هل في سورية فساد أو إنّ الفساد في سورية ؟ ، وما الأسباب التي تحدّ من مكافحته ؟!.
الجزء الثّامن
سنكون في الجزء الثّامن في متابعة سلسلة البحث لبيان واقع الإعلام العربيّ السّوريّ ، وهو يستمدّ مادته الإعلاميّة من الكيان الصّهيونيّ ( إسرائيل ) عبر دلالات موثّقة وسبقت الإشارة إليها قبلاً ..
لعلّ إعلامنا العربيّ السّوريّ يحتاج قفزات نوعيّة وإعادة قوننة وهيكليّة في إدارته وتوجّهاته ، ولا بدّ من تطويره ، وقد سبق لي أن تقدّمتُ بدراسات استراتيجيّة سابقة لتطوير بعض وزارات الدّولة _ كما أشرت في أجزاء سابقة من البحث الحالي _ وهي مقدّمة لرئاسة مجلس الوزراء إن كان لتطوير وزارة الإعلام أو غيرها ، وكان عنوان دراستي لتطوير وزارة الإعلام أو الإعلام عموماً في سورية :
" الإعلام في سورية .. استراتيجيّاته وتطويره في ضوء الإصلاح الإداريّ في سورية " ، الموجّهة لمقام رئاسة الوزراء والمحالة من رئاسة الوزراء للسّيّد وزير الإعلام برقم 1936/ م. خ/ق تاريخ 6/8/2017 م ، والمسجّلة لدى مديرية حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في وزارة الثّقافة ، وحصلت بموجبها على شهادة إبداع بعنوان : " آراء تطويرية لبعض وزارات الدّولة في الإعلام والتّربية والمصالحة الوطنيّة في ضوء مشروع الإصلاح الإداريّ للسّيّد رئيس الجمهوريّة في سورية " ، برقم (3911 ) لعام 2018م ، وأشرت إلى جوانب كثيرة مهمّة لتطوير الإعلام في ضوء واقعه الحالي ، وقدّمتها في ستّ لقاءات أو حوارات ضمن أكثر من قناة رسميّة في الإعلام العربيّ السّوريّ ، وفي محاضرات في المراكز الثّقافيّة ومقالات كثيرة أيضاً منشورة في ( الوكالة العربيّة للأخبار والحدث اليوم ومعهد طهران للدّراسات والأبحاث الدّوليّة ) وغيرها ، ولعلّ أهمّ ما يلفت النّظر في الإعلام العربيّ السّوريّ بعده عن الشّفافيّة والجرأة والسّرعة في نقل الخبر والبعد عن التّحليل العميق للأحداث وعدم اعتماد الرّأي والرّأي الآخر وغير ذلك كثير ممّا أشرت إليه في الدّراسة ، والأهم من ذلك اعتماده في الخطاب الإعلاميّ لوزارة الإعلام ، وإنّ الوزراة تستقي بعض أخبارها من إعلام العدوّ وضمناً من ذلك الكيان الصّهيونيّ ، وتذكر أخبارها نقلاً عنه ، وهي تسوّق لأفكار غربيّة عبر مختلف وسائل الإعلام السّوريّة ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً ، وهذا له دلالاته وأدلّته الكثيرة ، وهنا أودّ الإشارة في مثال _ رغم وجود غيره _ إلى تاريخ ١٣/٩/٢٠١٦م ، عندما تمّ إسقاط طيّارتين صهيونيّتين فوق أرض القنيطرة ، لكنّ الإعلام السّوريّ لم ينقل الخبر تحليلاً ونقاشاً وكأنّه لا يعنيه ، وكان الإعلام الصّهيونيّ يحلّل ويدرس أبعاد ما حدث ، ولم تصحُ وزارة الإعلام ووسائلها لما حدث أبداً ، وكأنّ الأمر لا يعنيها إطلاقاً ، وقد نقلَتِ الخبر آنئذٍ على النّحو الآتي:
" نقلت وسائل الإعلام لدى العدوّ خبر إسقاط طيّارتين فوق القنيطرة ..... " واستطردت في الخبر ، ولم تذكر قنواتُنا الإعلاميّة الخبرَ على أنّه إنجاز مشرّف لأبطال الجيش العربيّ السّوريّ ورجال الدّفاع الجوّيّ لتقول أو بالأصح كان ينبغي عليها أن تقول :
أسقطت قوّات الدّفاع الجوّيّ السّوريّة ورجال جيشنا الباسل طيّارتين صهيونيّتين فوق ثرى أرض القنيطرة الصّامدة ... وقد نقلت وسائل الإعلام لدى العدوّ ..... وتتابع الخبر ، فكان إعلامنا يحتاج إلى إعلام كي يظهر الخبر ، ولنلاحظ أنّ وسائل الإعلام في سورية جعلت من وسائل إعلام العدوّ مصدر معلوماتها في نقلها الخبر ، فهل يُعقَل هذا ؟!.
وقد يدّعي أحدٌ أنّ الإعلام انتظر العدوّ ليعترف بما قام به رجال الجيش العربيّ السّوريّ ، وهو بذلك ينتقص من قدرات الجيش ، وكان بمقدوره نقل الخبر ، مؤكّداً اعتراف الصّهاينة بما نقله الإعلام عنه .
كما جاء في الإعلام السّوريّ وخصوصاً لدى وكالة سانا للأنباء التي ذكرت في أخبارها بتاريخ الأحد 18/11/ 2017م ، قولها تحت عنوان : " صواريخ أمريكيّة وإسرائيليّة بين مخلّفات الإرهابيين في بلدة اليادودة بريف درعا " وجاء فيه قولها : " درعا _ سانا : خلال استكمالها تمشيط القرى المحرّرة في ريف درعا من مخلّفات التّنظيمات الإرهابيّة عثرت الجهات المختصّة على كمّيّات من الأسلحة والذّخائر والصّواريخ الأمريكيّة والإسرائيليّة الصّنع في بلدة اليادودة والمزارع المحيطة بها " ، وتابعت الخبر ، فقالت :
" وعثرت الجهات المختصّة خلال الشّهر الجاري على كمّيّات كبيرة من الأسلحة والذّخائر ومعدّات طبّيّة معظمها أمريكيّ وبريطانيّ الصّنع وقنّاصات وصواريخ من نوع ( تاو ) أمريكيّة وقذائف مضادة وأجهزة اتّصالات وصواريخ محمولة على الكتف وصواريخ من نوع ( لاو ) وقذائف ( ار بي جي ) وسيّارات إسرائيليّة الصّنع وأجهزة وقاية من الأسلحة الكيمائيّة من مخلّفات الإرهابيّين في القرى المحرّرة بأرياف درعا ودمشق والقنيطرة " . ونقلت القنوات السّوريّة الخبر كما يلي :
" العثور على صواريخ أمريكيّة وإسرائيليّة الصّنع بين مخلّفات الإرهابيّين في اليادودة بريف درعا "، ونقلت الخبر قناة الإخباريّة السّوريّة وسما وسواهما من قنوات سوريّة خاصة أو عامة عبر الشّريط الإخباريّ .
ولو دقّقنا الخبر لرأينا نسبة الأسلحة إلى كلّ دولة إن كانت أمريكيّة أو بريطانيّة ، وهي منسوبة إلى دول
أي الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانية أي المملكة المتّحدة ، وجاء الحديث باستعمال مصطلح إسرائيليّة أي نسبتها إلى دولة إسرائيل .. ونقلت صحيفة ( الثّورة ) السّوريّة الخبر بتاريخ الإثنين 19/11/2017م في صفحتها الأولى كما ذكرته وكالة سانا بحرفيته .. وجاء في ( الإخباريّة السّوريّة ) يوم الإثنين بتاريخ 19/11/2017م قولها :
" مراسل الإخباريّة : الجهات المختصّة تقوم بإخراج أسلحة متنوّعة من بحيرة الحرّيّة بريف القنيطرة بينها ألغام وقذائف إسرائيليّة الصّنع رماها الإرهابيّون قبل اندحارهم من المنطقة " .
وأعتقد أنّ ذلك الاعتراف بدولة إسرائيل كان تمهيداً لمرحلة قادمة سوف تشهدها المنطقة في التّطبيع مع ذلك الكيان ، وبات الشّعب يقبل أيّ شيء يعيد له أمنه واستقراره ، وهذا ما أشرت له في ( الجزء الثّالث من بحثٍ بعنوان : " التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم ( اتّفاق السّلام ) بداياته ، أبعاده واستراتيجيّاته بتاريخ 16/12/2020م ) ، وقد سبق لي أن تطرّقت لموضوع المصطلحات السّياسيّة أيضاً وما فيها من أغلاط ربّما تكون متعمّدة أو غير متعمّدة في استعمالها ، ولماذا تَستعمل ذلك المصطلح وزارة الخارجيّة ووسائل الإعلام ووزارة التّربية في سورية ، ليأتي التّسويق له ؟ ولماذا تسوّق له ؟ ولماذا سوّقت وزارة التّربية مصطلح يهودية فلسطين ؟ فهل يمكن أن تكون تلك الوزارات قد قامت بما تمّت الإشارة إليه من دون قصد أو أنّ لها غاياتها ؟ ، وهل كلّ ذلك أغلاط غير مقصودة أو أنّ هناك أهدافاً لاستعمالها ؟ وما دلالاتها ؟!.
وإنّ وزارة التّربية أيضاً قد سوّقت لهذا المصطلح ولمصطلح الهجرة اليهوديّة في كتبها أو مناهجها ، وهو كثير ، ومن ذلك ما جاء في الصّفحة الثّانية والعشرين من كتاب التّاريخ الذي كان يُدرّس عام 2013 وما بعد قبل التّغيير الأخير :
" إسرائيل تقوم بدور حاملة طائرات ثابتة للدّفاع عن مصالح الغرب وأمريكا تحديداً " ، ونسبت القول لآرئيل شارون دون ذكر رئيس وزير الكيان الصّهيونيّ عام 2001م ، ودون أي تعليق .
كما أشارت للهجرات إلى فلسطين فذكرت أنّها هجرات يهوديّة أي عملت على التّرويج والتّسويق لمصطلح ( يهوديّة ) ، عندما كانت تتحدّث عن الهجرات دون أن تشير إلى أنّها صهيونيّة أو استعماريّة أو ما يماثلها من كلمات ومصطلحات عدوانيّة تعبّر عن الكيان الصّهيونيّ المغتصب للأراضي العربيّة ، وتجلّى ذلك في الصّفحات الخامسة والسّبعين والسّادسة والسّبعين والسّابعة والسبعين ، وكأنّها تسعى لتسويق فكرة الوطن اليهوديّ لهم في الصّفحة الثّامنة والسّبعين ، وأشارت في الصّفحة الواحدة والثّمانين إلى مشروع تقسيم فلسطين إلى دولة يهوديّة وعربيّة مع إقامة وحدة اقتصاديّة بينهما ، وفي موضع آخر أطلقت عليها منطقة يهوديّة ومنطقة عربيّة في الصّفحة ذاتها ، وهذا كلّه دون إيضاح معنى إقامة دولة يهوديّة لبيان خطورة ما قدّمه الكتاب من معلومات في أثناء البحث ضمن الدّروس عن فلسطين ، وغيره كثير .
وأشارت أيضاً وزارة الخارجيّة عبر تصريحاتٍ عديدة كانت تصدر منها ، أو بما جاء منها على لسان السّيّد وليد المعلّم وزير الخارجية السّابق لمصطلح إسرائيل بدلاً من الكيان الصّهيونيّ في لغة الخطاب الإعلاميّ والسّياسيّ في وزارة الخارجيّة ، وإنّنا نلاحظ مثالاً لذلك ما قاله الدّكتور فيصل مقداد يوم الأربعاء 21/11/2018 ، والذي جاء فيه حرفيّاً :
" إسرائيل هي الطّرف الوحيد الذي ينتهك هذا المؤتمر ، وتعزيز الأمن والسّلم الإقليميّ في المنطقة يتطلّب
العمل على جعلها خالية من أسلحة الدّمار الشّامل ، وهو أمر لن يتحقّق إذا لم تلتزم إسرائيل بالانضمام إلى اتّفاقية منع انتشار أسلحة الدّمار الشّامل " .
وكان ذلك الخبر قد نقله الإعلام السّوريّ عبر بثّ مباشر لقناة الإخباريّة السّوريّة ودراما وسواهما من لاهاي تحت عنوان ( عاجل ) ..
وجاء قول السّيّد وليد المعلّم وزير الخارجيّة السّوريّة السّابق بتاريخ 2/10/2018 فاستعمل كلمة إسرائيل أكثر من أربع مرّات في أثناء مؤتمر صحفيّ ، فقال :
" إنّ هدف العدوان الأخير على اللاذقية إطالة الأزمة ، كي تتمكّن إسرائيل من هضم انتصار الجيش العربيّ السّوريّ وحلفائه في تحرير أكثر من تسعين بالمئة من الأراضي السّوريّة " كما قال :
" إنّ إسرائيل اعتادت على العربدة في سماء المنطقة وسورية " .. وغير ذلك كثير من أمثلة ..
ولعلّ التّربية والأوقاف والثّقافة والإعلام هي أهمّ وزارات تُعنى ببناء الفكر والعقل المعرفيّ الثّقافيّ لأبناء سورية ، وإذا كان السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد قد أكّد عدم الاعتراف بالكيّان الصّهيوني على أنّه دولة اسمها اسرائيل ، فلماذا تمّ كلّ ما سبق إذا كان السّيّد الرّئيس قد قال :
" نحن لا نعترف أنّ هناك دولة اسمها اسرائيل حتّى يكون لها عاصمة " ؟!، وهذا يفتح مجالاً لأسئلة عديدة أخرى من يقف خلف أولئك الوزراء الذين أسهموا في التّرويج لمصطلحات بعيدة عن السّياسة السّوريّة ؟ وما غاياتهم وأهدافهم ومراميهم من كلّ ذلك ؟!.
ويأتي سؤالنا الآن _ تَبَعاً لما تمّت الإشارة إليه _ أين الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش ومتابعاتها للسّادة الوزراء ودورها في الوزارات عموماً ؟ ، وأين هي من كلّ ما سبق _ وهذا مجرّد إشارات وأمثلة _ ؟!، وأين القيادات السّياسيّة للأحزاب عموماً ، وهي المسؤولة عن الوزراء الذين يمثّلون توجّهاتها فيما سبقت الإشارة إليه إن كان في المناهج أو ما أُشير إليه في الثّقافة وسواها ؟ ، وهل يمثّل ذلك رؤيا خاصة بالسّادة الوزراء أو تعكس رؤيا الأحزاب التي يمثّلها أولئك الوزراء أو كانت تمثّل انقلاباً فكريّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً وبالتّالي سياسيّاً على فترات سابقة ؟! وكيف يتمّ انتقاء السّادة الوزراء ؟ ، وما المعايير المعتمدة في تشكيل الحكومة السّوريّة _ وهو ما سيكون مجال بحث قادم _ ونحن على أعتاب تغييرات في الحكومة الحاليّة ؟!، وكذلك أين دور الجهاز المركزيّ للرّقابة الماليّة في كشفهما عن الفساد والفاسدين ماليّاً ؟! ، ولماذا تبقى ملفّات قيد الأدراج لسنوات طوال دون تحقيق من قبل الهيئة المركزية للرّقابة والتّفتيش ؟! ، وهناك أمثلة كثيرة منها ما كان برقم ( 658 ) لعام 2020م وغيرها كثير كما أوضحت قبلاً في الجزء الثّالث من البحث الحالي .. وهل من علاقة ثلاثيّة بين مجلسي الشّعب والوزراء والهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش بما ذُكِرَ من أمثلة في البحث الحالي ؟!، وهذا ما يطرح أسئلة مهمّة بالتّالي عن سبب غياب المتابعة ؟ وهل سنشهد محاسبة ومساءلة ومحاكمة ومكاشفة جريئة عن أسباب وجود كلّ ما تمّت الإشارة إليه وانتشاره إن كان في التّربية أو الثّقافة أو السّياحة أو الهيئة أو غيرها ؟!، والمساءلة ليست انتقاماً من أحد ولكنّ من خرّب سورية إرهاباً لا يختلف عن مخرّب فكر أبنائها وتربيته وثقافته واقتصادها السّياحيّ أو الصّناعيّ أو التّجاريّ ، وكما تمّ الخلاص من الإرهاب يأمل الشّعب من السّيّد الرّئيس _ حفظه الله _ محاسبة الفاسدين والخلاص منهم ، وهم أشدّ فتكاً بالشّعب العربيّ السّوريّ من الإرهابيين ، ومن حقّ الشّعب أن يعيش باستقرار وأمن وأمان _ وهذا ما كان السّيّد الرّئيس يؤكّد عليه دوماً _ بعيداً عن الإرهاب والفساد كونهما وجهين لعملة واحدة ، وغايتهما التقتيل والتّجويع والتّخريب ، وبعيداً عن شعارات الدّعوات للصّمود ، لأن الشّعب صمد ووقف إلى جانب وطنه وجيشه ولولا احتضان الشّعب الجيش العربيّ السّوريّ لما تحقّق النّصر على الإرهاب وهذا ما أكّده السّيّد الرّئيس أيضاً ، ولا يمكن الفصل بين الشّعب والجيش ، لأنّ جيشنا الباسل العظيم من هذا الشّعب ومن أبنائه المدافعين عن الحياض السّوريّة والذّود عنها وعن حماها ، ومن هنا لا يحقّ لأحدٍ أن يزاود على الشّعب وطنيّةً وانتماءً ، وتَبَعاً لذلك فإنّنا نتساءل أيضاً بلسان حال السّوريين :
ما أثر الشّكاوى التي تقدّمها وزارة الخارجيّة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة إلى مجلس الأمن أو الأمم المتّحدّة عن العدوان والاعتداء على أراضي الجمهوريّة إن كان ثلاثيّاً أو أمريكيّاً لدعم المجموعات الإرهابيّة أو الصّهيونيّة ؟ وما نقاط التّلاقي مع الشّكاوى التي يتقدّم بها أبناء سورية المواطنون للجهات المعنية ضدّ الفاسدين في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة بمختلف مواقعهم في أراضي الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ؟ ، فهل تلقى تلك الشّكاوى آذانا صاغية في الحالتين ؟!..
وإذا استطاعت الدّولة عموماً في ممارساتها أن تعمل وفق مبدأ النّزاهة والشّفافيّة والجرأة وتمكين الشّعب من الاطّلاع على ما يجري في مختلف مفاصل الدّولة ، إن كان في البرلمان أو الحكومة عبر الإعلام ليغدو الإعلام مصدر ثقة المواطنين ممّا يخفّف من حالات الفساد ، فهل كان الإعلام العربيّ السّوريّ مصدر ثقة المواطنين ومتابعتهم للأحداث في سورية ؟!.
وكنت في الجزء الثّالث من البحث قد ذكرتُ في مطالبةٍ أن تكون الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش أو المنظومة الجديدة التي وضعت معايير إنشائها لمكافحة الفساد تابعة للمكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس لتُعنَى بمتابعة عمل الوزراء وأدائهم والمديريّات التّابعة لكلّ وزارة بناء على تقاريرَ ومعلوماتٍ ومعطياتٍ ، وتشكيل لجنة حاليّاً موثوقة من السّيّد الرّئيس للبحث في ملفّات الدّيوان وتطلب بعض الأضابير والقضايا بما له علاقة بالحكومة ورئاستها لكشف العلاقة الثّلاثيّة بين مجلسي الشّعب والوزراء والهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش في مُلابسات وحالات فساد ، وإذا بحثنا في ديوان الهيئة عبر الصّادر والوارد لها لربّما وجدنا ملفّاتٍ لم يُعمَل لها أو يتمّ فتحها حتّى تاريخه ، وقد تكون أكبر من قضية حجز أموال وسوى ذلك ، وقد تكون خلفها شخصيّات محدّدة أدّت لعدم فتحها ، وهذا ما ذكرتُه في الأجزاء عموماً عبر أمثلة مختلفة ، ومن هنا لا بدّمن تطوير عمل الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش .
وقد تكون الحكومة الالكترونيّة لاحقاً مخفّفةً من حالات الفساد وتحدّ منه ، ولابدّ من نشر الوعي لبناء الإنسان المدرك لممارسة دوره في الحدّ من انتشار ظاهرة الفساد والعمل على إبراز المفاهيم الخاصّة بالنّزاهة والإخلاص أو التَّفاني في العمل والحرص على المصلحة العامّة لا الخاصّة وتعزيز مفهوم العمل الجماعيّ بديلاً عن المفهوم الفرديّ ، وإنّ الفساد جذوره عميقة وستدوم مكافحته مادام هناك فساد ،كون ظاهرة الفساد متفشيّة بشكل مرعب ، وربّما خلقتها الماسونية أو الموساد والدّول العظمى أو جهات معيّنة ، فتمّ اختلاقها عن طريق شخص أو مجموعة أو جماعة لتواجه من خلالها كلّ دولة ، وللتتسع وتصبح نافذة رئيسة لمصادر الكسب أو الرّزق اللامشروع وتؤدّي لدمار الدّول وانهدام المثل والأخلاق والعلم والتّعليم في تلك الدّول ، وإنّي أرى أنّ الهيئة المركزيّة للرّقابة والتّفتيش أصبحت بأدائها هزيلةً وضعيفةً ، ولا بدّ من متابعتها ، ولعلَّ ما سبق يؤكِّد أنّ التّربية لها الدّور الأمثل في القضاء على ظاهرة الفساد وليس غيرها ، وهذا ما أشار إليه القائد الفذّ السّيّد الرّئيس بشّار الأسد في قوله :
" العقوبة ضرورية .. لكنَّ العقوبة هي حلٌّ مؤقَّت ولن يؤدّي للنَّتائج التي نتوخَّاها ، لسبب بسيط .. لأنَّ أغلب الحالات لا يوجد ضدّها دليل ، ولقد قمنا بتحويل العديد من الحالات والقضايا إلى القضاء وتابعناها .. لكن لم يثبت وجود فساد على الرَّغم من قناعة الكثيرين بأنَّ هناك فساداً ، إذاً هذه حالة المحاسبة لا تكفي وحدها على الرَّغم من ضرورتها ، وفي الوقت ذاته الفساد يطوِّر نفسه ، الفساد ذكيّ وعادة يطوّر نفسه بشكل أسرع من تطوّر آليَّات الدّولة .. " .
وانطلاقاً من قول سيادته مثّلتُ للجانب التّربويّ ، لأنّ فساد الثّقافة جاء من ثقافة الفساد ، وإن فسدت التّربية والقضاء فسد كلّ شيء ، وانطلاقاً من ذلك نتساءل : لماذا تتمّ مساءلة الباحث عن الفساد بدل مساءلة الفاسدين ؟! .
وإنّني على ثقة أنّ السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد سيعمل على محاسبة الفاسدين والمستغلّين والمُفسدِين في سورية ، وستتمّ عمليةُ المُكاشفَة والمُواجهَة والمساءَلة والمحاسبَة والمعاقَبَة لكلّ مَن عاث فساداً في سورية ، وهذا ما أشرتُ إليه في لقاء تلفزيونيّ في الفضائيّة السّوريّة بتاريخ 13/12/ 2015 م ضمن حلقة بعنوان : " التّربية تحارب الفساد " ، وكذلك في لقاء آخر بعنوان : " التّربية في مكافحة الفساد " في قناة أوغاريت بتاريخ 19/4/2019 م ، وفي مقال بعنوان : " ما الأسباب التي تحدّ من مكافحة الفساد في سورية " ، وهو منشور في الوكالة العربيّة للأخبار بتاريخ 23/ 11/ 2019م ، وهذا ما أكّده سيادة الرّئيس مراراً في معظم خطاباته وكان آخرها خطاب القسم قبل أيّام ، وكلّنا ثقةٌ وأملٌ بإعلان النّصر الموحَّد الذي سيعلنه السّيّد الرّئيس ضدّ الإرهاب والفساد تعميقاً لمفهوم المواطنة وحبّ الوطن والانتماء والولاء لسيادته ..
الباحث والمحلّل السّيّاسيّ :
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية
وعضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة .
التعليقات