المشكلة ليست بالماروني ولا بالشيعي
لقد دفعت من عمري أكثر من ربع قرنا وأنا أدافع عن الرؤية المارونية للبنان، اعتقلت وعذبت، وعشت متنقلا رحالا، لم أستقر في مكان أكثر من أشهر قليلة، كانت كل الدنيا تطاردني، وهكذا كان حال كل عوني في تلك الحقبة.
كنا فئة قليلة للغاية، مؤمنين بلبنان التعايش منارة الشرق، وطن التنوع، لبنان الصغير بجغرافيته، والأكبر من الدنيا بصوته وصورته وحريته وتعايشه.
كنت عندما أدخل أحد الأديرة كان الرهبان يستقبلونني بالكثير من الحب، وكان الحديث أن الشيعة هم من الإمام الحسين الثائر، والإمام علي أعدل رجل عرفته الإنسانية.
أنا لم أعرف الإمام الحسين أو الإمام علي من العلماء الشيعة أو في المساجد والحسينيات، أنا تعرفت على الإمام علي بصوت راهب أو اباتي كان يقرأ على مسامعي بعض ما قاله جبران وكتبه جرداق.
كان صمت الليل وخشوع السكون مع حديث طويل تحت ضوء القمر، وراهب يحدثني عن عذبات يسوع والأم الحسين وحزن مريم العذراء وزينب البتول، وكنا نبكي معا...
لا أعرف ماذا تغير أو ماذا حدث، لا أفهم ما يجري حولي، هل مات كل الأنقياء حتى أصبحنا متصارعين خارج التاريخ والتعايش والوحدة، لم أتصور يوما بحياتي أن أسمع مارونيا يهاجم الشيعة، أو شيعيا يهاجم مارونيا.
كنت عندما يسألونني لماذا تدافع عن الموارنة كنت أقول لهم إنه من حقهم أن يختاروا من يمثلهم، ومن يعبر عنهم، ولكن لم أتصور يوما أنهم قد يمنعوني من اختيار من أريد ان انتخبه.
كان يقال لي إن الموارنة مشروعهم غربي، كنت أقول لهم هذا حقهم، فهم يرون في الكنيسة امتدادهم وقوتهم وان الغرب يدعمهم، فهم أقليات وعانوا ما عانوه من الاضطهاد والتهميش، لكن لم أكن أتصور أن الموارنة سيمنعون الشيعة من امتدادهم الشيعي المتواجد في إيران وهذا حق للشيعة أيضا أن يبحثوا عن من يدعمهم فهم أيضا عانوا من الاضطهاد والتهميش والتنكيل والقتل والتهجير.
لقد التقيت مع نخبة النخبة المارونية العالمية وفهمت منهم كل شيء، حتى أصبح يقال عن ناجي أمهز موسوعة سياسية مارونية، وبالرغم إن هذه النخبة هي أساس الجبهة اللبنانية من أصدقاء كميل شمعون وبيار الجميل وغيرهم، إلا أني لم أسمع من واحد منهم كلمة واحدة ضد الشيعة، بل كانوا يتفاخرون بعدم الاحتكاك الشيعي الماروني حتى في عمق أزمة الحرب الأهلية، فكبار الموارنة في الكنيسة والسياسية يؤمنون أن لبنان يموت من دون الشيعة، وكانوا يقولون لي إن الشيعة أيتام من دون الموارنة، فنحن نعيش في بقع جغرافية واحدة اين يوجد الشيعي يوجد الماروني، واين يوجد الماروني يوجد الشيعي، هذا لبنان امامكم وجبيل وكسروان تشهدان.
أنا أتفهم أن يكون الصراع مع حزب الله انتخابيا ديمقراطيا ينتهي بعد انتهاء الانتخابات، لكن لا أتفهم أن يتعمق الصراع حتى يصبح جزءا من موروث مشوه لتاريخ من التعايش ووحدة الصف.
