الحرب على سوريا.. والمقاربة الروسية للواقع السوري.


في الآونة الأخيرة ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، تعالت أصوات السوريين مطالبين الحليف الروسي بوضع حد لتلك الاعتداءات، وبصرف النظر عن أحقية مطالب السوريين، لكن المقاربة الروسية للأحداث والتطورات في سوريا، تحددها جملة من العوامل الاستراتيجية، فضلا عن وضع التطورات الإقليمية والدولية، تحت المجهر الاستراتيجي لروسيا، وربط ذلك بالتطورات السورية، ومن ضمن ذلك، يمكننا القول بأن العلاقات الروسية الإسرائيلية لا يمكن النظر إليها من الزاوية السورية فقط، خاصة أن تلك العلاقة تدخل في أطر استراتيجية عميقة، وهذا تدركه الدولة السورية، فضلاً عن أن موسكو، تدرك بأن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، إنما يأتي في سياق الحرب على سوريا، وروسيا كحليف استراتيجي لسوريا، إنما تبحث عن تثبيت عوامل الاستقرار في سوريا والمنطقة، مع البحث عن كل سياسي يضع حدا للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، والأهم من ذلك، أن روسيا كقوة عظمى، لديها سياسات خاصة في سوريا، قد لا تروق لغالبية السوريين، لكن في العمق، فإن القيادة السياسية في سوريا، تنظر للدور الروسي كعامل استقرار مساعد للتوصل إلى حل سياسي واقتصادي ينهي الحرب على سوريا ويضع حدا لكافة التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوري.

في سياق ما سبق، وربطاً بالدور الروسي وأهميته في سوريا، فقد برزت مؤخرا تقارير تحدثت عن انسحاب القوات الروسية من سوريا وانتقالها إلى جبهة القتال فى أوكرانيا. وترافقت هذه التقارير مع ادعاء أن الإيرانيين بدأوا باستغلال الفراغ الذى تركته روسيا وتعميق وجودهم فى سوريا. فى هذه النقطة الزمنية، من الأصح أن نأخذ فى الحسبان الواقع المعقد فى سوريا، وحتى لو كان هناك دلائل على تحريك القوات الروسية وإرسال بعضها إلى أوكرانيا، فإن هذا لا يدل على تغيير استراتيجى فى الانتشار الروسى فى سوريا، وهو بالتأكيد ليس بداية لانسحابها من هناك. وهناك عدة تفسيرات لما يجرى.

حقيقة الأمر، إن الوجود الروسى فى سوريا هو فى الأساس محدود، ولا يتطلب موارد استثنائية من موسكو، حتى فى ضوء مراوحة الوضع فى أوكرانيا، خاصة أن أحد الخطوط الأساسية للاستراتيجية الروسية فى الساحات المختلفة فى العالم، يتمثل في استراتيجية أقصى حد من التأثير، مع أدنى حد من الاستثمار، وضمن ذلك فإن سوريا تعد نموذج كلاسيكي للإستراتيجية الروسية، وهذا يمكن ربطه مباشرة في سياق التطورات السورية، وتحديداً في جزئية استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، فالروس فهموا أنهم قادرون على استخدام حد أدنى من القوة العسكرية من أجل تحقيق أقصى حد من النتائج، لجهة تعزيز النفوذ الإقليمي، ومنع الأمريكيين من أن يكونوا اللاعب المركزي الوحيد فى المنطقة، ومع ذلك، تبقى سوريا بموقعها الاستراتيجي ومياها الدافئة، ملعباً استراتيجياً لروسيا، وتسعى الأخيرة بشكل دائم لتعزيز تعاونها وعلاقتها مع الدولة السورية.

ضمن إطار هذه المقاربة، فإن روسيا لا تحتاج إلى التواجد فى كل الأراضى السورية من أجل المحافظة على تأثيرها، لاسيما أن موسكو أعطت أولوية لمركزين استراتيجيين فى غرب سوريا، هما المرفأ البحرى فى طرطوس، والقاعدة الجوية فى حميميم، والواقعين عملياً تحت سيطرتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك وجود روسى فى مواقع فى شرق جنوب سوريا، حيث تعمل قوات الشرطة العسكرية الروسية ، على تهدئة المواجهات في جنوب سوريا، فضلا عن أنها عامل استقرار يمنع أي قوى أُخرى من التدخل في تلك المناطق، لا سيما واشنطن وتل أبيب.

بالنسبة إلى روسيا، بات واضحاً أن سوريا تشكل رصيداً عسكرياً ودبلوماسياً، ويعتبر الروس سوريا، قبل كل شىء، بوابة إلى شرقى البحر المتوسط وموطئ قدم لترسيخ مكانتها الإقليمية والدولية، وخلال الأعوام الأخيرة، فقد وطدت روسيا علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية مع دول، مثل مصر وليبيا ودول الخليج وإيران، وذلك انطلاقاً من المسرح السوري.

فى الساحة الدولية، وجود روسيا فى سوريا، وفى الأساس فى القواعد العسكرية الواقعة تحت سيطرتها، يسمح لها بتسليط الضوء على قوتها فى مواجهة الولايات المتحدة وتركيا، وفى الأساس فى مواجهة حلف الناتو، فالوجود الروسى فى البحر المتوسط له أهمية كبيرة، من أجل ردع أسطول الناتو المنتشر هناك، كما أنه عامل رادع يشكل تهديداً للناتو فى السياق الأوكرانى. بناءً على ذلك، فإن فرص تنازُل روسيا عن سوريا، وعن مكانتها في الجغرافية السورية، ونقلها إلى الإيرانيين، ضئيلة وغير معقولة، لأن الأصل في ذلك، أن جوهر الاستراتيجية الروسية يعتمد على تقوية العلاقات مع طهران ودمشق، وربطاً بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تزداد الحاجة الروسية أكثر فأكثر، إلى المحافظة على ساحة التأثير السورية فى المجال الشرق الأوسطى.