التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم

(الجزء الأوّل)


سأحاول تقسيم البحث لعدد من المقالات يتمّ تناوله من جوانب متعدّدة ، سواء في البدايات من وقف إطلاق النّار إبّان حرب تشرين التّحريريّة مروراً بمؤتمر مدريد عبر عرض تاريخيّ موجز وصولاً للأوضاع السّياسيّة الحاليّة التي تمرّ في  السّاحة الإقليميّة مع ظهور اتّفاقيّات سلام عربيّة متعدّدة بينها وبين الجانب الإسرائيليّ ، وأسعى من خلاله الإجابة على الأسئلة الآتية : 
هل آن الأوان لعقد اتّفاق السّلام بين سورية وإسرائيل ؟ وهل إسرائيل بالفعل تنوي السّلام الحقيقيّ ؟!، وما مفهوم السّلام الذي تقصده إسرائيل ؟ وما أبعاد ذلك الاتّفاق واستراتيجيّاته المستقبليّة سواء على السّاحتين السّوريّة والإسرائيليّة أم على المستوى العربيّ أو العالميّ عموماً ؟!.. 

قد يعتقد بعض المتابعين للشّأن السّوريّ والإسرائيليّ أنّ كلتا الدّولتين كانتا بعيدتين عن إبرام اتّفاق سلام يجمع بينهما ويعيد الحقوق العربيّة السّوريّة ، وبرأيي : 
فإنّ ذلك الاتّفاق لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها ، ولا بدّ من مرحلة قادمة تؤطّر لعقد اتّفاق يجمع بين سورية وإسرائيل ، وتلك المرحلة لا تظهر بصورة مفاجئةٍ ، فقد مرّت في مرحلة مخاض _ ربّما كانت طويلة ً _ ولكن لا بدّ منها ضمن سياق تاريخيّ وأحداثٍ تؤدّي لولادة طبيعيّة لذلك الاتّفاق ، وربّما آنَ الأوان لعقده في المدى المنظور قريباً .. ولكن قبل الشّروع في البحث عن آفاق ذلك الاتّفاق وأبعاده واستراتيجيّاته فإنّني سأخصّ المقال الحالي للبحث في ( البدايات لاتّفاق السّلام القادم ) ، الذي يمكن أن يتمّ بين كلٍّ من سورية وإسرائيل .. 
ومن يعود لقراءة بنود قرار وقف إطلاق النّار الصّادر من مجلس الأمن بتاريخ 22/10/1973 برقم :    ( 338 ) ، والذي يقضي بوقف إطلاق النّار على مختلف جبهات حرب تشرين التّحريريّة التي خاضها جيشنا العربيّ السّوريّ ضدّ الصّهاينة أو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح ( إسرائيل ) باعتراف وزارات سوريّة عديدة بها وقيامها بمجموعة إجراءات في سبيل ذلك _ وهذا ما سيكون مجال بحث في مقال لاحق ضمن السّلسلة _ فإنّه يجد أنّ ذلك القرار دعا أيضاً لتنفيذ قرار سابق ذي الرّقم ( 242 ) بجميع أجزائه ، وجاء في بنود القرار ( 338 ) ما يلي : 
" إنّ مجلس الأمن : 
1_ يدعو جميع الأطراف المشتركة في القتال الدّائر حاليّاً إلى وقف إطلاق النّار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكريّة فوراً في مدّة لا تتجاوز / 12 / ساعة من لحظة اتّخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلّها الآن . 
2_ _ يدعو جميع الأطراف المعنيّة إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النّار بتنفيذ قرار مجلس الأمن / 242 / ( 1967 ) بجميع أجزائه . 
3_ يقرّر أن تبدأ فور وقف إطلاق النّار وخلاله مفاوضات بين الأطراف المعنيّة تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشّرق الأوسط " . 
ودعا منذ ذلك التّاريخ لإقامة سلام عادل ودائم في الشّرق الأوسط ، وتمّ توقيع اتّفاق فكّ الاشتباك في أيّار عام 1974 م ، رغم أنّ وقف إطلاق النّار في الجبهة المصريّة تمّ بأمر من الرّئيس المصريّ آنذاك محمّد أنور السّادات دون إخبار أو إعلام القيادة السّوريّة أو العودة للتّشاور معها ،  وكانت اتّفاقية كامب ديفيد في عام 1978بين مصر وإسرائيل بصورة منفردة ، وقد وصفها وزير الخارجيّة المصريّ آنذاك محمّد إبراهيم كامل بأنّها ( مذبحة التّنازلات ) ، وكانت بداية الطّريق لعقد اتّفاقيّات منفردة بين العرب وإسرائيل .. 
وكانت سورية منذ أيّام القائد المؤسّس حافظ الأسد محافظةً على مبدأ اعتمدته ولم تتنازل عنه ، وهو مبدأ ( السّلام العادل والشّامل ) الذي يعيد الحقوق ويحافظ على الكرامة العربيّة ، وكان بروز محورين عربيين هما : محور المقاومة ومحور الاعتدال من نتائج تلك الحرب .  
وسأفرد الجزء الثّاني من السّلسلة الحالية للإشارة لمؤتمر مدريد المنعقد في عام 1991 برعاية روسيّة أمريكيّة لبيان أهدافه ومراميه واللقاءات المتعلّقة بالتّفاوض بين الجانبين السّوريّ والإسرائيليّ ، فكونوا معنا في عرض مختصر وصولاً للإشارة لما يمرّ في سورية من أزمة ، وما قامت به الوزارات السّوريّة اعترافاً بإسرائيل . 

المصدر: الوكالة العربية للأخبار