لبنان المُحاصَرْ و”واجب التدخل الانساني” في القانون الدولي


نستفهمُ ، من خلال تناول وتفصيل الموضوع ،عن شرعية و قانونية مبادرة حزب الله في توفير الوقود و الدواء الى الشعب اللبناني ، وجلبها من ايران ، ألمستهدفة بالعقوبات الامريكية .
وهل تُعّدْ المبادرة وتطبيقها انتهاك او خرق للسيادة اللبنانية ،او تضع دولة لبنان عُرضة لعقوبات امريكية جديدة ؟
اكتبُ ، في البداية ، عن معنى و مفهوم ” واجب التدخل الانساني “، و المعروف في القانون الدولي الانساني ،او في قانون العلاقات الدولية بمفردة ” Le droit d’ engérence humanitaire“.
و من المفارقات بأنْ يكون لبنان ، قد شهِدَ اول تجربة في التاريخ في تطبيق ” حق او واجب التدخل الدولي الانساني ،عام ١٨٦٠ ،حين تعرّض سكان جبل لبنان و دمشق لفتنة بين المسحيين والمسلمين عموماً وبين الدروز والموارنة خصوصاً ، شعرَ الفرنسيون ،حينها بأنَّ القوات العثمانية تواطئت مع الدروز وساهمت في مجازر بحق المسيحيين ،فقرر نابليون الثالث ارسال قوات فرنسية لحماية المسيحيين . و وصفَ المؤرخون التدخل العسكري الفرنسي ، وبهدف حماية المدنيين ،هو اول تدخل عسكري بعنوان حفظ السلام ،واول تدخل انساني .
في الحرب التي شهدتها نيجيريا ، بسبب مطالبة اقليم بيافارا ، شرق البلاد ، بالانفصال و بالاستقلال عام ١٩٦٧- ١٩٧٠، حرب أدّت الى مقتل مليون مواطن، و مجاعة ، طالب المجتمع الدولي و الاعلام و طالبت منظمات حقوق الانسان دول العالم بالتدخل لانهاء حالة المجاعة و الاقتتال في نيجيريا ، وكان تدخل الدول تحت عنوان ” واجب التدخل الانساني ” ، وبهذا العنوان ايضاً ، وصِفَ تدخل الدول الاوربية في كردستان العراق عام ١٩٩١ ، من اجل حماية المدنيين .
جميع حالات التدخل الدولي الانساني المذكورة ، والتي اوردناها على سبيل المثال لا الحصرْ ، لمْ تكْ تخلوا من اهداف و حسابات سياسيّة ، او على اقل تقدير ،قادت او ادّت الى خلق مصالح سياسية و اجتماعية و علاقات بين الطرف المتدخل والدولة . وقد تكون صفة ” الام الحنون ” التي يطلقها اللبنانيون على فرنسا ،خير دليل على الاثار السياسية والاجتماعية و المعنوية لذلك التدخل الانساني البعيد .
اليوم ،يُعّرف ” واجب او حق التدخل الانساني ” ، في الفقه وفي القضاء الدولي بأنه ” الحق لفاعلين ( des acteurs )، بالتدخل في دولة ما ، دون شرط موافقتها و رضاها ، في حالة انتهاك صارخ لحقوق الانسان في تلك الدولة ” .
مفردة ” فاعلين ” وردت في التعريف بمعناها العام و الواسع ، وليس بمعنى الدولة فقط . قد تكون منظمة انسانية ،كمنظمة اطباء دون حدود ،او قد تكون الامم المتحدة ،او مجلس الامن ، او قد تكون منظمة او جهة وطنيّة،من داخل الدولة التي تعاني المجاعة او الحصار ،او الحرب الاهلية ، كما هو الحال اليوم في مبادرة حزب الله بجلب الوقود والمعونة وبالتعاون مع ايران . حالة الشعب اللبناني المُحاصر ، و ما يعانيه و ما يواجهه اجتماعياً و اقتصادياً و انسانياً ، تفرضُ على كل مُقتدرْ ( دولة او منظمة دولية او ايّة جهة اخرى داخلية ام خارجية ) واجب التدخل لمساعدة و انقاذ الشعب ، والحيلولة دون انهيار الدولة وتفكك المجتمع . مبادرة حزب الله هي اذاً تنفيذ لمبادئ و تطبيقات القانون الدولي الانساني ، المبادرة هي استجابة قانونية و اخلاقية و شرعية لواجب التدخل الانساني . 
انتهاك سيادة الدولة تعني اعتداء على مقوّم من مقومات الدولة ؛ جغرافية الدولة ،شعب الدولة ، سلطات الشعب او الدولة . منع اغاثة الشعب و حرمانه من تلقي العون والدعم لمتطلبات الحياة الاساسية اجراء و عمل ينتهك سيادة لبنان ،بأعتباره يقّوض مقوّم اساسي من مقومات الدولة ،الا وهو الشعب في عيشه و عمله و قدراته .
مبادرة حزب الله ،بأعتباره منظمة سياسية لبنانية ، تعزّز و لا تنتهك سيادة الدولة ، وتتوافق مع ” واجب التدخل الانساني ” ، وغايتها دعم الشعب وسّد احتياجاته الاساسية ، ولا يمكن للحكومة اللبنانية ،لا من الناحية العملية ، و لا من الناحية القانونية ، ان تمنع او تعارض تنفيذ المبادرة ، لا يمكن لاية جهة ان تمنع وصول مساعدة غذائية او طبيّة لشعب هو في خطر . 
عنوان المساعدات التي ستصل من ايران الى الشعب اللبناني هو حزب الله ، وليس الدولة اللبنانية ، ليست هي الطرف المشتري او المتعاقد ، لذا لا يمكن لامريكا او لايّ جهة داخلية او خارجية مساءلة الحكومة اللبنانية او فرض عقوبات بسبب وصول وقود و مواد طبيّة او غذائية من ايران الى لبنان.