«تطورات أفغانستان.. سيطرة طالبان و عودة الحركات المتطرفة»


قيل الكثير عن الهجمات التي تعرّض لها برجيّ التجارة وموقع البنتاغون، في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بتاريخ ١١ أيلول/سبتمبر عام ٢٠٠١ م، وذهبت الآراء في كلّ الاتجاهات، ولكن الرأي الذي اعتمدته الولايات المتحدة هو أن تنظيم القاعدة يُعدّ المسؤول المباشر عن تلك الهجمات، وكانت النتيجة هي قيادة الولايات المتحدة لتحالفٍ نفّذ هجوماً عسكرياً عنيفاً على أفغانستان بعد شهر من تلك الهجمات، - ولنضع إشارة تعجب كبيرة بعد كلمة شهر-.

• لماذا كانت أفغانستان هي الهدف؟
مُعظم التقارير العالمية تُشير إلى أنّ الولايات المتحدة هي من أسّس تنظيم القاعدة في أفغانستان، بتنسيقٍ مع المخابرات الباكستانية، وبتمويلٍ سعودي، وذلك لمحاربة القوات السوفيتية التي دخلت إلى أفغانستان عام ١٩٧٩ م، لمساندة الحكومية الشيوعية التي كان يقودها محمد نجيب الله، وهذا دليل على أن الحرب الأهلية هناك هي حرب دولية بالوكالة، بين أقصى اليسار، ممثلاً بالشيوعيين المدعومين سوفييتياً وبشكل علني، وأقصى التطرف، مُمثلاً بتنظيم القاعدة المدعوم أميركيا ًبشكلٍ سرّي.

في عام ١٩٨٩ م، وبسبب الفشل السوفييتي بتحقيق أهداف تدخله، وبسبب العجز عن تمويل بقائه انسحب السوفييت من أفغانستان، وهذا الانسحاب ترك فراغاً مناسباً للأميركي لكي يتواجد في تلك الجغرافيا بصرف النظر عن قبول أو عدم قبول صنيعته ( تنظيم القاعدة )، خاصّة وأن كلّ التقارير كانت تؤشر لأحداثٍ كبيرةٍ سيتعرض لها الاتحاد السوفييتي، وما من شكٍّ أن باكورة ثمرات هذه الخطوة الأميركية، كانت المساعدة على انفصال دول آسيا الوسطى، ( تركمانستان - طاجيكستان - أوز باكستان .. ) عن الاتحاد السوفييتي.

الآن، أكملت القوات الأميركية انسحابها من أفغانستان، تاركة الساحة للفوضى، وهذا ما اعترف به رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال مارك ميلي، حيث قال: " لا نستبعد حصول فوضى كاملة، وبأسوء الحالات ستنهار الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني وتقع حرب أهلية".

إذاً الفوضى على الحدود الصينية، وعلى الحدود الإيرانية، هي الهدف الأميركي الأساسي في هذه المرحلة، ولذلك اختار الأميركي أن ينسحب بدون اتفاق مع حركة طالبان، لأن الاتفاق سيتبعه تفاهم بين مختلف الأفرقاء هناك، وبالتالي هدوء واستقرار، أمّا الإنسحاب بدون اتفاق ستتبعه الفوضى، ويتبعه الإقتتال ولسنوات طويلة.

