لو


كثيراً ما كتبنا ونادينا جميعنا، أو معظمنا، بأهمية كتابة التأريخ من جديد، وتخليد المآثر عبر الفن؛ وعند استلام العصائب لوزارة الثقافة نهاية عام ٢٠١٨؛ طرحت السؤال التالي على الفيسبوك:
بعد أن استلمت جهة محترمة وملتزمة وزارة الثقافة؛ هل سنجد الأسر العراقية المحترمة بنسائها وأطفالها حاضرةً في المسارح ودور السينما؟
كانت الإجابات سلبية في غالبيتها العظمى بحجة أن الموضوع لا يتعلق بالمادة المعروضة، أو الجهة الراعية للمنتج الفني؛ إنما يتعلق بطبيعة الأسرة العراقية المحافظة التي ترفض حضور نسائها لمشاهدة العروض الفنية لا سيما في ظل الاختلاط، وكان المعلّقون يشعرون بالفخر لأنهم من أصحاب هذه الثقافة التي تنظر  الى حضور النساء لمشاهدة الأعمال الفنية على أنه عار!!
في عرض (قيامة الأرض) الذي أنتجته هيئة الحشد الشعبي؛ وجدت الحضور النسوي مبهجاً للقلب، وجود الأطفال كان أسلوباً خلّاقاً من التربية لإنشاء جيل مشبع بالقناعة أن كل ما يلاقيه هو حلقة ضمن سلسلة قضية واحدة تمتد من مهد البشرية وحتى إقامة الدولة العالمية؛ على مسرح أحداث واحد هو العراق.
إذاً فقد تحققت نبوءتي، وأجابتني (قيامة الأرض) عن سؤالي، وتأكّد للجميع أن العمل حين يكون محترِماً لذائقة المجتمع الأخلاقية، وترعاه جهة محترَمة، لا بد أن يحظى بالاحترام من هذا المجتمع بذكوره وإناثه، كباره وصغاره، فيسعون جاهدين لحضوره.
لفتني أن هذا العمل العملاق شاب من الألف الى الياء، بممثليه وتقنييه، وهذا ما يرفع الرأس عالياً.
حضور زوجات الشهداء وأخواتهم وبناتهم كمضيفات لا كضيفات؛ كان حافزاً للطمأنينة أن الوصية في أيدٍ أمينة.
عرض رائع بأقل التكاليف المادية، ذكّرني منذ الدقائق الأولى بعرض جِيَف الفراعنة الذي جرى في مصر- نيسان ٢٠٢١- والذي تكلّف ملايين الدولارات، وحضره عدد من الزعماء، وامتلأ بالرقصات العارية وتخليد الأوثان والطقوس الماسونية الواضحة وضوح الحقيقة العارية التي يمجّدونها، وصاحبته المعزوفات الموسيقية الخلابة بتوزيعها الماهر بين الآلات الغربية والناي والربابة بأعذب الألحان الشجيّة، فقط وفقط لتمجد رموزاً ماسونية كانت فيما مضى أعدى أعداء الله!!
لم تكن عملية نقل مومياوات عادية من متحف قديم الى متحف جديد، بل عبّر عنها أحد الباحثين من أهل السّنّة بأنها (طقوس استقبال الدجال) والإيذان بمرحلة جديدة.
إن الاعتزاز بعمق الحضارة الانسانية لا يكون بتخليد الظلمة والطغاة، إنما بتخليد صراع الحق مع الباطل، صراع الانسان مع الشيطان عبر حقب التأريخ.
الحضارة لم يصنعها الطغاة بل الأنبياء وأوصياؤهم؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر: إدريس مخترع الكتابة ومن علّم الناس ستر أبدانهم بخياطة الثياب بدل التستر بجلود الحيوانات، وإبراهيم من علّم الناس استخدام النّول والمغزل لغزل الصوف، وداود استهل عصر الحديد بعد عصر البرونز، وعلي مخترع التشكيل والنقاط، وجعفر الصادق مخترع الحبر السري ….إلخ.
ليست الحضارة أن نمجد من بنى قصوره على جماجم الشهداء.
لم أجد (قيامة الأرض) يقلّ بهاءً وعظمةً عن عرض الشيطان في مصر، بل وجدته ينماز بتخليد الحق، وتمجيد الانسان الحق، وتكريس معاني الشرف والإباء.
سيهزّك منظر الراية الخضراء على سفينة نوح
ستنفجر منهمراً لا باكياً مع فجر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتخاطب نفسك: 
(كل ما نعانيه لأننا نتبعك ونواليك وآلك، منذ ذلك اليوم الذي نزلت به رسالة الإسلام المحدّثة الى مستقبِلات الأرض، ونحن ندفع الثمن، كما دفعه أجدادنا منذ آلاف السنين).
حين تجلس قريباً من الخيام، ستضع يدك على صدرك وتهمس لمن بجانبك:
أخشى أن يسقط قلبي مني في ثلاثة مواضع
حرق الخيام
عمليات التحرير التي خاضها الحشد الشعبي
واستشهاد القادة
ويسقط قلبك في المواضع الثلاثة
ويسقط مع راية العباس
ومع سبي زينب
كما سقط عند الغدير والمباهلة
يسقط مع وأد البنات
وحقبة البعث
يسقط ويسقط ويسقط
كما سقط من قبل ألف مرة في حياتك اليومية
كما سقط حين نادى شهيد الانسانية حيدر المياحي (إحنه اهلكم لا تخافون)
وكما سقط وتهشّم واحترق وكفر بكل معاني الأخوة والانسانية حين احتوَش عسلان الفلوات سيارة إسعاف مستوحَدة في أرض العمارة، ومزّقوا وسحلوا  وأحرقوا من جديد أخاً لزينب، مسلوب الرداء،  مقطع الأعضاء.
هذه هي رسالة الفن وأهميته، ترسيخ الحقيقة في الوجدان
فلو أن لنا في كل عام فيلماً، مسلسلاً، مسرحية يستمر عرضها لأشهر بل لسنوات؛ ستجد أن التأريخ يكتبه المنتصرون حقاً، وليس الأدعياء.