ماذا بعد الإنسحاب من أفغانستان؟!!!
قرار الإدارة الأمريكية سحب قواتها من أفغانستان تزامنا مع الذكرى العشرين من أحداث أيلول سبتمر عام ٢٠٠١ ونهاية أطول حرب تشنها الإدارة الأمريكية خارج أراضيها وقرار حلف الناتو المطابق لهذا القرار ونهاية حرب رفعت شعار الحرب على الإرهاب .
ونتائج الحرب واضحة للعيان فبعد أن كانت الحركات المتطرفة متمركز في أفغانستان انتسرت بعد هذه الحرب والحرب على العراق وراحت تهدد دول العالم بأسرها فلا يخفى على الجميع أن القاعدة فرخت حركات أشد تطرفا مثل داعش وغيرها من الحركات التي هددت أمن دول واشاعت الخوف والرعب في نفوس المليارات وكانت من أبسط نتائجه الإسلام فوبيا ومعادات المسلمين والحروب الطائفية والمذهبية التي عصفت ببلدان العالم الإسلامي والعربي.
وانسحاب القوات الأمريكية والناتو من أفغانستان يعد نصرا لحركة طالبان وتهديدا لحكومة افغانستان وتهديدا للسلم المجتمعي لأن بوادر الاقتتال ما بين طالبان والحكومة بدا واضحا حيث قتل الكثير من المواطنين والقوات الأمنية نتيجة تلك المواجهات.
وعلى مايبدو أن انسحاب الأمريكان وحلف الناتو سيفتح الباب لتدخل أجنبي آخر ترفضه طالبان فتركيا التي اقترحت بأن تكون البديل عن القوات المنسحبة واقترحت حماية مطار كابول تبحث عن موطئ قدم لها وربما تريد أن تستثمر هذا الانسحاب بمساعدة قطر لوجود آخر لتركيا خارج أراضيها كما فعلت في العراق وسوريا وليبيا من قبل.
انسحاب الأمريكان في هذا الوقت له أسباب عدة هو حجم الخسائر المادية والبشرية للأمريكان في بلد ذو تضاريس صعبة ووعرة كان وما زال ملجأ للحركات المتطرفة المعروفة بصبرها وضراوتها في مقاتلة أي غزو.
وأعتقد ان هناك أسبابا أخرى لهذا التكتيك أول هذه الأسباب هو اقناع الرأي العام العالمي أن تواجد القوات الأمريكية واجب ومفيد لاستقرار الوضع في بلد حلت به أمربكا السبب الأهم هو أن أمريكا تتقصد ترك أفغانستان في هذا الوقت بالذات لإشاعة الفوضى في الحرب التي تقرع طبولها وهي على الابواب من أجل قطع طريق الحرير لأن أمريكا في ظل ديونها الخارجية والأزمات المركبة والمعقدة تشعر بالذعر من تنامي الاقتصاد الصيني الذي استطاع في سنوات قليلة السيطرة التامة على مناطق في اسيا وأفريقيا وحرب الموانئ معروفة للجميع والصين تسعى جاهدة لبسط نفوذها على قارة أوربا لسحب البساط من تحت أقدام أمريكا المثقلة بالديون والأزمات الداخلية والخارجية وهذا التخوف مشروع لأن قيمة الدولار الأمريكي هي ١٠٪ من قيمته الحقيقية َمع نجاح الهندسة العكسية التي برعت بها الصين سببت قلقا حقيقيا لامريكا مع النجاح الكبير الذي حققته الصين في مجالات صناعة السلاح ودخولها كمنافس حقيقي في جميع المجالات خاصة في مجال صناعة السيارات والمركبات والسيطرة التامة والمطلقة على الاتصالات بلا منازع والصناعات التكنلوجية والالكترونية مع تسارع النمو الاقتصادي في الصين وازدياد عدد العاطلين عن العمل في أمريكا.
إذن الإنسحاب يهدف لارباك الوضع في أفغانستان ويمهد الطريق لحرب أهلية على غرار الحروب التي وقعت في العراق ومازالت مستمرة في سوريا واليمن من أجل تعطيل أحياء طريق الحرير من جهة وحفظ ماء وجه أمريكا من جهة أخرى ومن المؤكد أن طالبان وكل الحركات المتطرفة من قاعدة وداعش والاخوان المسلمين سيعتبرون انسحاب أمربكا انتصارا لهم ما بعده من انتصار مما سيبعث الأمل فيهم من أجل توحدهم وعودتهم إلى الساحة الدولية بقوة ولا استبعد أن يكون الانسحاب وعودة طالبان تهديدا علنينا لكثير من الأقليات في أفغانستان وعلى رأسهم الشيعة الحلقة الأضعف وأكاد أجزم أن الوضع سيتدهور تدهورا خطيرا وستكون هناك مواجهات حقيقية مابين الحركات المتطرفة من جهة وإيران من جهة أخرى ولا استبعد أيضا أن تكون هناك مناوشات مع الصين دفاعا عن الايغور وتهديدات حقيقية لروسيا بذريعة نصرة المسلمين في روسيا.