• تأثير سيطرة طالبان على أمن أفغانستان
من المُلاحظ أن حركة طالبان تعمل على تغيير أهدافها وأسلوب عملها لتحقيق هذه الأهداف، فبينما كانت تعزل نفسها ببوتقة متشدّدة، ترفض الآخر بشكل مطلق، نراها الآن تنفتح وتتقبّل التعاون مع معظم دول الجوار، وقد يكون ذلك لكي تطرح نفسها بأن تكون عماد دولة إسلامية مقبولة لدى المجتمع الدولي، وهذا ما يُسهّل حذفها من لائحة الإرهاب، والشيء الجديد والإيجابي هو تقربها من المحور الإيراني الصيني الروسي، وهذا دليل على أنها أصبحت تهتمّ بأمن المنطقة ككل، وتسعى للتعاون مع الجميع لتحقيق ذلك، وما من شكّ أن لديها من القوة البشرية والعسكرية ما يجعلها قادرة على ضبط الأمن على الحدود وفي الداخل الأفغاني، وقد يكون الهدف الأهم لطالبان هو أن تصل إلى السلطة بشكل رسمي، وهذا ما سيساعدها على فرض الأمن والقضاء على الجماعات المتطرفة الموجودة حالياً في أفغانستان، أو التي قد تتواجد لاحقاً، وبالتأكيد فإن انشقاق آلاف الجنود والضباط من الجيش الأفغاني، ومن جيوش بعض دول آسيا الوسطى، والتحاقهم بحركة طالبان، سيكون ورقة قوية بيدها في المفاوضات التي تجري الآن، وفي تعزيز قوتها العسكرية والأمنية.

• دور طهران في المفاوضات الأفغانية
إيران التي تراقب كل المنطقة بعيون لا تنام، نراها متيقظة تماماً لكل تطور فيها، وخاصة إذا كانت الولايات المتحدة هي طرف في هذا التطور، ولأنها تعلم جيداً الأهداف الأميركية المُضمرة من هذا الإنسحاب، سارعت كي تطرح نفسها وسيطاً للمفاوضات بين حركة طالبان وبين الحكومة الأفغانية، معتمدة على عدة عوامل، مثل احتفاظها بمسافة واحدة عن الطرفين، وهذا ما يجعلها تحظى بثقتيهما، وكذلك مرونتها، ونفسها الطويل في المفاوضات، ولعل العامل الأهم هو الدعم القوي الذي تتلقاه من الصين وروسيا وربما من باكستان، وقد تستطيع إيران ومن معها أن تُفكّك حلقات المشروع الآخر، لتكون المصالحة بين الحكومة الأفغانية وبين حركة طالبان.

• مستقبل الأزمة والتحديات الإقليمية
ما من شكّ أن العالم يتغير بسرعة كبيرة، ولذلك تضغط الدول الفاعلة ليكون هذا التغيير في صالحها، وبما أن الصين وإيران ومن ثم روسيا هي الدول الأقرب لأفغانستان، والأقدر على التعامل مع شرائح المجتمع الأفغاني، سيكون تأثيرهم أكبر ومن المرجح أن يأتي تضافر جهودهم بنتائج إيجابية لهم وللمنطقة بشكل عام.  

• إمكانية تدخّل القوى الكبرى في التطورات
تُعتبر أفغانستان نافذة مناسبة لأميركا وللغرب كي يعبثوا بحدود كل من الصين وإيران، ويتمنوا أن تبقى الجغرافيا الأفغانية ملتهبة وغير مستقرة، لأن ذلك يمثّل تربة صالحة لتواجدهم ولو بشكل غير مباشر. 

صحيح أن القوات الأميركية خرجت من أفغانستان، ولكن بالتأكيد سيبقى النفوذ الأميركي حاضراً، من خلال النفوذ الأمني والاستخباراتي والمالي، وستسعى أميركا لزرع قواعد تركية هناك لتكون ذرائع أطلسية إن اقتضى الأمر تدخلاً أطلسياً.
بالمقابل، سيسعى المحور الروسي،الصيني، والإيراني، إلى محاولة نزع كل فتائل التفجير، وسيعمل بكل قواه لتسوية الخلافات بين الأطراف الأفغانية، فإن نجح في ذلك فستتحرر أفغانستان من التأثير الأميركي والغربي وتكون دولة هادئة، بل ربما تكون الأقرب إلى محور إيران ومن معها، وإن لم ينجح سيتطلب ذلك جهداً عسكرياً كبيراً لكل الدول المتاخمة لأفغانستان، وذلك لحماية حدود تلك الدول، ومنع تثرب الفوضى إلى داخلها.