الحرب الأقتصادية الناعمة


الحروب التي شهدها العالم قبل عصر التكنولوجيا الحديثة كانت تندرج تحت مفهوم واحد هو الحرب التي تعتمد على قوة السلاح والجيوش ، ومدى قدرتها على سحق العدو المقابل ، فكلما زادت القوة والعدد زادت فرصة النصر في الحرب ، ومع تطور التكنولوجيا وأساليب الحياة تنوعت أساليب الحرب ، ولم تعد تعتمد الدول والقوى على الأمكانيات العسكرية وأنما أصبحت توظف وسائل أخرى في محاولة لأضعاف العدو دون تكبد خسائر بشرية أو مادية ، وأصبحت ما يسمى "الحرب الناعمة" مصطلح شائع بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكرين الغربي والشرقي من خلال أستخدام وسائل التكنولوجيا في الوصول الى المعسكر الآخر دون حرب معلنة أو مباشرة ودون أستخدام أية معدات عسكرية أو أسلحة.
ومن أشكال الحرب الناعمة والتي أصبحت تستخدم اليوم بكثرة هي الحرب الناعمة بأستخدام الأقتصاد كوسيلة فعالة لمحاربة العدو من خلال عقوبات مباشرة على الدولة المراد شن الحرب عليها ، أو من خلال أجراءات داخل البلد مثل شبكات التهريب أو الأحتكار أو أستخدام عملاء يقومون بتخريب الأقتصاد من الداخل من خلال تهريب العملة أو ضخ بضائع فاسدة في الأسواق وأغراق الأسواق ببضائع تهدم الأقتصاد والصناعة الوطنية.
ولان للحرب الأقتصادية أدوات عديدة تبرز اليوم أحد أكثر أدواتها حداثة ، حرب العملات هي حرب أقتصادية باردة يديرها اللاعبون الأقتصاديون الكبار ، حيث تقوم دولة (أو أتحاد دول لديه عملة موحدة) بأستخدام السياسة النقدية عبر التدخل في سوق الصرف وتبادل العملات لتقليص القوة التنافسية للدول الأخرى ، وجه آخر غير مباشر لهذه الحرب يتمثل في قيام المسؤولين بالتصريح عبر وسائل الأعلام عن سياسات ضد دولة ، أو التحذير من أوضاع مستقبلية قد تخفض قيمة العملة الدولة المستهدفة مما يؤثر على عملتها في الأسواق ، وهنا يحضر النموذج الصيني الأمريكي ، فأخطر الحروب الأقتصادية الناعمة الحالية والتي ستكون بحسب المراقبين سبباً في التحول من النظام الأقتصادي العالمي.
ظهر المصطلح للمرة الأولى عام 2008 في كتاب "حرب العملات" للباحث "سنوغ هونغ بينغ" الأمريكي من أصل صيني ، صدر الكتاب قبل الأزمة المالية ويتحدث فيه الكاتب عن المساعي الأمريكية ومن خلال حرب العملات الى ضرب التعاظم الأقتصادي للدول الصاعدة وتحديداً الصين.
يستمر هذا الصراع العالمي في الحرب الأقتصادية بين الدول ، حيث تبرز نماذج عديدة حالية لهذا الصراع ( بين أمريكا والأتحاد الأوربي ، أمريكا والصين ، أمريكا وروسيا ، أمريكا وأيران ،…..).
يبدو واضحاً أن القاسم المشترك الأمريكي هنا يمكن الرهان على أن الدول المنافسة لواشنطن في صراعها الأقتصادي باتت تشعر بعبء السياسة المالية الأمريكية وأضرارها على الأقتصاد العالمي ، حيث تقوم واشنطن بتصدير مشاكلها الأقتصادية لتتحملها بقية الدول ، لكن ولكي لا نبقى بعيدين عن الواقع ، فأن المشهد العالمي للصراع الحالي بين أمريكا والصين سيؤثر حتماً على الأقتصاد العالمي ، لأمتلاك هاتين الدولتين نحو (46 ‎%‎) من حجم التجارة العالمية ، وهنا تعيش مجتمعاتنا أمام حرب لا يمكن معها الا انتظار النتائج ، في ظل دول تحكمنا لا تمتلك أي وزن أقتصادي عالمي.

