اسرار وخفايا وعد بلفور
للأسف حصل بالعالم العربي أكبر نكبة عرفتها البشرية بسبب ما عرف بوعد بلفور، وبدل ان تقوم النخب الفكرية والسياسية البحث بعمق عن هذا الوعد واسبابه وظروفه، اذا بهم طيلة مائة عام، يرددون الرواية الصهيونية كما كتبها الصهاينة لوعد بلفور، حتى صدقها العرب وضاعت فلسطين.
اليوم ولأول مرة سأكتب لكم الرواية الشبه كاملة لوعد بلفور،
وما اكتبه الان يبين لكم الدهاء الصهيوني، وكيف الصهاينة خدعوا الجميع دون استثناء، وفي هذه المقال التاريخي مدخل لفهم العقلية الصهيونية وخطورتها.
الاعداد للعودة الى ارض الميعاد بدا عام 1717 م، ووعد بلفور نشر بعد مئتاي عام بذات التاريخ، عام 1917.
المرحلة الأولى:
البداية: عام 1119 أنشئ ما يعرف بفرسان الهيكل (للمسيح ومعبد سليمان) وبالرغم انه لا يوجد شيء في العهد الجديد يتحدث عن هيكل سليمان، الا ان الكنيسة قبلت بتشريع فرسان الهيكل، ومنحتهم نفوذا واسعا، وبعد مائة عام، تحول فرسان الهيكل (الملقبون بـالجنود الفقراء) الى قوة مالية وسياسية.
وبسبب نفوذهم المالي وقدرتهم على التعبئة، فهم اول من صنع نظام البنوك، وما يعرف البروباغندا السياسية، فكانوا يسيطرون على القرار السياسي في أوروبا، فهم يمولون الدول والملوك والنظام السياسي، وأيضا يسيطرون على الراي العام المسيحي من خلال ما عرف بالحروب الصليبية.
وبعد ان لحقت بهم هزائم متعددة في فلسطين، وجد ملك فرنسا فليب الرابع ان الفرصة سانحة، للتخلص من فرسان الهيكل ومصادرة ثرواتهم الهائلة، وفي عام 1307 اعتقل عدد كبير من فرسان الهيكل، لكن الملك فليب لم يعثر على الذهب والأموال، حيث كانت عشرات الأطنان من الذهب مخبئة في الكهوف والجبال، وبعد اعتقال كبار قادة فرسان الهيكل فر عدد كبير من فرسان الهيكل الى سويسرا ومعهم اطنان من الذهب والالاف من صكوك الملكيات لعقارات في أوروبا.
لم يتخلى فرسان الهيكل عن مشروع بناء الهيكل، رغم الاعدامات الكثيرة وحل التنظيم رسميا عام 1312.
فقد وضع فرسان الهيكل مخططا كبيرا، أولا الانتقام من الكنيسة التي وافقت على الاعدامات ومن الملك فليب، ويشاع بان كل من اعطى الامر بالاعتقال ومن نفذ تم قتلهم او أعلن موتهم بظروف غامضة، ومنهم بابا الفاتيكان كليمنت الخامس والملك فليب، فقد ماتا او قتلا بظروف غامضة، بعد عاميين من اعلان حل تنظيم فرسان الهيكل عام 1314.
المرحلة الثانية:
وبما يملكه فرسان الهيكل من أموال وذهب، بدأوا بتنفيذ المخطط، وبالفعل بدأت التغيرات بأوروبا، حيث عمتها الفوضى والاغتيالات وعدم الاستقرار، حتى انطلاق الثورة الفرنسية، التي أطاحت بأوروبا القديمة وانهت نفوذ الكنيسة، وكان في مقدمة المخطط لفرسان الهيكل هو استثمار الثورة الفرنسية، من اجل تحقيق بناء الهيكل، حيث تم الاتفاق مع الجنرال نابليون بونابرت الذي قاد الحملة على مصر 1798 من اجل الوصول الى اورشليم، وبعد فشله باحتلال عكا التي ساندتها المملكة البريطانية، عاد نابليون الى فرنسا واصبح الامبراطور بناء على اتفاق مسبق مع فرسان الهيكل، وحمل نابليون أسباب عدم تحرير ارض الميعاد الى الحكومة البريطانية.
