كيف تبرع أخي من الكويت الدكتور لمسجد فدار في جبيل


قبل عامين، وفي مثل هذه الأيام كنت جالسا مع ابن عمتي صديق الطفولة، نتسامر حول شقاوة تلك الأيام التي تخلد بالذاكرة كنقش فرعوني لا يمحيه الزمن، كيف كنا نلعب في الجل، وحقول القمح، ونتسلق الأشجار، والاختباء خلف “الحفافي” ، هربا من طلبات الاهل والاجداد.
وفي سياق الحديث قال لي ابن عمتي، يا ناجي هناك طابق في “الحسينية” نعمل على إنهائه قبل حلول فصل الشتاء، إذا كنت تعرف أحدا قادرا على المساهمة ولو بمئتي دولار، “يا أخي مائة دولار بيمشي الحال” لأننا نعمل على جمع مبلغ، يكفي لشراء الأحجار كي نبني الجدران.
وابن عمتي غال على قلبي، فأمثالي يعيشون مع الذكريات الجميلة كأنها الحياة الواقعية التي يعيشونها كل يوم، فقلت له حاضر، ودون تفكير للحظة اتصلت بصديق من الكويت، كنت التقيته مرتين فقط، لكنه لم يرد.
فقال لي ابن عمتي هل تعرفه جيدا، قلت له صراحة لم ألتقه إلا مرتين، مرة عند صديق يهتم بطباعة الكتب، ومرة أخرى عندما دعاني إلى مصيفه وكانت جلسة طويلة الوقت وعميقة البحث حول نقاط كثيرة، ولكنه رجل مشبع بالثقافة، ممتلئ بالتواضع، جميل المعشر، مهذب اللسان، شديد الإيمان، لديه عينان كعيني الصقر يدلان على حكمته وخبرته في الحياة، وأمثاله لا يحتاجون لوقت طويل لفهم البشر.
وما كدنا ننتهي من الحديث حتى رن الهاتف، هلا أخي أبو ناجي ناجي، رددت التحية ودون مقدمات قلت له، أخي الكريم هناك مسجد بحاجة إلى دعمكم بما تيسر، فقال لي ابشر، غدا نتواصل إن شاء الله.
وفي اليوم الثاني، ما كاد الوقت أن يصل الظهر، حتى رن الهاتف وقال أخي لقد تأمن مبلغا، وكمْ كانت فرحتي كبيرة، حقا وصدقا شعرت أن الله قد بنى لي مسجدا في الجنة، مع أني لست إلا وسيطا، وما أن حان وقت المغرب اتصل مرة ثانية، وقال أخي نيتكم جيدة فالمبلغ ارتفع، ولا أخفيكم سرا بدا قلبي ينبض بسرعة، لا تتصورون جمال ولطف هذا الشعور، وأنا أستغرب كيف غالبية أصحاب الأموال لا يبحثون ليلا نهارا عن مثل هذه اللحظات، والتي هي شفاء للأرواح، وصلاح للعقول، وطاقة للقلب، وتقربا إلى الله، وأنا كنت أخبر ابن عمتي بكل لحظة عن كل تطور، وفي اليوم الثالث ارتفع المبلغ أيضا، فقلت بنفسي إن الله وفقني بتأمين هذا المبلغ لأنه لا يريدني أن اعود الى القرية، وانا خالي اليدين، وبعدها وصلت اخي الدكتور مع ابن عمتي، وهما تابعا الامور…
وعند الانتهاء من البناء بما هو قيمة المبلغ، الذي تبرع فيه أخي من الكويت، أرسل أهالي القرية فدار مشكورون لأخي الدكتور رسالة شكر.
أخي، أن ما اكتبه الآن وانشره، بعد عامين من جميلكم الذي لا بكافيكم عليه أحد إلا الله،
أولا: هو ليبق شاهد، على محبتكم وكرمكم، ومكانة دولة الكويت الشقيقة، التي هي انعكاس لطباعكم اللطيفة، وثقافتكم العامرة والبناءة المعطاءة، لإدامة الخير الذي يبدله الله لكم وللكويت بالخير.
وثانيا: لأشكركم على ما شعرت فيه روحي من فيض نوراني، حتى هذه اللحظة يشعرني بالسعادة والامتنان والاطمئنان أن الله راض عني.
شكرا أيها العبد الصالح.
أخوك أبا ناجي…