أسلوب مواجهة الحرب الناعمة الأقتصادية:

منذ أنهيار الخلافة العثمانية وقيام الكيانات العربية ومن ثم قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ، سادت في عالمنا العربي والأسلامي معادلة قامت على ثنائية متناقضة بين تفوق وهيمنة المشروع الغربي والصهيوني وبين الأخفاق وعدم القدرة على قيام مشروع مواجهة يستند الى مقومات ثقافية وذاتية لشعوب المنطقة ، هذه الثنائية كانت محكومة ببعدها الغربي والصهيوني الى أحد المرتكزات التي ساعدت على ضمان أستمرار هذا الخلل ، هذا المرتكز هو الحرب الناعمة التي تجلت بأبعاد شتى منها السياسي والأقتصادي والثقافي والديني.
وسنتناول هنا البعد الأقتصادي في هذه الحرب الناعمة وأساليب مواجهة هذه الحرب في عالمنا العربي والأسلامي.
أن الوجه المقابل للأنهيار السياسي والتفتت العربي يستتبعه وضع اليد على الموارد الطبيعية وتنظيم أقتصاد المنطقة وفق المنظور السياسي المهيمن ، وهي تمثل بعداً آخر من الحرب الناعمة الذي يتيح لأسرائيل تأكيد هيمنتها على العالم العربي والأسلامي دون الحاجة لمزيد من الحروب.
ويأتي كتاب شيمون بيريز "شرق أوسط جديد" ليكمل الفكر التسلطي من خلال أهمية التطبيع بأعتباره أحد الأساليب الناعمة وفتح الحدود بين أسرائيل والعرب ، مع تأكيد مسبق على أهمية المواصفات للسلع المتبادلة وضرورة الأخذ بنظر الأعتبار كلفة الأنتاج في الدول المعنية مع تهميش واضح للسلع الزراعية على حساب السلع الصناعية حيث التكنولوجيا الأسرائيلية متفوقة ، وعروض الشراء ستتوالى من كلفة دول المنطقة ، علماً أن المشروع الأقتصادي الأسرائيلي للشرق الأوسط ينطلق من عدة حلقات بالتوجه السياسي لكل حلقة.
مثلاً أن مبدأ التكامل الأقتصادي بين أسرائيل والفلسطينيين والأردنيين كحلقة أولية ضرورية لتكبر بعدها الحلقات بقدر ما تتطور عملية الأنفتاح السياسي والتطبيع الشعبي.
ولكن النظرة الأقتصادية السريعة الى هذه النواة الأولية تظهر تفوق أسرائيلي واضح صناعي وتجاري وحتى زراعي عن كل من الأردن وفلسطين ، علماً أن متوسط دخل الفرد في أسرائيل هو في حدود الستة عشر الف دولار ، بينما في الأردن يقع في حدود الاربعة آلاف دولار ، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة لا يتجاوز الألفي دولار.
أن الفروقات الكبيرة في معدلات الدخل ستزيد الخلل في التبادل السلعي بين البلدان الثلاثة ، وستبقى الأرجحية للسلع الاسرائيلية وسيلعب الأقتصاد الفلسطيني ومن ثم الأردني دور الوسيط في تصريف الأنتاح الأسرائيلي على باقي الدول العربية.
وتستكمل فكرة السوق بتوسيع شبكة الطرق التي تربط أسرائيل بجيرانها العرب وتركيا من خلال خط ساحلي يمر بأسرائيل - فلسطين - مصر ، وخط ثاني من أسرائيل - لبنان - سوريا فتركيا ، وثالث يربط أسرائيل بالأردن فالعراق.
هذه الأولوية للطرق التي تنطلق من أسرائيل تعطي الأفضلية على باقي الطرق التي لا تمر حكماً بأسرائيل ، وهذا يظهر بشكل جدي الأفضلية المعطاة للطرق السريعة التي ستمر بأسرائيل ، بينما غيرها يهمل أو يؤجل ، لنا مثال على ذلك في لبنان البلد المنهك من سنوات الحرب الطويلة التي مر بها ، إذ نرى حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى سارعت فور تشكيلها الى مواكبة عمليات المفاوضات برسم خطط لتوسيع الطريق الساحلي من الناقورة في الجنوب حتى الحدود السورية ، بينما أهملت الأوتستراد العربي الذي يربط بيروت دمشق بباقي الدول العربية.
