ما هوَ سِر قُوَّة أردوغان،

كَيف يَحكُم،وما هُوَ مشروعهُ؟


عنوان عريض بثلاثةأسئِلَة،تَتبعَهاأجوِبَة وتفاصيل، قَد يَجِد فيها السائل شرحاً مفيداً عن شخصيَة هذا الرجُل الثعلب الذي يَحكُم تركيافعلياً،منذ العام2014 كرئيسٍ للجمهورية.

تركيا التي يحكمها أردوغان، ناهزَ عدد سكانها ال 85 مليون نسمة، حسب إحصاء عام ٢٠٢٠، يُشَكُلُ العلويون والأكراد والشيعة والمسيحيون، مع باقي الأقليات،أكثرمن ثُلثَي عدد سكانها السالف الذِكر أعلاه، والنسبة الباقية تتشكَّل من الأتراك، وباقي الأصول التي تَتَّبِع مذهب أهل السُنَّة والجماعة.

استطاع رَجَب طيب أردوغان الماسوني المنحَدِر من أصولٍ إخونجيه! أن يخدَع بعض العالم، ويُوائمَ بين العَلمَنَة والأصولية الإسلامية، من خلال عَزفِهِ على وتَر القوميات الأخرىَ بذكاءٍ ودهاءٍ قَلَّ نظيرهما.

فأردوغان هوَ الرئيس التركي الوحيد الذي قَدَّم اعتذاراًعلنياًللأكرادالعلويين على المجزرة التي ارتكبتها الحكومة التركية بين عام 1937 و 1939 في مقاطعة "درسيم"،بسبب ثورة الإقطاع ضد الحكومة، وإعادة التوطين التي قادها السيد "رِضا".

ولاقَىَ اعتراف أردوغان  ترحيباً واسعاً، من الأكراد داخل وخارج تركيا، فكان أن تَمَّ له احتواؤهم واستقطابهم إلى جانبهِ.
كما نَجِحَ في استمالة الأكراد السُنَّة،
والشيعة أيضاً،بعد السماح لهم بإقامة مراسم عاشوراء، وممارسة شعائرهم الدينية علناً في إسطنبول وباقي المُدُن التي يتواجدون فيها.
وأسَّسَ أردوغان لنفسه قاعدة جماهيرية عريضة دفعته إلى الذهاب نحو إلغاء النظام البرلماني التركي وتحويله إلى نظام رئاسي،من خلال استفتاء أجراهُ عام1917وفازَ بهِ بأغلبية ضئيلَة.

إثر ذلك واجهَ "ثعلب تركيا" معارضة كبيرة من العسكر، الذي كان يتربص بهِ، فوَجَّهَ له ضربة موجعة هي الثانية من نوعها عام 2016،بعد ضربة عام 2013 التي أطاحَ بسببها بأكثر من 200 ضابط برُتَب رفيعة مختلفة.

ففي عام 2016 أطاح أردوغان بجميع ضباط الجيش العلمانيين، حتى بلغَ عدد العسكريين الذين اعتقلهم ووَجهَ لهم التُهَم بمحاولة الإنقلاب إلى ما يزيد عن العشرين ألفاً، بين ضابط وجندي،ناهيكَ عن الآلاف من الموظفين المدنيين والقضاة، في أكبر عملية تطهير علمانية ناعمة في البلاد.

حاول أردوغان أسلَمَة تركيا سِرَّاً وألغى نظرية"داروين"بخصوص التطوُر في المناهج العلمية،وحَوَّل كافة المناهج الدراسيةإلى إسلاميةرغم نفيِهِ محاربَة العلمانية.