وسبب الاقتتال بين الإمبراطورية الفرنسية والمملكة البريطانية هو بسبب دعم المحفل الفرنسي (بقيادة لافاييت) للثورة الامريكية التي ادت الى تحرير المستعمرات الامريكية 13 من الاستعمار البريطاني، ملاحظة عدد المستعمرات هو رقم رمزي للانتماء الى فرسان الهيكل الذين اعتقلوا في 13 تشرين الأول 1307.
وبسبب هذا الصراع مع المملكة البريطانية التي افشلت مهمة نابليون إضافة الخسارة المالية الكبرى، قررت عائلة روتشيلد شراء ارض الميعاد في عام 1831.
المرحلة الثالثة:
وفي عام 1836 قامت عائلة روتشيلد بتكليف موسى مونتيفيوري وهو صهر العائلة بشراء ارض الميعاد، وتوجه موسى مونتيفيوري الى مصر حيث التقى عام 1838 بالأمير محمد علي باشا حاكم مصر واتفق معه على ان يحصل اليهود على بعض المزارع في فلسطين على ان يسددون كافة الضرائب التي ستدفع سلفا، وكان اول اتفاق يوقع بين حاكم مسلم وعائلة روتشيلد، ومنذ ذاك التاريخ نجح فرسان الهيكل التي كانت تدير عائلة روتشيلد ثرواتهم التي هربت الى سويسرا.
وأيضا ظهر لأول مرة ما يعرف بالنظام السياسي الاجير، أي انك تزرع شخصا حيث يصل الى اعلا مراتب الحكم، ويقال ان محمد على باشا المصري وهو من أصول يونانية، وان سبب ثروته التي جمعها مع انه كان من عائلة معدمة هو التجارة، وقال محمد علي باشا في مذكراته التي كتبت عنه فهو كان اميا، كان له 17 اخ واخت جميعهم ماتوا الا هو بقي على قيد الحياة، وان ثروته هي بسبب الخبرة التي اكتسبها من التاجر الفرنسي "المسيو ليون" وكان دائما يردد انه لا يثق الا بالفرنسيين وعندما استلم حكم مصر عين الفرنسيين في غالبية المراكز الحساسة.
وأول بيع أراضي تم لليهود بمبالغ ضخمة للغاية، هو ما قام به والي سوريا محمد رشيد باشا حيث باع قرية بأكملها، كما باعت زوجته أيضا قرية لمندوب عائلة روتشيلد الذي كان يشتري الأراضي مباشرة باي سعر يطلب.
وللمفارقة ان محمد رشيد باشا هو ابن رشيد باشا مساعد حاكم مصر محمد علي باشا، وقد تلقى تعاليمه في المدارس الفرنسية.
وبالفعل نجحت عائلة روتشيلد بخلق اول مركز دراسات واستشراق من خلال جواسيس بصفة المزارعين الذين كانت غايتهم دراسة طبيعة الشعب الفلسطيني والاحوال السياسية بظل الخلافة العثمانية.
