الدولار يرتفع .. والمواطن ينخفض!!


لعل أهم ما يؤرق المواطن العراقي يوميا متابعته لاسعار صرف الدولار الامريكي امام الدينار العراقي ، ليس لأن المواطن العادي يريد المضاربة في سوق العملات ولا يتداول بالدولار الامريكي كعملة في التعاملات اليومية ، ولكن لان هذا التغيير في سعر صرف الدولار امام الدينار العراقي له أنعكاس سلبي على حياة المواطن العادي ، فكل تغيير في سعر الصرف وخصوصا في الارتفاع معناها المزيد من الهموم وتحمل اعباء مالية أضافية من قبل المواطن الذي يكد ليلا ونهارا من أجل توفير لقمة العيش وتوفير الدواء ولعل المطلب الثاني أي الدواء أكثر الحاحا وأكثر أستهلاكا للمدخرات المالية للمواطن العراقي في ظل غياب الخدمات الصحية الحكومية وعدم توفير الادوية لمرضى الامراض المزمنة لذلك يضطر المواطن الى شراء الادوية من القطاع الخاص وهي في الغالب مكلفة وخصوصا ادوية الامراض المستعصية والامراض السرطانية.
هذا التدهور في الحياة المعيشية للمواطن يتحمله البرلمان العراقي والحكومة العراقية الذين اقروا سعر الصرف بهذا المستوى العالي دون دراسة الواقع الاجتماعي ومدى انعكاس هذا الارتفاع على الامن الاقتصادي للفرد العراقي ومدى تقبله لهذه الزيادة.
وعلى هذا الاساس بدأت معدلات الفقر في العراق تزداد شهريا وليس سنويا ، فبحسب بيانات وزارة التخطيط العراقية ارتفعت نسبة الفقر في العراق من 25 ‎%‎ في بداية عام 2021 الى مستوى 32 ‎%‎ في الشهر الخامس من نفس السنة ، وهذا مؤشر خطير ان هذه الاجراءات المالية الحكومية دفعت بشرائح جديدة من المجتمع الى خط الفقر لانها اعتمدت على لغة الارقام المجردة دون دراسة واقع المجتمع الفعلي ومدى قابلية الفرد العراقي على تحمل هذه السياسة المالية المتشددة.
ليس كل النظريات المالية يمكن تطبيقها في العراق ، ففي بلد مثل العراق يعتمد اقتصاده على عائدات النفط الخام بنسبة تتجاوز 90 ‎%‎ من الصعب عليه تقبل فكرة تحمل سياسة اصلاح مالي تبعاتها تقع على المواطن البسيط وطبقات الموظفين والمتقاعدين ، بينما يزداد اصحاب رؤوس الاموال من كبار الفاسدين ومن التحق بهم من التجار والمستثمرين ثراءا وزيادة في مدخولاتهم المالية نتيجة الارباح العالية التي يحصلون عليها بسبب احتكار قطاعات معينة لهم وعدم السماح بالمنافسة عليها وهي قطاعات مربحة جدا كونها تمثل الحاجات الاساسية للمواطن العراقي.
اصبح من الصعب اليوم معالجة هذا الوضع الاقتصادي المتردي ، واصبحت الورقة البيضاء التي قدمتها الحكومة لاصلاح الوضع الاقتصادي مجرد ورقة كتبت بخيال رجال لا يعيشون الواقع العراقي ولم ينفذ من هذه الورقة سوى رفع سعر صرف الدولار الامريكي امام الدينار العراقي وجباية الاموال من غير معالجة حقيقية لاسباب ضياع الاموال التي كان يمكن توضيفها بصورة موضوعية لتصبح مصدر للدخل القومي لكي ينعم المواطن بثروات بلده.
هذا الصعود في اسعار الدولار لم يستفد منه احد من ابناء الشعب ، وانما هو زيادة في ارباح الشركات والمصارف الاهلية المضاربة في مزاد البنك المركزي التي تحتكر هذا المزاد والارباح المتأتية منه مستفيدة من فرق الصرف بين السعر الرسمي وسعر السوق المحلي.