أن توسيع البنى التحتية في الشرق الأوسط وربطها مباشرة بأسرائيل يمكن هذه الدولة من الوصول بالسرعة المطلوبة الى الأسواق الخليجية فتؤمن بالتنسيق مع أمريكا أشرافاً كلياً على المنابع النفطية وتصبح شريكاً فعلياً في رسم البرامج الأقتصادية الأستراتيجية لدول المنطقة ، كما تمكنها تقنيتها المتطورة والمتفوقة أضافة الى قدراتها العسكرية من تلبية طلبات أي فريق يطلب خدماتها الأقتصادية أو الدفاعية ، ولا ننسى لما لهذه الخدمات من تكلفة على المستوى السيادي والأقتصادي ، وعند تطبيق هذه المقولة يصبح التطبيع واقعاً لا هروب منه بين العرب والأسرائليين.
ومنظمة التجارة العالمية التي تسعى الى الأشراف الفعلي على الأقتصاد العالمي لن تفسح المجال لأقتصاديات الدول العربية أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه المنظمة طالما هي عاجزة عن تأمين المواصفات التقنية والأقتصادية والمالية للأنتساب اليها ، بينما السوق الشرق أوسطية المقترحة تبقى الحل الأمثل لبعض الدول العربية للدخول من خلالها الى الأقتصاد العالمي.
وهنا تطرح القدرة على المنافسة ضمن مواصفات الجودة والنوعية ، وأي من الدول العربية تستطيع تأمين هذه الشروط؟
وما المؤتمرات الدولية التي عقدت في نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة الا الترويج لفتح الحدود والأسواق أمام السلع الوافدة من الدول ذات القدرة التنافسية لتبقى الدول العربية دور الرافعة للأقتصاد العالمي ، أما من حيث تأمين الموارد الأولية لا سيما النفط ، أو تأمين أسواق لتصريف السلع الفائضة لدى الدول المصنعة ، وعندما يعم الأمن والأستقرار دول المنطقة ويأتي هذا الكم من المشاريع التي تدعو الى التعاون الأقليمي لا سيما بين العرب والاسرائليين بعد أن أقتنع الفرقاء بعدم قدرة الواحد على إلغاء الآخر بالحرب.
فتأتي الطروحات الأقتصادية الجديدة مشروعاً للهيمنة على المقدرات العربية الأستراتيجية وأدارتها من قبل قوى السوق الفاعلة وعلى رأسها الشركات الأمريكية والأسرائيلية ، فالتعاون الأقتصادي بين دول المنطقة  يعطي لأسرائيل مواقع لم تستطع تحقيقها في حروبها مع العرب ، إذ أنها تعتبر أن التعاون الأقتصادي يعزز أمكانية السلام مع جيرانها.
ونلاحظ أن التركيز من الجانب الأسرائيلي على العناصر التي يفتقدها أقتصاده وأمنه المستقبلي ، فنرى أن أسرائيل تركز خلال المحادثات المتعددة الأطراف على المياه ومشكلة النقص الذي تعاني منه كباقي دول المنطقة ، مع العلم أن الثروات المائية العربية في كل من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة تعرضت ولا زالت تتعرض للسرقة من جانب أسرائيل ، وهي تمد طموحاتها المائية الى النيل والفرات ، مع عروض تكنولوجية متطورة الى دول الخليج لتحلية مياه البحر.
أن الحديث عن قيام سوق شرق أوسطية تحتل فيه أسرائيل موقع القلب والعقل لن يكون ذا أختلاف عن طبيعة موازين القوى العسكرية والسياسية الراجحة الى الى أمد غير منظور لصالح أسرائيل في ظل التفتت والتشرذم العربي على كافة الصعد ، لا سيما الأقتصادية فلا يتوهم أحد أن السوق الشرق أوسطية ستكون ذات منفعة لكافة الأطراف المشاركة فيها ، فالطرف الأقوى "وهو أسرائيل" سيجير أمكانات المنطقة لصالحه وبذلك تحقق أسرائيل العظمى أقتصادياً بدلاً من أسرائيل الكبرى جغرافياً من خلال بعض المشاريع واهمها:
1- توسيع شبكات نقل النفط الى المتوسط من شبه الجزيرة العربية لتصب في موانيء حيفا وأشدود ، مما يعطل المشاريع القائمة في كل من بانياس في سوريا وفي طرابلس والزهراني في لبنان.