المرحلة الرابعة:
"فيليب نيولنسكي وهو صحفي وسياسي كان صديقا للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني بسبب عمله كدبلوماسي نمساوي في اسطنبول، وقد طلب منه السلطان عبد الحميد الثاني ان يترك العمل الدبلوماسي وان ينشئ نشرة الشرق التي كان تمويلها على نفقة السلطان، والتي كانت تصدر بفيينا وغايتها المساهمة بتمدد النفوذ العثماني، ومع الأيام ومع اشتهار نشرة الشرق بدات تلفت انظار اللوبي اليهودي الذي بدا الاستثمار فيها، ومن ثم حولها الى وسيلة إعلامية تمهد للعودة الى ارض الميعاد، حتى وصلت الأمور الى دفع مبالغ ضخمة الى نيولنسكي على ان يساعدهم باقناع السلطان بمنحهم ارض الميعاد، فقال نيولنسكي جملته الشهيرة وهي مدونة، لو لم تنهار السلطنة العثمانية ماليا ما قبلت ولا للحظة ان اسال صديقي السلطان سؤالا انا اعرف جوابه مسبقا، ولكن طالما انكم ستدفعون الأموال لصديقي السلطان لتسديد القروض عليه لاوروبا وبريطانيا ساحاول معكم.
وقال هرتزل: في البدء أقنعنا نيولنسكي ان يعمل معنا مقابل مادي لكن فيما بعدما أصبح نيولنسكي مخلصا للحركة الصهيونية، وهذا الكلام كذب لان كلام هرتزل جاء ردا على كلام نيولنسكي الذي ذكرته في النص، ولكن العقل اليهودي لا يترك حتى الثغرات في التاريخ، فهم لا يريدون ان يقال عنهم انهم اشتروا الناس باموالهم.
((كاتب المقال )))
عام 1896 استقبل السلطان عبد الحميد الثاني نيولنسكي ومعه شخص يعرف بهرتزل، وقد عرف نيولنسكي عن هرتزل بانه زعيم اليهود بالعالم، وان مهتمه تقتضي بالحصول على قطعة ارض في فلسطين تكون شبه موطن خاضع للقوانين العثمانية وبالمقابل مستعد السيد هرتزل ان يسدد كل الديون الاروبية المتوجبة على السلطنة العثمانية، وأيضا ان يدفع جميع الضرائب المتوجبة على اليهود الذين سيسكنون فلسطين.
وكان جواب السلطان العثماني هو الرفض قطعا، وحتى من دون نقاش.
المرحلة الخامسة:
عام 1897 أقيم مؤتمر هرتزل الشهير والذي كان على جدول اعماله نقطة واحدة أساسية، وما تبقى تفاصيل، انه لن يكون هناك وطن بديل لليهود في فلسطين طالما السلطنة العثمانية قائمة.
وبدا الاعداد لإسقاط السلطنة العثمانية.
وكانت اول جولات اللوبي اليهودي، هي على القوى والعشائر التي على عداء مع الحكومة العثمانية.
بين عامي 1901 1902 قام وفد يهودي تحت تسمية وفد بريطاني بزيارة القوى والعشائر التي على عداء مع السلطنة العثمانية، انما بالحقيقة حتى هذه اللحظة لا يوجد رسالة او تكليف رسمي من المملكة البريطانية، بان بريطانيا هي التي كلفت من يفاوض عنها او باسمها، مع الامارات والقبائل والعشائر او الأديان غير الإسلامية التي كانت على عداوة مع السلطنة العثمانية،
مما يعني بان اليهود قد ورطوا بريطانيا بهذه التهمة التاريخية عند العرب، كونهم بالغرب يعلمون ان اليهود هم أساس كافة المصائب التي حصلت بأوروبا لذلك تم إقرار قانون معاداة السامية.
ومن الامارات التي كانت على عداوة كبيرة مع السلطنة العثمانية هي امارة ال سعود منذ عام 1812 ، وما ان حصل اللقاء بين وفد اليهود وامير ال سعود، حتى تم الاتفاق على كل شيء، ومنها الموافقة على قيام وطن يهودي في فلسطين، على شرط ان يدفع شهريا مبلغ وقدره خمسة الاف جنيه إسترليني لال سعود، والفين جنيه إسترليني لكل قبيلة تتحالف مع ال سعود وهم كانوا يعرفوا بالإخوان، وبعد سقوط السلطنة العثمانية، تعود كافة المناطق الى حكم ال سعود.