وتَجنَّب أردوغان إثارة غضب إسرائيل، حيث حافظَ على مصالح أكثر من ثلاثين ألف يهودي،من أكبر أثرياء تركيا، يمسكون برأس الِاقتصاد التركي، من صناعة الذهب والسياحة والصناعات الكُبرَىَ والمؤسسات الإعلامية،وقَرَّبَهُم منه ونَصَّبَ بعضهم مستشارين بدرجة وزير، فأصبحَت ركائز سياسته داخل البلاد، من أجل إبقاء حكمِه، قائمةً على احتوا الأقليات،بإعطائهم هامش تحرك ديني يرضيهم، من دون التعَرُض لهم، بعداحتوائه اليهودالأكثرتأثيراً في تركيا،
وبعد احتواء الأكراد، باعترافه بارتكاب حكومة بلاده مجزرة عمرها مئَة عام.

 وهذا الإعتراف لم يؤثِّر على تركيا، ولم يترتب عليه أيَّة مُسائلات قانونيةدولية،
وأظهر تركيا دولياًبوجه علماني،في ظل أسلَمَة باطنية قائمة على قَدَمٍ وساق.

دولياً: أردوغان يحلم بإعادة أمجاد أجداده، أيام السلطَنَة العثمانية، ويحاول التمدُّدَ جغرافياً، نحو وسط آسيا، التي له تأثيرشعبي كبيرفيها،حيث تتصدَى له روسيا وبقوَة، لتمنعه من إستعادة مجد سلطانه العثماني على حدودها، وآذربيجان شاهد قريب على ذلك.

لم تقف حدود طموحات هذا الرجل داخل بلاد القوقاز، مسقط رأس أجداده، بل تخطاها إلى داخل أوروبا، عبر ألبانياوالبوسنة،التي يحلُم أن تكون بلاده عضواً في اتّحادها.
كما يحاول التمدّد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبر دخوله ليبيا، من باب النزاع الحاصل ووصوله إلى تخوم تونس والجزائر، حيث كانت مصر له بالمرصاد، إذ رسمت له خطاً أحمرَ فاقعَ اللون، منعتهُ من تجاوزه، مهدِدَةً بِاجتياح ليبيا، وإعلان الحرب على تركيا.

فَشِلَ أردوغان في ليبيا.
وانهزَمَ في سوريا.
ولم يتجَرَّأ على إعلان خطوات عملية في لبنان،خوفاً من ردفعل سورياوإيران وحزب الله.
وتَصَدَّت له تونس والجزائر.

تتواجد تركيا عسكرياً، بشكل فعلي خارج البلاد، في قبرص والصومال وقطر والعراق وسوريا،و لهاتواجد شبه عسكري جنوب اليمن،وهيَ تفكر بإنشاء  بإنشاء قاعدة بحرية لها على سواحل مالي،من أجل حمايةمصالحها الِاقتصادية الإستراتيجية خارج البلاد،
والتصدي لمنافِسَيْها الإقليميَّيْن: السعودية والإمارات، اللذين يشكلان خطراً إستراتيجياً على نظام أردوغان الحالي.

إذاً دعائم حكم أردوغان قامت على احتواء الأقليات، وإظهار وجه العلمَنة، ونشر الأسلمَة سراً، والقضاء على قوة العسكَر،وإقامةتحالفات خارجية قوية، محمية من اللّوبي الصهيوني.

لكنّ ذلك لن يستمر طويلاً، لأنّ أمريكا قرّرت أن تقطع ذيل الثعلب التركي، على الطريقة الفنزولية اللبنانية، وقد بدأت الأزمة تُطِلُّ برأسها على بلاد البوسفور،حيث بدأت طوابيرالمواطنين  الأتراك تُشاهَدُ بكثرة أمام الأفران، للحصول على الخبز المدعوم، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية، كطلائع أزمة تعتبرها واشنطن رسالة لأردوغان، عَلَّهُ يعود إلى رشدهِ وحجمه الطبيعي.

فهل يقضي رغيف الخبز على أحلام أردوغان؟
الجواب ليس ببعيد. 

وسنكتفي بهذا القدر.

بيروت في.....