الحرب الإعلامية وسلاح الصُحف.


▪️في سياق الحرب على سوريا، فإن ما كشفته صحيفة التايمز البريطانية عن دعوى قضائية رفعت في المحكمة العليا في لندن ضد قطر، لدعمها تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي في سورية، وتمويلها له بملايين الدولارات، لا يُعد مُستغربا، خاصة أن الدور القطري كان بمثابة رأس حربة في عمق الجغرافية السورية، وكذا الدور السعودي والتركي والإماراتي والاردني، ولعل غرفة موك، خير دليل على الدور الذي لعبته تلك الدول في سياق الحرب على سوريا. 

▪️لكن ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية، يُشكل جزءاً من جُملة تقارير نشرتها كبرى الصحف العالمية، والتي توضح أدوار تلك القوى في سوريا، وهذا بشكل أو بأخر، بات من الماضي، خاصة أنّ عناوين الحرب كُشفت، وكذا طبيعة الأدوار، وبالتالي، فإن مضمون تلك التقارير لا يعد ذا أهمية، إذا لم يتم وضعه في سياق قانوني، تكون له نتائج ملموسة. 

▪️خروج مثل هذه التقارير، يأخذنا مباشرة إلى توقيت صدورها، والغاية الأساسية منها، وفي هدف أبعد، فإن غالبية أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، تتخذ من الإعلام وسيلة لإيصال رسائلها، والأهم أن نقل مثل هذه التقارير، يُحقق ما تصبو اليه بعض أجهزة الاستخبارات، والغريب في هذا الإطار، أن الكثيرين تناقلوا هذا الخبر، وكأنه امر تم اكتشافه حديثا في سياق الحرب على سوريا، وهم بهذا كانوا ومن حيث لا يعلمون، سبباً في تعميم هذه التقارير، خاصة أنّ الكثير من الصحف الإقليمية والدولية، تعمل وفق منهج استخبارتي، يُحدد لها بدقة.

▪️ومن المهم القول، بأنه حين حاول المفكر الأميركي الشهير جوزيف ناي أن يصوغ العلاقة بين الإعلام والرأي العام في كتابه المهم "القوة الناعمة وسبل النجاح في عالم السياسة الدولية، الذي صدر في العام 2004. قال إن" المعارك لا يمكن أن تُربَح فقط في ميادين القتال، وإن الكاسب في الحرب هو ذلك الذي تكسب قصته في الإعلام.

▪️إنها صياغة لافتة بكل تأكيد؛ لأنها تشير إلى أهمية قصوى لدور الإعلام في الحرب، ربما بما يوازي أهمية آلة القتال ذاتها، ولأنها أيضاً تُعزز ارتباطاً بين هذين المجالين "الحرب والإعلام" ، الذي أدركه القادة وألحوا عليه منذ عقود طويلة.

▪️في ذات الإطار، لم يكن غريباً أن يعتقد الزعيم السوفياتي خروتشوف أن الصحافة هي سلاح في المعارك التي تخوضها بلاده في بقاع العالم المختلفة، كما أن غوبلز، وزير دعاية هتلر الشهير، رأى أنها مثل المدفعية التي تقصف المجتمعات المستهدفة، فتوطئ للهجوم المادي، وتشل القدرة على المقاومة، وهو الأمر الذي أوضحه هتلر نفسه، حين قال في خطاب ألقاه في لورنمرغ، العام 1929: لقد أوصلتني الدعاية إلى الحكم. وبالدعاية حافظنا على مراكزنا، وبها سوف نستطيع غزو العالم.

▪️ولمثل هذه الأسباب، أنشأت الدول "الديمقراطية" أيضاً وسائل إعلام موجهة إلى دول العالم وأقاليمه، سواء للتمهيد لتدخلها، أو لصيانة وجودها، أو تعزيزاً لمصالحها، أو للتمركز في خرائط الوعي، لحين نشوء حاجة، أو فرصة، لممارسة النفوذ والتأثير.

▪️في جانب موازٍ، وضمن تساؤل جوهري، لماذا لا تقوم كبرى الصحف والمجلات الدولية، بكشف التقارير عن الدور الأمريكي والسعودي وضمنًا الإسرائيلي في اليمن مثلاً وكذا فلسطين، وهذا أيضاً يُعد دليل قطعي، على أن هذه الصحف مرتبطة بأجندة استخباراتية، وخير ما يُقال عن حرب اليمن وما تشهده الساحة الفلسطينية، بأن عمليات قتل اليمنيين والفلسطينيين، يجب أن تبقى بعيدة عن الأعين، وعن التداول الإعلامي.