إعادة البناء الوطني دستوريا واقتصاديا هي التحدّي


بعد الخراب الذي حلّ بالبلد وأطبق عليه، لم يعد من خيار سوى العمل على بلورة وبناء جبهة وطنية متّحدة عابرة للطوائف والمناطق، تقوم بإطلاق مسار جديد في الحياة الوطنية اقتصاديا وسياسيا، وتنتشله من دورة النزيف، لتقيم سدّا قويا قادرا على الحؤول دون الاختراقات المعادية للنسيج الوطني.
الاختراق هو نفسه، سواء كان بواسطة شبكات الصيد الأميركية الغربية المكشوفة أم بتوريات الخداع وبلف “الأناجزة”. فتجفيف المستنقع يحول دون تكاثر الطحالب السامّة، ونشوء البدائل الأصيلة والموثوقة والبرامج الواقعية المقنعة، هو الذي يقطع الطريق على أيّ تلاعب لتسميم الوعي، وتضليل الرأي العام أو جرفه في متاهات خراب وانخلاع، خلّف وصفات بائسة ومسمومة.
 
إن المطلوب بداية، هو إيجاد مؤسسة مستقرّة لقيادة العمل الوطني، تنبثق عنها صيغة قيادية تدير النضال اليومي، وتقرّر الخطط والمهام المطروحة على جدول الأعمال بتجاوز الأطر التنسيقية الثنائية والثلاثية واللقاءات الموسمية الى انتظام مستقر في العمل القيادي مركزيا ومناطقيا، وهو ما سوف يرتقي بالأداء الجبهوي، ويحقّق مردودا كبيرا ومهمّا في شتّى الميادين.
 
لا بدّ، في هذه الحال، من الدعوة العاجلة لمؤتمر يؤسّس الجبهة، وتنبثق عنه مؤسسات قيادية، تباشر العمل التخطيطي والتنفيذي، وتؤمّن الإدارة السياسية المتناغمة للصراع. وينبغي القول إن ما حقّقته صيغة الثنائي الوطني حركة أمل وحزب الله بالتناغم مع التيار الوطني الحرّ، عبر التفاهم بين التيار وحزب الله بالترابط مع الشراكة بين الحزب وحركة أمل، لم يعد كافيا للإيفاء بحاجات العمل الوطني في هذه المرحلة.
 
سيكون من الضارّ والمؤذي للعمل الوطني تبدّد الجهد، وانصراف كلّ المساعي بالمفرد في شتات الأزمات وصخب المواقف المتلاطمة والوصفات المتناقضة، وبعضها في تيه اغتراب وانخلاع بعيدا عن أي مبادرة جدية للإنقاذ الوطني قادرة على انتشال البلد من الهوة السحيقة، التي انزلق فيها، وهي حلزونية بلا منافذ ظاهرة، وتزداد عمقا وقتامة بوصفات المديونية الشيلوكية وغوايات التسهيل والتجميل الملغومة، التي أودت بكثير من البلدان الى الاختناق والموت.
 
إن إعادة البناء الوطني ليست ورشة سهلة سريعة، وهي سوف تقضي وقتا وجهودا جبارة، ويفترض لإنجازها حشد جميع الطاقات والجهود الوطنية الكامنة في الوطن والمهاجر، وتعبئتها من خلال أطر مرنة إداريا وماليا وقانونيا لتكوين أوعية وأطر استثمار وتوظيف، تلبّي الحاجات الوطنية بدلا من الالتفات المستمرّ والدائم الى استعطاء ديون من الخارج الساعي لإنشاب مخالبه في البنيان الوطني بكلّ المنافذ المتاحة.
 
غاية الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي نسف معادلات القوة، وتقويض المناعات بعد تجويف البلد وخنقه وتكبيله بالشروط والقيود المنافية والمعاكسة لأيّ نزوع استقلالي أو سيادي. وبالذات تبقى الغاية المركزية تجفيف البيئة المجتمعية الحيّة، التي انبثقت منها وفيها المقاومة، التي غيرت التوازنات الاستراتيجية ومعادلاتها، التي شهدت انقلابا نوعيا مستداما، واستعصت على الزحزحة والتوهين. وقد وجد الغرب ضالّته بعد الاختبارات المتلاحقة والاستنزاف المالي والاقتصادي.
 
التحدي الراهن، هو تنظيم الجهود والطاقات الوطنية، وحشدها في مسار استنهاض، يحرّك عملية إعادة البناء الوطني، ويطلق مسارها. وهذا يتطلّب ورشة دستورية وسياسية شاملة، ومشروعا متكاملا لإعادة البناء الوطني، يحدث التغييرات الاقتصادية والمالية المنشودة، ويدشّن مرحلة من التعافي الوطني الحقيقي.