2- أقامة مناطق تجارية وصناعية حرة لتسويق المنتجات والتعريف بأهمية التعاون الأقليمي للوصول الى أنتاج مكثف وتحاشي الأمراض والأوبئة وقيام مؤسسات البحث والتعاون لتبادل المعلومات في مختلف الميادين لما فيه قيام التوازن الأجتماعي والأقتصادي بين مختلف البلدان في الشرق الأوسط.
3- أن الأنفتاح الأقتصادي بين دول المنطقة يستوجب قيام بنى تحتية تلبي أحتياجات المرحلة المقبلة ، وما يرتسم من خلالها من مشاريع ستعدل من وظيفة كل بلد وتدفعه الى التخصص في مجالات محددة تمكنه من المنافسة على السوق.

ويبقى السؤال ، هل يمكن لأسرائيل أن تقيم سلاماً مع العرب وهي المتفوقة أستراتيجياً من دون أن تحقق من خلاله مكاسب أقتصادية؟
أن الجواب المؤكد هو النفي ، فمما لا شك فيه أن التطبيع الأقتصادي مع أسرائيل هو صلب التطبيع السياسي الذي تريده إسرائيل.
فمن الثابت أن العرب سوف يواجهون تحديات أقتصادية جمة أقليمية ودولية ، ولن يستطيعوا الصمود في وجهها والتغلب عليها منفردين كل دولة على حدة ، فما هي سبل نجاح قيام سوق عربية مشتركة اليوم؟
أن القرار السياسي شرط ضروري لقيام أي تكتل أقتصادي يأخذ بعين الأعتبار التفاوت بين أقتصاديات الدول العربية ، أو بمعنى آخر تفاوت الأداء الأقتصادي بين هذه الدول ويحاول أن يجعل الهياكل الأقتصادية متكاملة وليست متنافسة للحد من الضغوط التي تمارس من قبل القوى الفاعلة والمهيمنة لعرقلة أنطلاق هذا السوق وأستمراره.

أستراتيجية مواجهة الحرب الأقتصادية الناعمة: 
في ظل المواقف الاسرائيلية ومساعيها للهيمنة على أقتصاديات الدول العربية ، أصبح من الضروري أعادة النظر في مجمل المواقف العربية من هذه الحرب الناعمة والتفتيش عن أسلحة للمواجهة مع أسرائيل وحربها الناعمة من خلال قراءة عربية جديدة للواقع الحالي لتأكيد الهوية العربية في هذا الصراع وتأكيد روح المقاومة من خلال:-
1- تحرير الموارد الطبيعية العربية من القوى الخارجية ، وبدل إشراك الغربية في أدارة هذه الموارد فيجب تشكيل الهيئة العربية العليا لأدارة وأستغلال هذه الموارد وتحريرها من الأرتهانات الخارجية والتي زادت حدتها حربي الخليج الأولى والثانية.
2- أحياء الحضارة العربية التي طمسها الغرب من خلال ثوراته الصناعية والثقافية والأقتصادية ، بينما العرب عاشوا تأثيرات هذا الغرب لغاية اليوم ، بالأستفادة من المردود المادي النفطي لأحياء هذه الحضارة وجعلها فاعلة في العالم.
3- أن أنفتاح الحدود أمام السلع مقدمة للعولمة تعني تقديم السلع التنافسية على باقي السلع المنتجة ، وما يستتبع ذلك من تأثيرات قوى السوق في مجال المال والأتصال ، ومن ثم العلاقات السياسية والفكرية ، فعندما يسمح النظام الجديد بحرية تنقل البضائع والسلع فهذا معناه أنتهاء الحدود وبالتالي انتهاء الفكر السياسي لدول العالم الثالث وأدخالها في النظام الأقتصادي العالمي حيث الأرجحية فيه للدول الصناعية ، وهنا نتسائل عن مصير أقتصاديات العالم العربي وسياساته في ظل مفهوم العولمة.
4- ليس المطلوب من العرب أن يقفوا ضد الأبتكارات الجديدة ، بل ما يتوخاه الجيل الجديد هو أن يكون للعرب أستقلالهم المالي والعلمي لكي يكون لهم أبتكاراتهم وبالتالي مواقفهم السياسية المتحررة من التأثيرات الخارجية لكي يحققوا في ظل الديمقراطية وقدرات سكانية وموارد أستراتيجية ما عجزوا عن تحقيقه في القرون السابقة.
5- التعامل بحرفية مع وسائل التواصل الأجتماعي التي تريد حرف الشباب العربي ودفعهم الى اليأس وإيصال فكرة أن التطبيع مع أسرائيل هي الفكرة الأفضل لكل مشاكل العرب ، فمن خلال هذه المواقع تبث الأفكار الجديدة بواسطة شبكات تديرها أسرائيل الغرض منها زعزعة الشباب العربي من ثقته بنفسه وجعله جيلاً كسولاً لا يحب العمل والأبداع.
6- أحد العناوين المستخدمة في الدعاية الغربية هو مصطلح (أقتصاد الرفاه) القصد منه الترويج لأحلام الرفاه ، فسنغافورة مثلاً وهي بلد صغير في آسيا يتسم أنه بلا تاريخ ولا ذاكرة قوية ولا تقاليد حضارية أو منظومات قيمية راسخة ، لذا يمكن تهميشها حتى يتحول الأنسان الى وحدة أقتصادية قادرة على الأنتاج والبيع والأستهلاك ، وتصبح البلد كلها مجموعة من المخلات والسوبر ماركت والفنادق والمصانع ، وينظر الناس الى أنفسهم لا كبشر وأنما كوحدات أنتاجية أستهلاكية ، وهذا النموذج الذي يراد تسويقه لمجتمعاتنا العربية.
7- أن الأصلاحات على المستوى الأقتصادي ينبغي لها تطوير النمو وزيادة في الأنتاجية ، ونمواً في الوضع المعيشي ، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا المجال أنه في ظل عولمة الأقتصاد لا مكان لأقتصاد غير تنافسي ، فالدول خصوصاً الصغيرة منها ليس لديها خيار كبير في أختيار النظام الأقتصادي ، بل عليها تتبع السياسات الكفيلة بتوفير أمكانات الكفاءة والرشاد ، في حين بقي الأقتصاد العربي التعاوني مجرد أتفاقيات تعقد وتبقى حبراً على ورق ، حيث عرفت المنطقة العربية عشرات الأتفاقيات خلال نصف القرن الماضي لأنعدام توافر نظم ديمقراطية كما في أوربا التي عرفت وحدتها وساعدها في ذلك قيم الديمقراطية المشتركة.
8- يجب الألتفات الى تعزيز البحث العلمي الجاد الموضوعي والملتزم بتوفير الأمكانات لتأسيس مراكز الدراسات المتخصصة في دراسة الواقع الأجتماعي والأنعطافات الحضارية الخاصة بالأمراض الأجتماعية  لقرننا المعاش بعيداً عن المنطلقات العاطفية والرغبات الآنية الناتجة عن سوء تخطيط ودراية.
9- أن نصغى الى تطلعات الجيل الجديد بما يعيد اليه الأمل بمستقبل ربما يمكنه من التغلب على الشعور بالفراغ والشعور بخلو المعنى ، وتعزيز قدرته على الشعور بأهمية القيم الواجبة والمستحبة والتمييز بينها وبين القيم الهجينة والمستهجنة.

ومنظمة التجارة العالمية التي تسعى الى الأشراف الفعلي على الأقتصاد العالمي لن تفسح المجال لأقتصاديات الدول العربية أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه المنظمة طالما هي عاجزة عن تأمين المواصفات التقنية والأقتصادية والمالية للأنتساب اليها ، بينما السوق الشرق أوسطية المقترحة تبقى الحل الأمثل لبعض الدول العربية للدخول من خلالها الى الأقتصاد العالمي.
وهنا تطرح القدرة على المنافسة ضمن مواصفات الجودة والنوعية ، وأي من الدول العربية تستطيع تأمين هذه الشروط؟
وما المؤتمرات الدولية التي عقدت في نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة الا الترويج لفتح الحدود والأسواق أمام السلع الوافدة من الدول ذات القدرة التنافسية لتبقى الدول العربية دور الرافعة للأقتصاد العالمي ، أما من حيث تأمين الموارد الأولية لا سيما النفط ، أو تأمين أسواق لتصريف السلع الفائضة لدى الدول المصنعة ، وعندما يعم الأمن والأستقرار دول المنطقة ويأتي هذا الكم من المشاريع التي تدعو الى التعاون الأقليمي لا سيما بين العرب والاسرائليين بعد أن أقتنع الفرقاء بعدم قدرة الواحد على إلغاء الآخر بالحرب.
فتأتي الطروحات الأقتصادية الجديدة مشروعاً للهيمنة على المقدرات العربية الأستراتيجية وأدارتها من قبل قوى السوق الفاعلة وعلى رأسها الشركات الأمريكية والأسرائيلية ، فالتعاون الأقتصادي بين دول المنطقة  يعطي لأسرائيل مواقع لم تستطع تحقيقها في حروبها مع العرب ، إذ أنها تعتبر أن التعاون الأقتصادي يعزز أمكانية السلام مع جيرانها.
ونلاحظ أن التركيز من الجانب الأسرائيلي على العناصر التي يفتقدها أقتصاده وأمنه المستقبلي ، فنرى أن أسرائيل تركز خلال المحادثات المتعددة الأطراف على المياه ومشكلة النقص الذي تعاني منه كباقي دول المنطقة ، مع العلم أن الثروات المائية العربية في كل من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة تعرضت ولا زالت تتعرض للسرقة من جانب أسرائيل ، وهي تمد طموحاتها المائية الى النيل والفرات ، مع عروض تكنولوجية متطورة الى دول الخليج لتحلية مياه البحر.
أن الحديث عن قيام سوق شرق أوسطية تحتل فيه أسرائيل موقع القلب والعقل لن يكون ذا أختلاف عن طبيعة موازين القوى العسكرية والسياسية الراجحة الى الى أمد غير منظور لصالح أسرائيل في ظل التفتت والتشرذم العربي على كافة الصعد ، لا سيما الأقتصادية فلا يتوهم أحد أن السوق الشرق أوسطية ستكون ذات منفعة لكافة الأطراف المشاركة فيها ، فالطرف الأقوى "وهو أسرائيل" سيجير أمكانات المنطقة لصالحه وبذلك تحقق أسرائيل العظمى أقتصادياً بدلاً من أسرائيل الكبرى جغرافياً من خلال بعض المشاريع واهمها:
1- توسيع شبكات نقل النفط الى المتوسط من شبه الجزيرة العربية لتصب في موانيء حيفا وأشدود ، مما يعطل المشاريع القائمة في كل من بانياس في سوريا وفي طرابلس والزهراني في لبنان.
2- أقامة مناطق تجارية وصناعية حرة لتسويق المنتجات والتعريف بأهمية التعاون الأقليمي للوصول الى أنتاج مكثف وتحاشي الأمراض والأوبئة وقيام مؤسسات البحث والتعاون لتبادل المعلومات في مختلف الميادين لما فيه قيام التوازن الأجتماعي والأقتصادي بين مختلف البلدان في الشرق الأوسط.
3- أن الأنفتاح الأقتصادي بين دول المنطقة يستوجب قيام بنى تحتية تلبي أحتياجات المرحلة المقبلة ، وما يرتسم من خلالها من مشاريع ستعدل من وظيفة كل بلد وتدفعه الى التخصص في مجالات محددة تمكنه من المنافسة على السوق.

ويبقى السؤال ، هل يمكن لأسرائيل أن تقيم سلاماً مع العرب وهي المتفوقة أستراتيجياً من دون أن تحقق من خلاله مكاسب أقتصادية؟
أن الجواب المؤكد هو النفي ، فمما لا شك فيه أن التطبيع الأقتصادي مع أسرائيل هو صلب التطبيع السياسي الذي تريده إسرائيل.
فمن الثابت أن العرب سوف يواجهون تحديات أقتصادية جمة أقليمية ودولية ، ولن يستطيعوا الصمود في وجهها والتغلب عليها منفردين كل دولة على حدة ، فما هي سبل نجاح قيام سوق عربية مشتركة اليوم؟
أن القرار السياسي شرط ضروري لقيام أي تكتل أقتصادي يأخذ بعين الأعتبار التفاوت بين أقتصاديات الدول العربية ، أو بمعنى آخر تفاوت الأداء الأقتصادي بين هذه الدول ويحاول أن يجعل الهياكل الأقتصادية متكاملة وليست متنافسة للحد من الضغوط التي تمارس من قبل القوى الفاعلة والمهيمنة لعرقلة أنطلاق هذا السوق وأستمراره.

