تونس والعراق وحلولهما لحالة الانسداد السياسي
تُثرينا تجربة تونس الديمقراطية ، منذُ تصحيح مسارها بمجئ الرئيس قيس سعيد ، بأقتراع مباشر من الشعب ، عام ٢٠١٩ ، بافكار ، تصلُحُ أنْ تكون معايير أو أُسُس لمعالجة ما أبُتليتْ به شعوبنا و دولنا ، جرّاء أنظمة سياسيّة أنتّجت ” ديمقراطيات صوّرية ” ، وليس حقيقية ، كانت سبباً في تفشي الفساد وسلب ونهب اموال الدولة وعائداتها وثرواتها الطبيعية .
أمتلكَ الرئيس التونسي الجُرأة و الشجاعة في
البدء بعملية اصلاح حقيقي للنظام السياسي ولم يكتفِ بمعالجة تداعيات الديمقراطية الصورّية ،حيث باشر في مشروع الاستشارة الوطنية من اجل تعديل الدستور ،ليسمح بتطبيق نظام رئاسي وليس برلماني ،تكون لرئيس الجمهورية ،المُنتخب مباشرةً من الشعب ، صلاحيات اساسية وليس رمزية ، تمكنّه من ادارة الدولة والحفاظ على مؤوسساتها و ثرواتها .
موضوع الاصلاح الذي ينشدهُ و يقودهُ الرئيس قيس سعيد هو الدولة وليس السلطة او الانتخابات ، و ترّجمَ مشروعه بخطوات عملية ،محسوبة زمنياً و بأجراءات و مراسيم جمهورية . لمْ يتهاون الرئيس سعيّد ولم يهادن اعضاء مجلس النواب المعترضين على اجراءاته ، و وصفهم بالمتآمرين على وحدة الدولة وأمن الشعب بمجرد اجتماعهم خلافاً للقرار الذي اتخذه بتجميد عمل مجلس النواب ،فأتخذَ قراراً ،بتاريخ ٢٠٢٢/٣/٣٠ ، وبموجب المادة ٧٢ من الدستور ، بحل المجلس النيابي ، و احالة اعضاء المجلس النيابي الذين خالفوا قرار تجميد عضويتهم الى المحاكم الجزائية ، بتهم التآمر على أمن الدولة والتحريض على الفتنة و الاقتتال الداخلي .
شرعية قرارات الرئيس سعيّد تستندُ الى مصدريّن : المصدر الاول هو تفسير واسع للنصوص الدستورية وخاصة المادة ٨٠ والمادة ٧٢ ، من الدستور ، والمصدر الثاني هو حقيقة تمثيل الرئيس سعيّد لارادة الشعب ، كونه مُنتخب بالاقتراع الحر المباشر من قبل الشعب ، وبفوز تجاوز السبعين بالمائة من اصوات الناخبين . المادة ٧٢ من الدستور والتي استندَ عليها قرار الرئيس سعيّد في حل المجلس النيابي تنصُّ على ما يلي ” رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ، و رمز وحدتها ، يضمن استقلالها و استمراريتها ، ويسهر على احترام الدستور ” . المادة ٧٢ لا تنصُ على صلاحية للرئيس بحل المجلس النيابي ، لا بل المادة ٨٠ من الدستور تنصُّ صراحة على انَّ ” رئيس الجمهورية ليس له الحق حل المجلس النيابي خلال الفترة الاستثنائية التي يمّرُ بها البلاد …” . ولكن الرئيس سعيّد ، كما ذكرت اعلاه ، استندَ ، على ما يبدوا ، في قراره حل المجلس النيابي على تفسير واسع للمادة ٨٠ من الدستور ، و على شرعيته الدستورية بأعتباره مُنتخباً وبشكل مباشر من الشعب .
في مقاربة مع النظام السياسي النيابي او البرلماني في العراق ،والذي هو الاخر انتّج ديمقراطية صوريّة ، نجدُ
الدستور الاتحادي العراقي ، وفي المادة ٦٧ ، جعلَ مِنْ رئيس الجمهورية ” رمزاً لوحدة العراق و ممثلاً لسيادته ، و راعياً لضمان الالتزام بدستوره ، ومحافظاً على استقلاله و سيادته ، و سلامة ارضيه ” ، ولكن دون منحه الصلاحيات الدستورية اللازمة لاتخاذ مايلزم عند تعرّض سيادة و وحدة البلاد الى الاعتداء او الخطر ، او عند عدم الالتزام بالنصوص والقواعد الدستورية . ويشهد العراق اليوم حالة انسداد سياسي ،بسبب عدم توافق الاحزاب و الكتل السياسية ،حالة ادت الى عدم الالتزام بالمدد الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية ،اي حالة خرق دستوري . بمعنى آخر ، كان بأستطاعة رئيس الجمهورية اتخاذ قرار او ( على الاقل ) اصدار بيان يدعوا الاحزاب و الكتل السياسية ممُثلّة بنوابها الالتزام بالقواعد الدستورية . ايضاً ،كان من الممكن ان يُعلِمْ رئيس الجمهورية المحكمة الاتحادية بوجود خرق دستوري وهو عدم الالتزام بالمدد الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية ، مستنداً في طلبهِ ، على ما فرض عليه الدستور من مسؤولية ” رعاية ضمان الالتزام بالدستور ” ، ويضع المحكمة امام مسؤوليتها التفسيرية والقضائية لنصوص الدستور وتطبيقاته .
اعتقدُ هذه المناسبة ( مناسبة عدم احترام المدد الدستورية ) فرصة للمحكمة الاتحادية لتفسير عبارة ” رعاية ضمان الالتزام بالدستور ” ، والتي تضعُ على كاهل
رئيس الجمهورية مسؤولية ،تقتضي منه اتخاذ أجراء.
التعليقات