روسيا وإيران.. تحالفٌ تحكمه الضرورات الإستراتيجية.
يبدو واضحاً أنه لا يُمكن النظر إلى التحالف الروسي الإيراني، إلا من خلال منطق المصالح الذي يحكم هذا التحالف، وفق محددات ترتكز على جُزئيتي الحد من تأثير النفوذ الأمريكي إقليمياً ودولياً، ومواجهة الضغوط الغربية على كل منهما؛ لكن في المقابل، ووفقاً للمتغيرات التي تفرضها جُملة الوقائع الإقليمية والدولية، فإنه من الأهمية بمكان، أن تتبدل الأولويات التي تحكمها الضرورات الاستراتيجية، وضمن هذا وذاك، فإن جوهر العلاقة الروسية الإيرانية، تُحكمه العديد من المعطيات في المستويين الإقليمي والدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار، قدرة واشنطن والغرب عموماً، على التأثير عميقاً في أسس التفاهمات الروسية الإيرانية، بما يؤسس عملياً لمرحلة تغليب المصالح على جيواستراتيجية العلاقات.
التغيرات المتنامية في الشرق الأوسط، أسهمت إلى حد كبير، في تعزيز التقارب الروسي الإيراني، لكن بعض المصالح المتضاربة، تُشكل عائقاً في تحويل العلاقة بينهما، إلى استراتيجية غير ظرفية، لا تحكمها المتغيرات الإقليمية والدولية، ولعل الاتفاق النووي، والمفاوضات في فيينا، هي مساحات للتقارب بين موسكو وطهران، إذ يقترب الطرفان من بعضهما، ويكونان على نفس الجانب من المفاوضات، بشأن العودة إلى الاتفاق النووي؛ في هذا الإطار، يبدو واضحاً تنسيق المواقف الروسية الإيرانية، بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، وكذا التعاون في عدة مجالات لتأطير النفوذ الأميركي، على امتداد الشرق الأوسط، فضلاً عن الحديث الدائم بشأن تعزيز العلاقات العسكرية – الدفاعية، التي من المتوقع أن تؤدي إلى صفقات أسلحة.
رغم المعطيات السابقة، وبصرف النظر عن التقارير التي تؤكد عمق العلاقات الروسية الإيرانية، وتشابك مصالحها في ساحات عديدة، إلا أن الملف السوري مثالاً، شهد تجاذبات كثيرة بين موسكو وطهران، الأمر الذي شكّل مثار جدال لدى المتابعين، في هذا الإطار، لا يُمكن إنكار السعي الروسي للحد من الوجود الإيراني في سوريا؛ ولعل السعي الروسي لتحقيق هذا الهدف، إنما ينطلق من رغبة البحث عن حل سياسي للأزمة في سورية، خاصة أنه ثمة عوائق أمريكية إسرائيلية غربية، ترى في الوجود الإيراني في سوريا، مُعطلاً لأي حل سياسي قادم، ومع ذلك واصلت روسيا وإيران تقوية علاقاتهما السياسية وتنسيقهما العسكري في سوريا، إلى جانب دعم موسكو لـ طهران في عدة مناسبات أممية، فقد عارضت روسيا في مجلس الأمن محاولة إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تفعيل آلية snapback، ومنع رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران.
وبالعودة إلى المسار الشائك الذي تُهندسه المفاوضات الجارية في فيينا، بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، يُلاحظ وبشكل جليّ، أن المواقف الروسية تعد الأقرب إلى مواقف إيران، من بين القوى الست المشاركة في المفاوضات، وعطفاً على ذلك، فقد أظهرت روسيا موقفاً ليناً تُجاه ما أسمته واشنطن "انتهاكات إيران المستمرة في مجال تخصيب اليورانيوم"، كما أن موسكو تعارض الموقف الأميركي بشأن الحد من قدرات إيران الصاروخية، واحتواء سياستها الإقليمية، بالتالي يعارضون المطلب الأميركي بإدراج هذه القضايا في المفاوضات.
ومن الجدير بالذكر، أنه ثمة جوانب عديدة، تدخل في إطار الضرورات الإستراتيجية بين الطرفين، كـ توقيع اتفاقية تعاون بين روسيا وإيران، حول موضوع الأمن في مجال المعلومات، الذي يهدف إلى التعاون التكنولوجي بينهما، لا سيما في مجال الأمن السيبراني، كما أنه وفي الأشهر القليلة الماضية، كان هناك تعاون روسي إيراني، خاصة في المجال البحري، منذ بداية عام 2021، فقد أفادت التقارير أن البحرية الروسية حمت السفن الإيرانية في البحر الأبيض المتوسط في طريقها إلى سوريا، وتقارير أُخرى أفادت بإنشاء آلية تنسيق روسية إيرانية سورية في البحر الأبيض المتوسط، من أجل ضمان إمدادات النفط من إيران إلى سوريا، التي اعتبرتها إسرائيل حينذاك رسالة موجهة إليها في ظل حرب البحار التي نشبت بينها وبين إيران.
وفيما يتعلق بالتعاون العسكري بين الطرفين، وبعد مرور ما يقارب التسعة اشهر، على رفع الحظر عن مبيعات الأسلحة الإيرانية، لم يعلن الطرفان الروسي والإيراني، عن صفقات جديدة بينهما، لكن عدم الإعلان لا يعني بالضرورة أن لا صفقات عُقدت بينهما، خاصة في ظل العقوبات الامريكية واسعة النطاق على إيران وروسيا، الامر الذي يدفع الطرفين إلى إخفاء مدى تقدم علاقاتهما العسكرية.
ضمن ما سبق، ثمة عوامل يُمكن رصدها، لجهة تقوية واستمرار العلاقة بين الطرفين، يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً- في ما يتعلق بالاتفاق النووي، فإن أي سيناريو متوقع جراء المفاوضات في فيينا، سيُبقي علاقة إيران مع الغرب، في إطار التوتر السياسي، نتيجة لذلك، فإن إيران لن تكون قادرة على التخلي عن شراكتها مع روسيا، بل على العكس، فإن طهران تُهندس اتفاقية استراتيجية مع موسكو، على غرار الاتفاقية التي وُقعت بين طهران وبكين.
ثانياً- في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، فإن هذا الأمر سيؤدي حُكماً، إلى عودة إيران إلى سوق النفط العالمي، وهنا بكل تأكيد، فإن روسيا ستلعب دوراً محورياً في تنظيم الأسعار من خلال "أوبك +". لذلك، ستكون هناك حاجة متزايدة إلى تنسيق تعاونهما في مجال الطاقة.
ثالثًا- المستجد الابرز في أسيا الوسطى، تمثل في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الأمر الذي يشي بتوثيق العلاقة أكثر بين موسكو وطهران، بُغية نسج معادلة تمنع انتشار التهديدات الإرهابية، على حدود البلدين.
إجمالاً، روسيا وإيران تسعيان إلى تعزيز علاقاتهما، بالاعتماد على نفوذهما السياسي والعسكري، وضمناً الاقتصادي، لا سيما أن روسيا تُدرك، بأن التوصل لاتفاق نووي مع إيران، سيسمح للشركات الغربية باقتحام السوق الإيرانية، الامر الذي تحاول روسيا استباق التطورات في فيينا، والاستحواذ على أكبر قدر ممكن، من مقدرات السوق الإيرانية، ما يُعزز هذه الرؤية، أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، سيركز سياسته الخارجية على استراتيجية "النظر شرقاً"، مما يعني تعاوناً أوثق مع الصين وروسيا، وستواصل إدارته العمل وفق إطار وآليات التعاون القائمة مع الصين وروسيا.
التعليقات