مقاربة الصراع الروسي الأوكراني وفق المنظور الإسرائيلي.


لم يكن حياداً، بقدر ما كان مقاربة إستراتيجية، وتوظيف سياسي واستثمار لحالة الصراع الروسي الأوكراني، واستخلاص جديد للمعادلات على رقعة شطرنج الشرق الأوسط. هو ذا الموقف الإسرائيلي، الذي جاء ضمن معادلة لعب دور الوسيط، للاحتفاظ بأوراق سياسية تُجيز له المقايضة في ملفات متعددة، لا سيما الملف السوري، وكذا الاتفاق النووي الإيراني، خاصة أن إسرائيل تدرك بأن طبيعة الأزمة الروسية الأوكرانية، وسياق تطوراتها ونتائجها، ستؤسس في نهاية المطاف، لحالة من الضغط توظفها واشنطن، تُجاه شركاؤها الإقليميين والدوليين، بُغية وضع روسيا تحت سياسة الضغوط القصوى؛ كل ذلك في سياق ما تسميه واشنطن المواجهة المصيرية مع روسيا.

لا جدال في أن إسرائيل، اعتمدت مقاربة سياسية مستقلة، تُجاه الأحداث في أوكرانيا، وبما يضمن استمرار التعاون مع روسيا في سوريا، وكذا محاولة إقناع الولايات المتحدة بالرغبات الإسرائيلية، وكذا الهواجس الأمنية، المتعلقة باقتراب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران. كل ذلك، يُفهم إسرائيلياً، لجهة الخشية من تداعيات أزمة دولية قد تغيِّر من موازين القوى الدولية والإقليمية واتجاهها بما يتعارض مع مصالح إسرائيل، هذا من جهة، كما أنها من جهة أُخرى تضع إسرائيل في موقف يصعب فيه التوفيق بين حلفها مع الولايات المتحدة الأميركية، عمقها الحيوي وداعمها الاستراتيجي، وتفاهمها مع روسيا التي أصبحت تجاورها في سوريا، وتحتاجها في عدد من ملفات المنطقة وسواها.

في الثاني من آذار 2022، وفي جلسة لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، صوتت إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح إدانة العملية العسكرية الروسية، لكن لوحظ بأن إسرائيل خفضت مشاركتها في الجلسة المذكورة إلى مستوى نائب السفير، بُغية تخفيف وقع المشاركة، وقد تحفظت إسرائيل آنذاك، على أي تقديم أي مساعدة عسكرية لـ أوكرانيا، وفي الخامس من آذار الفائت، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، موسكو والتقى خلال ذلك، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكما اُعلن، فقد قدمت نفسها إسرائيل كوسيطاً بين طرفي الأزمة الأوكرانية، وضمناً بين موسكو والغرب.

ضمن ما سبق، بات واضحاً أن دوافع إسرائيل للعب دور الوسيط، تنطلق من معطيين، أحدهما التقديرات الإسرائيلية للمخاطر التي تواجهها في محيطها الإقليمي، وبذات التوقيت، فهي تحتاج لعلاقات منتظمة مع روسيا والولايات المتحدة وكذا الغرب، وفي توجهات أعمق، فإن إسرائيل تسعى لإبقاء العلاقة مع موسكو، ضمن أطر التعاون والتفاعل الإيجابي، بُغية تحقيق غايات إسرائيل في أمرين أثنين، يُمكن إيجازهما بالآتي:
أولاً- الاتفاق النووي الإيراني والذي بلغ مراحله النهائية، بحسب التقديرات الإسرائيلية، الأمر الذي تخشى بموجبه إسرائيل أن تصبح إيران دولة نووية، وبالتالي، فإن إسرائيل تدرك التأثير الروسي في هذا الشأن، فضلاً عن كونها عضواً دائماً في مجلس الأمن، ومعنية بضبط انتشار الأسلحة النووية، ولها تأثير على جُلّ أزمات المنطقة، والأهم لدى إسرائيل، أنه لدى روسيا علاقات طيبة مع إيران.
الثاني- الهواجس الإسرائيلية جراء التمدد الإيراني في سوريا، خاصة أن الأخيرة تُعد مسرحاً مشتركاً لقوى المقاومة لمواجهة إسرائيل. هو مسرح تتواجد به روسيا بقوة وفاعلية، ورغم ذلك، فقد استطاعت إسرائيل أن تطور آلية في التواصل الأمني مع روسيا، بما يمنع أي احتكاك أو مواجهة مع القوات الروسية، إذ لا تزال إسرائيل مستمرة في غاراتها على سوريا، وتضعها تحت عناوين حماية أمنها واستهداف شحنات الأسلحة لاسيما الصواريخ الدقيقة منها، التي ترسلها إيران إلى حزب الله، وكذلك مخازن أسلحة وطائرات مسيَّرة، والتي قد تكسر ميزان القوى مع إسرائيل في أية مواجهة قادمة.

ضمن ما سبق، فقد اعتمدت إسرائيل على روسيا كأحد أبرز الفاعلين والمؤثرين في الملف السوري، خاصة في جزئية الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، كما أن إسرائيل تتخذ من روسيا، قناة تواصل فاعلة مع الإيرانيين، من ذلك مثلًا، الاتفاق على إعادة تموضع الفصائل المدعومة إيرانياً، بحيث تكون بعيدة نسبيًّا عن الحدود مع الجولان وحدود إسرائيل، أو لخفض احتمالات المواجهة بين إسرائيل وإيران، خاصة أن البلدين انخرطا في حروب ظل لم تنته بعد، وحتى بين حزب الله وإسرائيل في لبنان وعموم المنطقة، خاصة أن أسباب الحرب قائمة على الدوام، فضلًا عن أدوار أُخرى على هذا الصعيد.

إن المقاربة التي تعتمدها إسرائيل حيال الأزمة الروسية الأوكرانية، تنطلق من محددات تُجيز لها الإفلات من أي التزام سياسي أو عسكري، سواء مع واشنطن أو موسكو، وبذات التوقيت، تُبقي قدرتها على القيام بدور الوساطة والوصول إلى كافة أطراف النزاع، حاضرة وفاعلة ومؤثرة، وقد استطاعت إسرائيل حتى اللحظة، تحقيق تلك المقاربة، لكن تبقى هناك هواجس إسرائيلية جمة، وتحديداً في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي يضع إسرائيل أمام واقع جديد، يتمثل في انتعاش قدرات إيران، واحتمال غلبة الدور الإيراني على الدور الروسي في المنطقة.

مُجملاً، تخشى إسرائيل من ردود الفعل الدولية، لجهة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتضع ذلك ضمن مخاوف التحول إلى نموذج في العلاقات الدولية، وهي التي لا تزال تعتمد سياسات عدائية تُجاه فلسطين ومحيطها الإقليمي، ورغم ذلك، تسعى إسرائيل وانطلاقاً من قراءات الحرب الروسية الأوكرانية، إلى الإبقاء على هامش مناورة، يسمح لها بعقد تفاهمات وإطلاق مبادرات، تُحقق لها المصالح، وتُجيز لها التكيف مع أي مستجدات ومنعكسات إقليمية ودولية، جراء استمرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.