همسة


همسَتْ إليه مرتجفة:
ما أقصر الليل عند الوداع!
وسنوات العمر الخمسون ونيّف تختزلها نظرة دامعة الى عينيك…
غداً ستتركني، ولن تترك أمة جدك..
هل يمكنني أن أتشبث بالنجوم كي أمنع ستار الليل من الرحيل؟
فالفجر سهام تصطاد فؤادي بعناية
من يعطيني الشمس؟ فأخبئها تحت خماري كي لا تشرق!
أخشى أن تحترق الشمس بنار ضلوعي..
أخي.. يا بن أمي وثمال جدي وأبي وأخي؛ 
أحقاً تودعني؟!
يا سيدي ويقيني وهداي وديني
كيف سأمضي مع إبليس، وديني مقطّع الأوصال على الثرى؟
كيف سأرى قرآني فوق القنا؟
هل قُدَّ قلبي من الصخر؟
أم هو الصبر والعنفوان قَدْ قُدَّ من قلبي؟
يا حبيبي…تمهّل، 
ودع رأسي على صدرك..
أريد أن أسترق السمع الى نبضات قلبك للمرة الأخيرة، وادّخر لي القبلة الأخيرة حتى ظهيرة الغد…
دعني أشم عطر السماء في نحرك، ودَعْ لي بعض الأريج غداً.. أشمّه قبل الرحيل
كي أبقى أستنشقك مع الذكرى…
وتبقى شهيقاً في رئتي.. حين يخنقني دخان الخيام..
أمسِك بي جيداً 
فأنا أكاد أخرّ هدّاً،…وأي الجبال تثبت غداً؟!
أمرر بيديك على متني، وربّت على كتفي بحنان..
فغداً تلوعني السياط..
ها هنا.. وها هنا..
يا نور عيني
دع عيني تتزود من نور وجهك..
فغداً ينطفئ القمر عند النهر،
وترتفع بعد الظهيرة شمسان…
تغرب واحدةٌ وراء الأفق.. وترحل الأخرى من بلد الى بلد…
طمئنّي يا أخي ويا فخري وعزتي..
أوَخدري؟؟
أوستري؟؟
وبناتك؟
إلتفتَ إليها باسماً دامعاً في ثنائية جدلية، ومسح دمعةً استقرت على خدها:
إطمئني، 
ولكن!
سامحيني..
لن أستطيع أن أمنع صفعةً على طُهر وجهك الأثير لدي..
وجهك الذي اعتدتُ أن أفتتح به يومي كآية قرآنية تظهر لي عند فتح المصحف صباحاً، وأتفاءل بها….
فغداً تُقطَع أغلى يدَيّ، ويُكسَر ظهري…
إعتني بمن يبقى من الأطفال…
وكوني لوائي الذي لا يُنَكّس.. حين يمزقون لوائي…
عَضّت على شفتيها بحسرة ودسّت رأسها في صدره الظامئ…. وأمطرته فراتاً.