الأنسداد السياسي


يكثر هذه الأيام أستخدام مصطلح "الأنسداد السياسي" ، خصوصًا بعد أعلان نتائج الأنتخابات البرلمانية الأخيرة والمصادقة عليها من المحكمة الأتحادية العليا.
أن مصطلح الأنسداد السياسي Political Occlusion  يعني بقاء النظام السياسي مغلقاً على مجموعة محددة من المكونات فقط ، فيرتبط الوصول الى ذلك النظام بالولاء للدوائر المحيطة بمجموعة السلطة وأصحاب القرار ، ويبقى مستقبل البلاد رهيناً بتوجهات هذه المجموعة التي تشكل جوهر النظام ، وسواء تغيرت تشكيلة المجموعة بمرور السنين ، أو توسع عددها ، أو أنخفض ، فأن وجودها يظل ثابتاً ، ولا يمكن تخطيها للوصول الى السلطة.
وفي العراق منذ عام 2003 وصلنا لهذه الحالة عدة مرات في صراع علني على مراكز القوة والنفوذ والسلطة بين الأحزاب الحاكمة ، ووصلت بعض الأحيان الى الصراع المسلح فيما بين المتنافسين على الحكم ، فالبعض كان ممتعض من كون الأحزاب الشيعية تحصل على تمثيل نسبي في البرلمان والحكومة بأغلبية واضحة ، لذلك كانت هذه الجهات تضع العراقيل أمام تشكيل الحكومات المتعاقبة ، ووضع شروط للمشاركة في الحكومة.
وكادت تصل العملية السياسية الى الفشل بعد احداث عام 2019 بعد التظاهرات التي عمت ارجاء العراق بما فيها العاصمة بغداد ، وأنقسمت الكتل السياسية فيما بينها بشكل حاد انتهاءاً بسقوط حكومة السيد عادل عبد المهدي وتكليف حكومة السيد الكاظمي بعد صراعات طويلة وحالات أنسداد سياسي امتدت لأشهر عديدة قبل أنبثاق الحكومة الحالية.
ولا أحد ينكر الدور الأقليمي والدولي الذي لعبته الولايات المتحدة وبعض دول الجوار في تصعيد الأزمة السياسية في العراق ، في تهديد واضح للعملية السياسية وصولاً الى مرحلة الأنسداد السياسي ، وحصلت حالات أنقسام حاد داخل الأحزاب الحاكمة وصلت بالبعض الى النزول مع المتظاهرين وتأييد مطالبهم مما عقد المشهد السياسي أكثر.
هذا المفهوم يقودنا الى مفهوم آخر هو "الأضمحلال السياسي" ، وهو الفرضية التي قدمها المفكر الأمريكي صامويل هنتنغتون في كتابه (النظام السياسي في مجتمعات متغيرة) ويفسر من خلالها أزمات النظام السياسي التي تكون نتيجة أنعدام التوازن بين البنية السياسية والتوجه نحو سياسات التحديث التي تريد الأنتقال بالمجتمع من نمط تقليدي الى نمط حديث.
يحاول هذا المفكر أن يقول أن مشاكل عدم الأستقرار السياسي تؤدي الى تقويض تدريجي لسلطة الحكومة ، وتصبح الحكومة ضعيفة وغير فاعلة وقد تفقد شرعيتها نتيجة كثرة الأحتجاجات والتظاهرات ، مما يؤدي الى بطء الأداء الحكومي ويرافقه بطء في تطور المؤسسات السياسية مما يزيد النقمة الشعبية على هذه الحكومة.
تعاني الكثير من البلدان النامية من مجتمعات مفتتة سياسياً ، ومؤسسات السلطة ضعيفة وجامدة ولامرونة فيها ، ولا تمارس حكماً وأنما سلطة.
وتحدث الفجوة السياسية عندما تواجه حركة المجتمع الديناميكية جمود النظام السياسي بحيث يعجز هذا النظام عن الأستجابة لمتطلبات الأجيال الصاعدة أو الجزء الأكبر من الجماهير وهنا يشعر هذا الجمهور بالاحتفاظ بالأحباط لعدم مشاركته بالحياة السياسية.
ملامح هذا الأضمحلال السياسي في العراق تتمثل بالحركات الأحتجاجية والمطلبية ، يقابلها واقع سيء وحكومة عاجزة وبرلمان محكوم بزعماء الكتل السياسية ، ويكون دور أعضاء البرلمان من خلال اللقاءات التلفزيونية أكثر من عملهم داخل البرلمان ، وطبقة سياسية مشتتة لا تجتمع الا على مصالحها وتقاسم المغانم بعيداً عن النظر الى تطلعات المجتمع ، لذلك نجد أن تغيير الحكومات المتعاقبة لا يغير من الواقع شيئاً ، وأنما مزيد من الفوضى والخراب ، ويوسع دوائر الفساد والفشل.
لذلك يمكن أن نقول أن النظام السياسي في العراق يعيش حالة اضمحلال ، ولكن ما يمنع أنهيار هذا النظام هو عدم وجود بديل لهذا النظام السياسي ، وكذلك رغبة أقليمية ودولية ببقاء هذا النظام السياسي الحالي رغم تناقضاته