ما سبب ضعف احتمال نشوب صراع بين الصّين والولايات المتحدة بسبب تايوان؟


الرجوع إلى تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وتايوان يظهر عدّة أمور مهمة، منها قِدم الدعم العسكري للأخيرة، إذ إنّه ليس ظاهرة جديدة.
تناقلت وسائل الإعلام العالمية مؤخراً أخباراً عن تحذير السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين غانغ من احتمال نشوب "صراع عسكري" بين الصين وأميركا بشأن تايوان، الأمر الذي يدفعنا إلى البحث في مدى قابلية هذا الأمر للتحقق. 
يتضح من مراقبة التحرّكات الأميركية التدخل الأميركي الواضح في الشؤون الداخلية لجمهورية الصين الشعبية، عبر ما تقدمه من دعم متعدد الأشكال لتايوان ذات الطموح الانفصالي عن الوطن الأم (الصين)، من قبيل الدعم العسكري عبر تقديم أسلحة نوعية لها، والدعم السياسي في المنظمات الدولية تحت شعار القوانين والحقوق الدولية والإنسانية، بغرض الضغط على الصين لا أكثر ولا أقل.
والأدلّة على ذلك كثيرة، من بينها تقرير "وول ستريت جورنال" عن وجود مدربين أميركيين للقوات البرية والبحرية التايوانية ومستشارين عسكريين، وتزويد تايوان بـ66 مقاتلة "F-16"، إضافةً إلى الضغط والحرب النفسية عبر المناورات العسكرية البحرية المكلفة التي تجري في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، ومنها عبور المدمّرة وقاذفة الصواريخ الموجّهة "يو إس إس باري" في 14 أكتوبر/تشرين الأول مضيق تايوان، الأمر الذي اعتبرته الصين استفزازاً، كذلك ما نشرته وكالة الأنباء اليابانية "NHK"، التي تحدثت عن إجراء مناورات أميركية يابانية بالغواصات في بحر الصين الجنوبي بتاريخ 17/11/2021، وصولاً إلى التعهّدات الرسمية الأميركية بتقديم الدعم والمساندة لتايوان، والأدلة كثيرة، منها إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنّ الولايات المتحدة ملتزمة بدعم "قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها"، وغير ذلك من أشكال الدعم، الأمر الذي نعزوه إلى جملة من الأسباب، أهمها الخوف من المكانة الدولية للصين ذات الوزن السياسي، والعمل على الحد من تقدّمها الاقتصادي والتنموي البشري، وإثارة القلاقل العسكرية والأمنية للقوة العسكرية الصينية التي تشكّل مصدر قلق للأميركي.
وبغضِّ النظر عن الأسباب، إنّ الدعم الأميركي لتايوان، في حال استفحاله وتهديده السيادة والأمن القومي الصينيين، من المحتمل أن تنجم عنه عدّة احتمالات، وإن كنت أستبعدها كلياً، ولكنَّها تبقى واردة. على أيّ حال، جاء هذا المقال ليناقش أحد احتمالاتها، وهو نشوب صراع عسكري بين أميركا والصين بشأن تايوان.

هذه الاحتمالات هي:

