم الإثنين 13/8/2018 م ، ليدّعي أن نقص البنزين في بعض المحافظات هو شائعات ، وبعد يوم واحد أي الثّلاثاء 14/8 يأتي ذلك المصدر ليؤكّد الخبر بعد نفيه بيوم واحد فقط مع إشارة لعدم نيّة الحكومة رفع سعر مادة البنزين ، وهذا تكرّر مراراً في مجال النّفط _ كما لاحظنا في المثالين من الحكومة الحاليّة والسّابقة ، وكان السّيّد وزير الصّحّة في الحكومة السّابقة أيضاً قد نفى ازدياد أسعار الدّواء رغم الارتفاع الذي تمّ ولأكثر من مرّة ، وادّعى أنّ المعاون قرّر ذلك دون العودة له ، فهل تتمّ تلك الزّيادة دون توقيع من السّيّد الوزير ؟! وجاء تصريح الوزارة لاحقاً ، وهو الذي نفى الزّيادة قبلاً ليضفي عليها طابعاً دبلوماسيّاً للمعامل ، وكأنّه يسخر من الشّعب ، ويحقّ لنا أن نتساءل : ألا تمثّل تلك الحالات فساداً ؟!. 
كونوا معنا في الجزء السّابع من البحث لمتابعة الحديث عن وزارتي الكهرباء والنّفط ضمن إطار تضارب التّصريحات بينهما حول الواقع الكهربائيّ ..
 
الباحث والمحلّل السّيّاسيّ :
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية 
وعضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة .