البيان الأميركي الكاذب لحماية الدولة العبرية من العقاب


بعد طول لفّ ودوران وصخب وضجيج عن التصميم الأميركي على محاسبة المسؤولين عن قتل المناضلة شيرين أبوعاقلة، التي لم تمنع عنها الجنسية الأميركية إجرام المحتلّ الصهيوني ولا حجبت الرصاص الغادر حصانتها المهنية كصحافية، يُفترض أن تكون خارج المرمى الحربي. وهذا عرف عالمي منذ الحرب الكونية الأولى، ترسّخ في الحرب الكونية الثانية على نطاق أوسع.

بات تحاشي المتحاربين المسّ بالمراسلين والصحافيين من ضمن القواعد الملزمة للدول المنتسبة الى الأمم المتحدة، وبندا رئيسيا عضويا في جميع المواثيق والمعاهدات، التي تنظّم قواعد وحصانات إلزامية في زمن الحرب، تشمل الصحافيين والأطقم الطبية والإسعافية، إضافة الى تحصين سلامة وحقوق الأسرى لدى المتحاربين وإلزامية استحضار ممثلي المنظمات الإنسانية لتفحّص أحوالهم وتقديم المساعدة اللازمة غذائيا وطبيا.

 

هذا كلّه كلام فارغ وعرف ساقط عند عصابات التوحّش الصهيوني على أرض فلسطين، والقتل هو مصير كلّ فلسطيني أو فلسطينية بقوة الانتساب والهوية. وأيّا كان الموقف أو الخيار، فشيرين الشهيدة كانت تمارس مهنتها كصحافية بأقلّ قدر من المجاهرة بالانحياز لشعبها ووطنها، وبأقل تعبير ممكن عن هويتها الفلسطينية.

 

لم تحمها الجنسية الأميركية من غدر العدو ولا السير بين النقاط في صياغة الأخبار والمعلومات قبل نقلها للمشاهدين، وبعد أعلى درجات التعقيم، التي تفرضها غرف التحرير في القنوات العربية المملوكة والمشبوكة بناء على التوجيه الأميركي الخليجي.

 

لم يحمِ شيرين شعار قناة فضائية ناطقة بالعربية ملتحقة بقطيع التطبيع والترويج للمطبعين، تنشط بقوة في خدمة النهج الخياني، بعدما خلعت الجهة المالكة كلّ قناع كاذب تسترت به لسنوات وراكمت به رصيدا معنويا، سخّرته لمصلحة الترويج لمنطق الاستسلام والعلاقة بالعدو دفعة واحدة، بعد انتقالها الى الضفة الأخرى.

 

في المرتين لم تكن تلك القنوات خارج الرعاية والتوجيه الأميركي الصهيوني المباشر، وعلى مستوى الإدارة التنفيذية، التي يعرفها مَن كانت لهم تجارب مهنية في غرف التحرير، وقد تعاملوا مباشرة مع خبراء مهنيين يحملون الجنسيات الغربية الأميركية والبريطانية، ومعهم وبينهم، مستعربون نظّموا تعقيم اللغة الإعلامية وتعبيراتها واستعمالاتها من جميع المفردات والدلالات تحت شعار المهنية، وهو القناع والذريعة، التي تعقّم بها النصوص العربية المقاومة والمتمرّدة على الردّة والاستسلام.

 

لكن على الأرض، وفي الأرض المحتلة بالذات، ثمة شيء آخر يحدث. فالأجيال الفتية من شباب فلسطين ما زالت تغلي بالثورة والغضب، وهي تنتج مع كل مرحلة من نهضتها وتفتّحها الثوريّ التحرّري مزيدا من الشواهد على التصميم، الذي لا يهون ولا يخبو.

 

شيرين ورفيقاتها ورفاقها المجهولون والظاهرون ليسوا سوى القليل مما يخبّئ لنا الرحم الفلسطيني العظيم من أبطال وأجيال ومشاعل.

 

المخاض التاريخي في معمعان الصراع، سينتج المزيد من الطلائع والنخب الثورية لشعب متعلّم ومثقف مشبع بالوعي الوطني والقومي والتقاليد الثورية التحرّرية بجميع تياراته ونخبه الوطنية والقومية والإسلامية، والغد لناظره قريب.

 

يحفزّنا اعتقاد راسخ بجذرية الصراع الوجودي، وبيقظة متجدّدة لحركة الوعي الثوريّ وميراث أجيال من الفدائيين والأبطال، وكذلك سقوط جميع الأوهام، التي احترقت بنيران التجارب والخيبات والاختبارات المتعاقبة المستهلكة مع أصحابها ومروجيها.