وبالفعل بدأت قبيلة ال سعود بشن الحملات على المدن ومؤسسات السلطنة العثمانية، حيث كان كل عام يتم اعداد جيش بأعداد كبيرة من القبائل التي تشترى بالمال اليهودي، وقد حصل ثمانية مواجهات مع السلطنة العثمانية وحلفائها من ال عجمان وال الرشيد بين الأعوام 1902 و 1907. وتحديدا في عام 1904 أعلنت ولاية نجد حيث أضعف الجيش العثماني وتم طرده منها.
وأيضا بين الأعوام 1901 و 1903 سجل موجة هجرة يهودية الى فلسطين لكنها كانت غير شرعية، وهي تمت بالتنسيق مع بعض العرب الذين كانوا بمراكز امنية او عسكرية عثمانية، ولم تحصل كما يشاع ان الهجرة اليهودية بهذه الأعوام تمت بموافقة السلطان عبد الحميد الثاني، والدليل ان تيودور هيرتزل قال انا اعارض هذا الأسلوب من الهجرة حتى لا تكون الجماعات اليهودية معرضة في كل وقت للطرد، وتحت رحمة السلطان العثماني.
وأيضا بعد عامي 1903 1904 عقد اول مؤتمر في فلسطين، من قبل اليهودي أوسيشكين وهو من أصول روسية، حول يهودية الدولة.
((كاتب المقال )))
وعقد المؤتمر الثاني وكان سريا في أحد المستعمرات بفلسطين، من اجل البدء بمواجهة العثمانيين، وتامين دخول اليهود المهاجرين.
علمت السلطنة العثمانية بالمؤتمر واعتقلت المؤتمرين، وطردت اكثر من خمسمائة يهودي.
عام 1904 مات تيودور هرتزل قبل ان يشاهد سقوط السلطنة العثمانية.
المرحلة السادسة:
في عام 1906 وصل ضابط تركي كبير الى مدينة يافا وكان ذا ميول علمانية، وهو الضابط اتاتورك، الذي عرف بمعارضته للسلطان عبد الحميد الثاني.
هل تتصورون ما هي القوة التي أبقت على جنرال بمنصبه يعادي سلطان الدولة ولا يعترف بالخلافة الإسلامية مع انه قائد عسكري معين بجيش الخلافة الإسلامية.
وبعد زيارة اتاتورك الى يافا تغير تقريبا كل شيء وبدأت الهجرة اليهودية بازدياد وسمح بشراء الأراضي من قبل اليهود، وحتى سمح بطرد الفلسطينيين.
"ومن المفارقات ان الضابط اتاتورك أيضا مات جميع اخوته عندما كان صغيرا الا اخته التي كانت بالاشهر الأولى، كما حصل مع حاكم مصر محمد علي باشا، وأيضا من المفارقات ان اتاتورك من مدينة سالونيك وهي مدينة في مقدونيا، وأيضا من الصدف ان محمد علي باشا من قواله وأيضا هي مدينة في مقدونيا".
وفعليا بدا الدور العثماني يضعف في شبه الجزيرة العربية وفي الأوطان العربية، وبدا المال اليهودي يتدفق بكثافة على العديد من القيادات السياسية والعسكرية العربية والعثمانية المتواجدة في الجغرافيا العربية، وقد نجحت هذه القيادات بتجنيد الكثير من العملاء في صرح السلطان وحوله.
المرحلة السابعة:
في الداخل التركي كانت السلطنة العثمانية تعاني من انهيار مالي كبير يرافقه عدم استقرار داخلي، والدول تطالبها بتسديد الديون، وفي الخارطة العربية حالة امتعاض وثورات على الحكم العثماني، تدخل اليهود لدى محمد الخامس وهو شقيق السلطان عبد الحميد الثاني، بإعادة عرض الحصول على موطن لليهود في فلسطين مقابل تسديد الديون وخلع السلطان عبد الحميد الثاني، والفصل بين الاتراك والعرب، وافق شقيق السلطان على العرض، وتم بالأجماع العائلي اقالة السلطان عبد الحميد الثاني حيث حصل انقلاب ابيض 1909، ووضع السلطان عبد الحميد الثاني بالإقامة الجبرية.
وفي عام 1910 قدم اليهود صكوك الى السلطان محمد الخامس تثبت البدء بتسديد الديون المتوجبة على السلطنة العثمانية للدول، وتم دفع مبلغ مالي كما هو متفق عليه، وبالفعل بدات السلطنة العثمانية تنتعش من جديد وتستعيد استقرارها، حيث تم تفعيل الزراعة والصناعة، والقيام باصلاحات سياسية، وأيضا تم تطوير الجيش العثماني وتزويده بالطائرات والاساطيل البحرية، وتم الفرز ما بين العرب والترك.
((كاتب المقال )))
وبدات هجرة اليهود الى فلسطين بطريقة شرعية، فقد سجل بين عامي 1909 و 1911 وصول اكثر من الف وخمسمائة يهودي ليلتحقوا بالمزارع التي كان حصل عليها موسى مونتيفيوري من حاكم مصر محمد علي باشا.
ولكن مع نهاية عام 1911، اكتشف السلطان العثماني محمد الخامس، بان الديون التي كانت متوجبة على السلطنة العثمانية للكثير من الدول هي بالأساس ديون لعائلة روتشيلد، وأدرك ان المخطط كان اغراق السلطنة العثمانية بالديون للوصول الى القبول بمنح أراضي لليهود في فلسطين، يعني بان اليهود لم يسددوا الديون بل قاموا بشطبها كونها بالأساس هي من أموالهم.
فقرر التراجع عن الاتفاق مع اليهود وبدا بعقد اتفاق مع الإمبراطورية الألمانية، وكانت الإمبراطورية الألمانية تسعى لقيام التحالف مع السلطنة العثمانية لمواجهة التوسع البريطاني.
وهنا تدخل اللوبي اليهودي لتقليب المملكة البريطانية على السلطنة العثمانية، تحت ذريعة تحالفها مع الإمبراطورية الألمانية، كونه لم يحصل أي تصادم عسكري بريطاني عثماني منذ قرن تقريبا,
وبالفعل ولأول مرة شعر البريطانيين بالقلق والخطر من التحالف العثماني الألماني، وهنا بدأت بريطانيا الاعداد لإخراج السلطنة العثمانية من الأوطان العربية،
المرحلة الثامنة:
عام 1912 بدا البريطانيين بالتواصل مع الشريف حسين امير مكة، وقبل هذا التاريخ لم يحصل أي تواصل بين الشريف حسين واي حكومة غير السلطنة العثمانية كون الشريف حسين كان في الإقامة الجبرية في الاستانة حتى عام 1908 وعندما بدأت الثورات العربية افرج عنه السلطان عبد الحميد الثاني وعينه اميرا على مكة كي يساهم بتهدئة الثورات العربية على السلطنة العثمانية، وقد عرضت الحكومة البريطانية على الشريف حسين ان يكون حليفها في اخراج السلطنة العثمانية من الأوطان العربية، ووضع الشريف حسين شرطا ان يكون هو الملك على بلاد الحجاز، وافقت الحكومة البريطانية وتعهدت بدفع خمسون الف جنيه إسترليني شهريا للشريف حسين.
كان كل شيء يسير كما خطط له في مؤتمر هرتزل، لإقامة الدولة اليهودية يجب إزالة السلطنة العثمانية،
اكتملت كافة العناصر لاسقاط السلطنة العثمانية.
وما بقي الا اشعال فتيل الحرب،
المرحلة التاسعة:
في 28 حزيران 1914 الساعة 10:10 صباحًا مرت سيارة ولي العهد النمساوي فرانز فرديناند، في الشارع المحدد السير فيه، اذا بشخص يدعى نيديليكو كابرينوفيك يلقي بقنبلة على سيارة الأرشيدوق المكشوفة مما تسبب بإصابة ضابط الحراسة وعدد من المتواجدين، ولكن ولي العهد النمساوي نجا بأعجوبة، وبعد ساعة من محاولة الاغتيال قام ولي العد النمساوي بزيارة الضابط المصاب بالمستشفى، وبعد خروجه من المستشفى دخلت سيارته في احد الازقة خطاء فكان بالصدفة يوجد في هذا الشارع غافريلو برينسيب، وهو احد المكلفين بمهمة الاغتيال فاطلق طلقتين من مسدسه الأولى اصابت ولي العهد فرانز فرديناند مما أدت الى مقتله، أما الطلقة الثانية فأصابت زوجته صوفي في بطنها.
وفي 28 تموز 1914 أي بعد شهر بالتمام والكمال اشعلت الحرب العالمية الاولى
الحلفاء: بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، روسيا، امريكا، اليابان، واخرون
المحور: المانيا، السلطنة العثمانية، النمسا المجرية، بلغارية.
ومن المفارقات انه منذ مائة عام حتى اليوم لم يستطيع أي مركز دراسات شرح الأسباب التي وحدت الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، كونه قبل عام واحد من الحرب كانت فرنسا مختلفة مع بريطانيا، وبريطانيا مختلفة مع روسيا، وإيطاليا مختلفة مع الجميع.
بينما كان المحور الألماني العثماني والنمسا وبلغارية، حلفاء قبل الحرب بسنوات، ويقال ان الحرب العالمية الأولى لم تكن متوقعة الحدوث.
وأيضا من المفارقات، انه لا أحد شرح كيف تم اعلان الحرب خلال شهر واحد.
اذا كل شيء كان معد مسبقا للحرب العالمية الأولى كان، وكان المطلوب ليس اسقاط النظم السياسية بل وقتل اكبر عدد ممكن من الشعوب لخلق الوطن البديل لليهود.
وبالفعل انتهت الحرب بإزالة خمس امبراطوريات: الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الألمانية، والنمساوية والبلغارية وحتى الروسية التي تنازل عن العرش امبراطورها.
ومن عجائب الاعداد: انه قتل وجرح وفقد لقوى الحلفاء اكثر من 22 مليون واربعمائة وخمسين الف، بينما قتل وجرح وفقد لقوى المحور 16 مليون واربعمائة الف, ومع ذلك هزم المحور وفاز الحلفاء.
قتل 5525000 من جنود الحلفاء: بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، روسيا، امريكا، اليابان،
قتل 4386000 من جنود المحور: المانيا، السلطنة العثمانية، النمسا المجرية، بلغارية.
ومن المفارقات في الحرب العالمية الأولى التي كانت سبب تسمية وعد بلفور بالوعد البريطاني،
انه في أواخر عام 1916 نفذت الخزينة البريطانية من الأموال بعد ان استهلكت من احتياطها ما يقارب ال 45 مليار دولار امريكي، على تمويل الحرب والحلفاء، وكان هذا المبلغ قبل مائة عام مبلغا ضخما للغاية، اذا بالكيميائي حاييم وايزمان اليهودي والذي يعتبر اشهر شخصية بالتاريخ اليهودي الحديث بعد تيودور هيرتزل، وهو الذي انتج مادة الاسيتون الشديدة الانفجار الذي قدمه للجيش البريطاني لاستخدامه في الحرب العالمية الأولى.
كان لحاييم وايزمان مكانة خاصة عند الحكومة البريطانية، فدخل على رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج وقال له لقد سمعت انكم بحاجة الى الأموال، وانا مستعد ان تامين الدعم المالي لإكمال الحرب، لكن بشرط اعلان فلسطين وطن قومي لليهود، فقل لويد جورج لكن الحرب لم تنتهي بعد، وأيضا المعارك ما زالت على اشدها وهناك انسحاب للحلفاء ومنهم الإمبراطورية الروسية التي تعاني ازمة داخلية كبرى أدت الى تنازل الامبراطور عن الحكم.
فقال وايزمان ان ربحتم الحرب فالأمر لكم بتقسيم مناطق النفوذ العثماني، وان خسرتم الحرب فانتم تربحون الدعم المالي وتتجنبون مصير الإمبراطور الروسي، وافق رئيس الحكومة البريطانية على طلب وايزمان.
وبالفعل ابلغ ضُمِّنَ هذا الوعد ضمن رسالة بتاريخ 2 تشرين الثاني عام 1917 مُوَجَّهَةٌ من وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني.
وما ان تلقى اللورد ليونيل دي روتشيلد رسالة من وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور، في منزله في لندن في 148 بيكاديللي، حتى وافقت الولايات المتحدة على اقراض الحكومة البريطانية 27 مليار دولار امريكي، كانت فاصلة في انهاء الحرب، لصالح الحلفاء، وإعلان هزيمة المانيا، السلطنة العثمانية، النمسا المجرية، بلغارية.
جاء بمذكرات بلفور انه اعجب بشخصية الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان الذي التقاه عام 1906، فتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع التأثير في السياسة الدولية وبالأخص قدرتها على إقناع الرئيس الأميركي وودرو ويلسون للمشاركة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا. وحين تولى منصب وزارة الخارجية في حكومة لويد جورج في الفترة من كانون الأول1916 إلى 1919 وعده المعروف بـ"وعد بلفور" عام 1917 انطلاقا من تلك الرؤية.
وقال بلفور عندما زرت لأول الدولة اليهودية عام 1925 وجدتها جميلة كما كان يصفها صديقي وايزمان تماما.
وعد بلفور ليس وليدة سنوات قليلة بل هو وليدة نظام عميق عمل ما يقارب الالف عام حتى تحقق، وفي سبيل تحقيقه دمرت اوطان بأكملها وسقطت أنظمة، وملايين القتلى، وصرفت الالاف من المليارات من الدولارات.
بريطانيا ليست الا تفصيلا صغيرا وربما لم يكن دورها ابعد من اعلان ولادة وطن اليهود المزعوم، فقد احتاج الى حرب عالمية أولى لإعلانه، واحتاج الى حرب عالمية ثانية لتكريسه وتشريعه، وسقط ما يقارب ال 200 مليون قتيل وهو ما يقارب العدد الذي ذكر في الكتاب المقدس عن معركة هرمجدون،
اثناء مغادر وايزمان بريطانيا عام 1942 لتلبية دعوة من الولايات المتحدة للإقامة بها والمواصلة إنتاجه في المطاط الصناعي، قال له تشرشل وهو يودعه وهذا ما كتبه وايزمان في مذكراته- إنه يتمنى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مساعدة عبد العزيز آل سعود في أن يصبح سيدا على الشرق على ألا يعارض في تحقيق أهدافه، وطلب منه تشرشل أن يحتفظ بهذا السر وألا يبوح به إلا لرئيس الولايات المتحدة روزفلت حينما يقابله، وبالفعل وافق روزفلت على هذا الأمر بعد مقابلة وايزمان له.
بالختام أيها العرب والمسلمين لتحرير فلسطين ليس لكم الا الوحدة واعتناق الفكر المقاوم، وان تقدموا للقضية الفلسطينية، بذات المقدار والحجم وأكثر مما قدمه ودفعه اليهود لاحتلال فلسطين، أولا لتحافظوا على أنفسكم وبقائكم ومكتسباتكم، لان العدو الصهيوني هو اخطر واقوى من أوروبا وامريكا مجتمعين، فكيف بالعرب المنقسمين طوائف ومذاهب واديان.
هذه المراحل التسعة
لبنان في: 5 – 11 - 2021
التعليقات