أولاً: احتمال تدهور العلاقات الصينيّة الأميركيّة بسبب تايوان، إذ توجد الآن مناوشات إعلاميّة وسياسيّة، ولكن لا توجد مؤشرات على ذلك. على العكس، لقد زاد التبادل التجاري بين البلدين، وارتفع في الربع الأول من العام 2021 بنسبة 73.1%، أي 165.72 مليار دولار أميركي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020، نقلاً عن إحصائية لوكالة "سبوتنيك" الروسية.
ثانياً: احتمال اتخاذ تايوان سبباً لتشكيل تحالف دول كبرى ضد الصين. هذا الاحتمال ممكن، ولكن له مغباته، لأنَّ الصين ترأس أيضاً حلفاً عالمياً (اقتصادياً وعسكرياً) ظهرت ملامحه مع اللقاء الأخير بين الصين وروسيا، علماً أن إيران وكوريا الشمالية وأهم دول أميركا اللاتينية تابعة لهذا الحلف. 
 ثالثاً: احتمال استقلال تايوان لتصبح قاعدة متقدمة للأميركيين ضد الصين. هذا الأمر يمثّل تهديداً للأمن القومي الأميركي، ولا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة به فعلياً.
رابعاً: احتمال توجيه ضربة صينية عسكرية إلى تايوان التي يبلغ عدد جيشها 300 ألف فقط، ويتوقف اقتصادها على العلاقة مع الصين، التي تعد شريكاً استثمارياً وتجارياً تقليدياً بالنسبة إليها. وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، استثمرت الشركات التايوانية نحو 60 مليار دولار في الصين. 
أما الاحتمال الخامس، وهو موضع حديثنا، فيتمثل باحتمال اندلاع حرب عسكرية بين الطرفين، وهو احتمال يحتاج إلى دراسة مفصلة على الشكل الآتي. يعتبر الجانب العسكري الجزء الأكثر أهمية في سياق العودة إلى تاريخ العلاقة التي جمعت أميركا بتايوان. ولعل أهم الأمور الفارقة في هذا السياق ما يُسمى "البيانات الثلاثة والضمانات الست".
 أولاً: البيانات الثلاثة (1972-1979)، بيان شنغهاي وبيان التطبيع وبيان 17 آب/ أغسطس، والتي تم التعهد بموجبها جميعاً بإلغاء العلاقات الرسمية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين، وإخراج القوات الأميركية من تايوان، وإنهاء بيع الأسلحة لتايوان تدريجياً، ولكن مع عدم وجود جدول زمني للقيام بذلك. 
ثانياً: الضمانات الستّ: أعطت إدارة ريغان الجمهورية في 14 تموز/يوليو 1982 تأكيدات محددة لتايوان بأن الولايات المتحدة لن تقبل بمطالبة الصين بالسيادة على الجزيرة ضمن ما يسمى وثيقة "الضمانات الست" التي لم تحدد بموجبها موعداً لنهاية الدعم العسكري لتايوان، والذي يعود إلى تاريخ الحرب الأهلية بين القوميين والشيوعيين، إذ كانت الولايات المتحدة الأميركية تدعم حكومة شيانغ كاي شيك.
وقد استمرّ تقديم الدعم العسكري، رغم اعتراف الولايات المتحدة في البيان المشترك بحكومة جمهورية الصين الشعبية على أنّها الحكومة الشرعية الوحيدة، وأنّ هناك صيناً واحدة، وأنَّ تايوان جزء منها. وليست مناداة أميركا بسياسة صين واحدة إلا لغرض التسهيلات الدبلوماسية خارجياً لا أكثر.
أما التصعيد السياسي والعسكري الذي نشهده اليوم بخصوص تايوان، فهو قديم، وليس مستجداً. على سبيل التذكير، سُئل بوش الابن في العام 2001: "إذا تعرضت تايوان لهجوم صيني، فهل علينا (الولايات المتحدة) الالتزام بالدفاع عن التايوانيين؟"، فأجاب: "نعم، علينا ذلك، ويجب أن يفهم الصينيون ذلك. ستفعل الولايات المتحدة كل ما بوسعها لمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها".
وفي العام 2010، استمرّ ضغط جمهورية الصين الشعبية، وبدا من غير المرجح تزويد تايوان بغواصات أو مقاتلات نفاثة متطورة. وقد أشارت تايوان إلى استعدادها لاستضافة رادارات الدفاع الصاروخي الوطني وربطها بالنظام الأميركي، لتعلن وزارة الخارجية الأميركية بعد ذلك خفض المبيعات التجارية للأسلحة، تجنباً للتداعيات السياسية مع جمهورية الصين الشعبية. 
وبعد توقيع الرئيس الأميركي باراك أوباما على قانون "إيتش أر" في العام 2013، واصلت أميركا بيع المعدات العسكرية الدفاعية المناسبة لتايوان، وفقاً لقانون العلاقات معها. وذُكر آنذاك أنّ مبيعات الأسلحة تخلق حالة من الاستقرار في المنطقة تخدم مصالح أميركا، من دون تحديد ماهية هذا الاستقرار، وصولاً إلى قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وقع قانون مبادرة الحماية الدولية لحلفاء تايوان في 26 مارس/آذار 2020، بهدف توسيع نطاق العلاقات الأميركية مع الأخيرة، بما فيها العلاقات الأمنية والعسكرية، بحسب مطالب الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين في مكالمتها مع ترامب في العام 2016.
إن الرجوع إلى تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وتايوان يظهر عدّة أمور مهمة، منها قِدم الدعم العسكري للأخيرة، إذ إنّه ليس ظاهرة جديدة، كما تصوره وسائل الإعلام وتضخمه، والمحاولات الأميركية لتحقيق انفصال تايوان عن الصين قديمة، سواء عبر زرع قيمها الليبرالية أو التحريض السياسي أو التعامل بازدواجية المعايير، وهي حين تعلن الالتزام بمبدأ "الصين الواحدة"، تتصرف عملياً وفق مبدأ تايوان "الصين واحدة"، وهناك فرق، كما كان هناك دائماً استياء صيني من دعم أميركا العسكري لتايوان، ولكن لم يحدث أيّ صدام عسكري طيلة هذه السنوات بسبب الأخيرة.
في النتيجة، أجزم أنّ حقيقة الوضع بين الصين وأميركا بخصوص تايوان كشفه وأوضحه جورج بوش الأب في 2001، بقوله: "على الرغم من امتلاكنا (الصين والولايات المتحدة) بعض المصالح المشتركة، يجب أن يفهم الصينيون أنَّ هناك بعض المجالات التي سنختلف فيها"، وعاد وزير الدفاع الأميركي في منتدى الدفاع الوطني في كاليفورنيا، ليكشف الأمور على حقيقتها، بأنَّ ما يشاهده العالم اليوم ليس صراعاً، بل "إدارة صراع"، إذ قال: "الاختلافات الحقيقيّة قائمة على صعيدَي المصالح والقيَم" بين واشنطن والصين، وأضاف: "لكنّ ما يهمّ هو الطريقة التي نُدير بها هذه المصالح والقيَم".
إذاً، إنَّ أي تصعيد سياسي أو عسكري أو إعلامي هو عمل مدروس ومتفق عليه - بناء على ما سبق – بدقة، بحيث لا يقود إلى صدام حقيقي بين الطرفين، على عكس ما يصوره الإعلام من اقتراب صدام وشيك.