وربما سنشهد عمليات انتحارية داخل إيران وأكاد أجزم أن نشاط داعش في بعض الدول سيكون جليا مثل العراق وسوريا وليبيا ومصر.
في ذات الوقت ستشهد أفغانستان عمليات نوعية ستجعل الأمريكان والناتو يتراجعون عن قرار الانسحاب الكلي فلا الجيش الأفغاني قادر على مواجهة المتطرفين ولا الحكومة الأفغانية تقوى على مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحدها.وستعود أفغانستان ملاذا آمنا لكثير من المجرمين المطلوبين للعدالة في بلدانهم وتعود لتصبح معسكرا لتخريج عتاة المجرمين المتطرفين سيهددون أمن العالم أجمع وخاصة العالم العربي والإسلامي وبالرغم من العلاقات الوثيقة مابين الأتراك وحزب الإخوان المسلمين وبقية الحركات المتطرفة المدعومة من تركيا غير أني اتوقع أن القوات التركية لن تصمد طويلا للبقاء في كابل وستلقى مصيرا محتوما بالهزيمة النكراء لأن أفغانستان عصية على كل محتل وما الاتحاد السوفيتي وأمريكا عنا ببعيد.
موضوع أفغانستان موضوع شائك ومعقد ولا أعتقد أن هناك حلا مثاليا لإنهاء الصراع في بلد أدمن الحروب ولن يرعبه أزيز الرصاص أو يخيفه صوت الانفجارات وربما ستعمل كثير القوى الخارجية والداخلية على تجزئة أفغانستان لأكثر من دولة فالدولة التي تزرع وتصنع وتصدر أخطر أنواع المخدرات محكومة من أكثر من مافيا وأكثر من جهاز استخباري والسيطرة عليه وإنهاء مشاكله بحاجة إلى معجزة إلهية ولا يختلف وضع أفغانستان كثيرا عن وضع العراق وسوريا واليمن فضعف حكومة المركز في العراق كان سببا في تعقيد المشهد السياسي وتفاقم الأزمات التي امست بلا حلول ناجعة تذكر وكلا البلدين تعرض لغزو من القوات الأمريكية وفي أوقات متقاربة كان نتيجتها مئات الآلاف من الشهداء وتحطيم البنى التحتية وتفكيك المجتمع وزرع بذرة الطائفية المقيتك والمحاصصة والفساد والدمار.
أما أوجه التشابه بين الملفات الأفغاني والسوري فلولا وجود الحزب الأوحد وتدخل روسيا حفاظا على مصالحها وضمان وجودها منفذ لها على البحر الابيض المتوسط والاستماتة في استمرار ضخ الغاز القطري لأوربا عن طريقها لأصبحت سوريا في خبر كان وكلنا يعلم مدى دعم تركيا للحركات المتطرفة المقاتلة في سوريا.
أما أوجه الشبه مابين أفغانستان واليمن فكلا البلدين تعودا على الحروب منذ عقود مضت وحجم التدخل في اليمن يوازي حجم التدخل في أفغانستان فالتحالف العربي المدعوم من أمريكا والكيان الصهيوني كان سببا مهما في عدم انهاء الحرب واستقرار الوضع في اليمن.
نحن ضد بقاء القوات المحتلة سواء في أفغانستان أو العراق أو اليمن أو سوريا او في ليبيا أو في فلسطين ولكن مستقبل المنطقة الممتدة من افغانستان مرورا بإيران والعراق وصولا إلى ليبيا على كف عفريت وسيكون أكثر تعقيدا إلا إذا تظافرت الجهود من أجل تحجيم الحركات المتطرفة في أفغانستان وتبادل المعلومات الأمنية بين دول المنطقة حول تحركات هذه المجاميع المتطرفة وأخذ زمام المبادرة للإطاحة بهم من أجل القضاء عليهم وتنشيف مصادر تمويل تلك المجاميع وتشجيع الخطاب الديني المعتدل والدعوة لنبذ العنف والتقارب ما بين المذاهب وتوعية الجيل الجديد على مخاطر الانضمام لكل الحركات المتطرفة التي شوهت صورة الإسلام الحنيف وقطع كل طرق امام تجار المخدرات فمعظم هذه الجماعات تمول نفسها من اموال بيع المخدرات.
الكاتب المحلل السياسي.
التعليقات