ما الذي يحدث في إيران؟.. تساؤلات تحكمها تحديات جمّة


“التربص الاستراتيجي”، هو مصطلح أو مفهوم دأبت القيادة الإيرانية، على إتباعه مع ما يُحيط بها من تحديات، فضلاً عن مفاهيم الصبر الاستراتيجي، وتحويل عناوين الحصار، إلى فرص سياسية وعسكرية واقتصادية، فالمتابع للشأن الإيراني، يُدرك أهمية ما تقوم به القيادة الإيرانية، ليس في سبيل الداخل الإيراني فحسب، وإنما في سياق شرق أوسطي كامل، ومن الملاحظ أن القيادة الإيرانية، وعطفاً على محادثات فيينا، وقرب التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وفق ما يتناسب مع طهران، كل ذلك جعل غالبية القوى الإقليمية، والمناهضة للسياسة الإيرانية، على إتباع جُملة من الخطوات، بُغية منع التفاهم الإيراني مع المجتمع الدولي، وفي جانب أخر، محاولة تأخير كل مشاريع إيران الإستراتيجية، والمتعلقة بالبرنامج النووي، وكذا الصواريخ البالستية.
كل ذلك يُعد ومن وجهة النظر الإستراتيجية واضح المعالم، خاصة أن إيران تمكنت من التفوق على كل دول المنطقة، وهذا الأمر أربك جميع خصومها، لا سيما إسرائيل، والمُتعمق بالشأن الإيراني، وما يرتبط به من ملفات إقليمية، يعي أن الحوادث التي حصلت مؤخراً في إيران، لم تكن بريئة الأهداف والمضمون، ولم تكن دون بصمات خارجية، لكن لا يهم توجيه التهم إلى أي جهة إقليمية، بقدر ما يهمنا أن تتمكن إيران، من تخطي هذه العقبات، والخروج منها إلى فضاء نووي سلميّ، شأنها شأن باقي الدول المتقدمة.
نتفق على أن الأحداث الأخيرة في إيران، والتي تمثلت بـ ثلاثة تفجيرات، تعقبها ثلاثة حرائق ضخمة في اهداف استراتيجية إيرانية في اقل من أسبوع، لا يُمكن النظر إليها على أنها حوادث عادية، أو أنها تأتي في سياق خطأ روتيني، وفي وقت سابق، فإن ما حدث في مفاعل نطنز، أيضاً لا يُمكن أن يكون حدثاً عرضياً، وبالتالي، فإن كل هذه الأحداث مُجتمعة، تُشكل في المضمون استهدافاً واضحاً لبنية إيران، ورغبة المستهدفين لهذه المنشآت، بتأخير أي تقدم للبرنامج النووي الإيراني.
ما يؤكد وجهة نظرنا السابقة، ما ورد من تقارير نقلتها غالبية الصحف الإقليمية والدولية، وبينت تلك التقارير، أنه ثمة مؤشرات حقيقية وواقعية، تجعل من واشنطن تقف موقفاً حازماً تُجاه الاستفزازات الموجهة ضد إيران، وبطبيعة الحال، فإن الأمريكي يُدرك بشكل أو بأخر، بأن إسرائيل هي من تقف خلف تلك الاستفزازات، بُغية دفع إيران للرد، وبالتالي نشوء حرب إقليمية، ستُجبر واشنطن على التدخل، ما يعني في العمق، حرب شرق أوسطية واسعة، وغير مضمونة النتائج. وعطفاً على ذلك، فإن الأحدث الأخيرة، التي وقعت في طهران، والتي تمثلت بالآتي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن مُهندس الهجمات على إيران، يُريد جر إيران إلى الرد، ونشوب حرب إقليمية واسعة.
الأول: نشوب حريق ضخم في مصنع “زرند” للحديد والصلب في ولاية كرمان شاه الإيرانية الجنوبية اليوم الاحد، وسبق هذا الحريق انفجار كبير في المنطقة الواقعة في جنوب البلاد.
الثاني: اشتعال حريق في سفينة “خرج” الحربية الإيرانية، اثر انفجار وقع على متنها، مما أدى الى غرقها اثناء تواجدها في بحر عُمان.
الثالث: اشتعال حريق ضخم جدا في 18 خزانا من خزانات مصفاة طهران العملاقة يوم الأربعاء الماضي، وهو اليوم نفسه الذي وقع فيه حريق السفينة الإيرانية “خرج”، واستغرقت عملية اطفائه اكثر من يومين بسبب ضخامته.
القيادة الإيرانية من جانبها، لم توضح حقيقة الحوادث الأخيرة، فالبيان الرسمي الإيراني، تكلم باقتضاب عن الحوادث، ودون توضيح حقيقتها، أو حتى توجيه التهم لإسرائيل، واكتفى بعبارة “سيكون ردنا قريباً”، وعليه، فإن القيادة الإيرانية وعلى المستويين السياسي والعسكري، تعلم حقيقة هذه الحوادث، وتعلم أيضاً بأن هدفها الأول والأخير، أن تكون بمثابة رصاصة البداية، لحرب مع إسرائيل، لكن وعطفاً على مُصطلح “التربص الاستراتيجي”، الذي هندسته إيران، فإنه طهران لا تريد الانجرار لحرب حسب التوقيت الإسرائيلي، فهي بذلك تُقدم خدمة لـ بنيامين نتنياهو، والذي يعاني سياسياً، ويريد الخروج من المأزق داخل إسرائيل، مهما كان الثمن.
ما سبق يُعطينا إيجازاً واضحاً، لجهة أن إيران لن تقوم بالرد على تلك الحوادث والاستفزازات في الوقت الراهن، وربما ترتكز إيران في هذا المُعطى، على الحالة الحساسة والدقيقة التي تمر بها المنطقة أولاً، وكذا المسار السياسي في طهران والمُتمثل بالانتخابات الرئاسية فيها، وتالياً مفاوضات فيينا والتي قريباً ستُرى نتائج محادثاتها.
وضمن ذلك، وعطفاً على عدم الرد الإيراني، فإن التوقعات لجهة الانتخابات الرئاسية في إيران، تُشير صراحة إلى معطيات تشي بأن إبراهيم رئيسي هو المرشح الأبرز للفوز بالانتخابات الرئاسية في إيران، يعتبر رئيسي من اكثر المرشحين تشدداً، ولا نستبعد أن يتم عرقلة، أو تأجيل، أي اتفاق نووي لحين وصوله إلى قمة السلطة.
وهذا يعني بأن فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يشي صراحة بأن مرحلة “التربص الاستراتيجي”، ستنتهي، وستبدأ مرحلة جديدة عنوانها الثأر الإيراني المدروس بدقة استراتيجية متناهية، فماذا تفعل الإدارة الأمريكية لمنع كارثة شرق أوسطية؟، هو تساؤل ستجيب عنه المفاوضات في فيينا، وما بعدها.

المصدر: رأي اليوم