أنا أتفهم أن يهاجم بعض الموارنة الجمهورية الإسلامية في إيران ربما لأنها تدعم فريقا ولا تدعمهم، ولكن لا أتفهم الإساءة لإيران وهي قدمت خيرة أبنائها وقادتها للدفاع عن الأقليات الدينية في المشرق العربي، وتحديدا المسيحيين، فإيران حريصة للغاية على التقارب المسيحي الإسلامي.
أنا أتفهم أن يقوم جاهل بالكذب والافتراء على إيران، لكن لا أصدق بان هناك رجل دولة أو مفكر أو نخبوي مسيحي واحد ينكر أن إيران هي بلد الاعتدال والموسيقى الصوفية والفن العريق وشعبها أهل الحكمة والمعرفة في الطب والفلسفة والحوار، وأنه لا يمكن أن نشبه إيران باي دولة في المشرق من الصين حتى فلسطين.
في إيران يوجد عاصمة الحضارة ومركز التنوع الديني والعرقي، فالمسيحيين واليهود والسنة وحتى البوذيون يعيشون بإيران في حب ووئام وسلام ولهم كامل حريتهم ولهم قوانينهم الخاصة ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات اتجاه الدولة.
أخبروني أين المسيحيون في المشرق العربي، ماذا لهم من حقوق في السياسة والبرلمان، حتى في فلسطين المحتلة مهد يسوع، طرد العدو الإسرائيلي المسيحيين وهجرهم في أصقاع الدنيا، وفي غالبية الدول العربية لا يوجد مسيحيون، واصلا لا يوجد برلمانات، ولا حتى نقابات، وان تواجد مسيحيين فإنهم يعيشون في ما يشبه المستوطنات في هذه الأوطان العربية، لا تنسون فيلم عادل إمام حسن ومرقص وهو أكبر تعبير صادق عما يعيشه المسيحيون.
توقفوا عن هذا الهراء والدجل وكذبة الاحتلال الإيراني وان حزب الله يسيطر على لبنان، فالمسيحي يهاجر لأنه في عمق وجدانه يعرف أنه يخسر أخوه الشيعي بسبب بعض المتاجرين بالسياسة، المسيحي يترك لبنان دون رجعة لأنه غير قادر أن يقول لكم توقفوا عن استغباء عقلي واللعب على عواطفي، المسيحي في عمق عقله يعرف أنه والشيعي في خندق وامام مصير واحد، وعندما تهاجمون الشيعة أنتم تقتلون الشعور بالأمان عند المسيحي.
أيها الساسة أن كنتم تهاجمون إيران والشيعة من أجل حفنة من الدولارات تقبضونها ثمن مواقفكم قولوها صراحة وقد يسامحكم الشعب وحتما سينساكم التاريخ، ولكن أن كنتم تهاجمون إيران والشيعة لتطبيق مخطط كيسنجر وهو تهجير المسيحيين من لبنان، فإن تراب وأرز وأديرة وكنائس لبنان سيلعنونكم الى يوم الدينونة.
أو اقله كونوا مثل الشيعة الذين رفضوا أي إساءة إلى أهلنا المسيحيين، وقد أصدروا البيانات وشجبوا وأدانوا أي محاولة للمس بالثوابت الوطنية.
أخي المسيحي أنا الشيعي أقول لك، لا تخف أنها غيمة صيف وستمر، وكما أعرف أنه بعمقك لن تتخلى عني، فأنا أيضا لن أتخلى عنك، وحتى أن تعبت في منتصف الطريق أنا سأحمل صليبك لأضعه في قمة جبل صنين ليبقى شاهدا على قيامة لبنان كل لبنان وبمختلف طوائفه، فالمشكلة ليست بين الموارنة والشيعة، والتاريخ شاهد وكذلك المستقبل.
أحبك يا أخي المسيحي بالوطن واعرف أنك تحبني بالمواطنة.
التعليقات