ومنظمة التجارة العالمية التي تسعى الى الأشراف الفعلي على الأقتصاد العالمي لن تفسح المجال لأقتصاديات الدول العربية أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه المنظمة طالما هي عاجزة عن تأمين المواصفات التقنية والأقتصادية والمالية للأنتساب اليها ، بينما السوق الشرق أوسطية المقترحة تبقى الحل الأمثل لبعض الدول العربية للدخول من خلالها الى الأقتصاد العالمي.
وهنا تطرح القدرة على المنافسة ضمن مواصفات الجودة والنوعية ، وأي من الدول العربية تستطيع تأمين هذه الشروط؟
وما المؤتمرات الدولية التي عقدت في نهاية القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة الا الترويج لفتح الحدود والأسواق أمام السلع الوافدة من الدول ذات القدرة التنافسية لتبقى الدول العربية دور الرافعة للأقتصاد العالمي ، أما من حيث تأمين الموارد الأولية لا سيما النفط ، أو تأمين أسواق لتصريف السلع الفائضة لدى الدول المصنعة ، وعندما يعم الأمن والأستقرار دول المنطقة ويأتي هذا الكم من المشاريع التي تدعو الى التعاون الأقليمي لا سيما بين العرب والاسرائليين بعد أن أقتنع الفرقاء بعدم قدرة الواحد على إلغاء الآخر بالحرب.
فتأتي الطروحات الأقتصادية الجديدة مشروعاً للهيمنة على المقدرات العربية الأستراتيجية وأدارتها من قبل قوى السوق الفاعلة وعلى رأسها الشركات الأمريكية والأسرائيلية ، فالتعاون الأقتصادي بين دول المنطقة  يعطي لأسرائيل مواقع لم تستطع تحقيقها في حروبها مع العرب ، إذ أنها تعتبر أن التعاون الأقتصادي يعزز أمكانية السلام مع جيرانها.
ونلاحظ أن التركيز من الجانب الأسرائيلي على العناصر التي يفتقدها أقتصاده وأمنه المستقبلي ، فنرى أن أسرائيل تركز خلال المحادثات المتعددة الأطراف على المياه ومشكلة النقص الذي تعاني منه كباقي دول المنطقة ، مع العلم أن الثروات المائية العربية في كل من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة تعرضت ولا زالت تتعرض للسرقة من جانب أسرائيل ، وهي تمد طموحاتها المائية الى النيل والفرات ، مع عروض تكنولوجية متطورة الى دول الخليج لتحلية مياه البحر.
أن الحديث عن قيام سوق شرق أوسطية تحتل فيه أسرائيل موقع القلب والعقل لن يكون ذا أختلاف عن طبيعة موازين القوى العسكرية والسياسية الراجحة الى الى أمد غير منظور لصالح أسرائيل في ظل التفتت والتشرذم العربي على كافة الصعد ، لا سيما الأقتصادية فلا يتوهم أحد أن السوق الشرق أوسطية ستكون ذات منفعة لكافة الأطراف المشاركة فيها ، فالطرف الأقوى "وهو أسرائيل" سيجير أمكانات المنطقة لصالحه وبذلك تحقق أسرائيل العظمى أقتصادياً بدلاً من أسرائيل الكبرى جغرافياً من خلال بعض المشاريع واهمها:
1- توسيع شبكات نقل النفط الى المتوسط من شبه الجزيرة العربية لتصب في موانيء حيفا وأشدود ، مما يعطل المشاريع القائمة في كل من بانياس في سوريا وفي طرابلس والزهراني في لبنان.
2- أقامة مناطق تجارية وصناعية حرة لتسويق المنتجات والتعريف بأهمية التعاون الأقليمي للوصول الى أنتاج مكثف وتحاشي الأمراض والأوبئة وقيام مؤسسات البحث والتعاون لتبادل المعلومات في مختلف الميادين لما فيه قيام التوازن الأجتماعي والأقتصادي بين مختلف البلدان في الشرق الأوسط.
3- أن الأنفتاح الأقتصادي بين دول المنطقة يستوجب قيام بنى تحتية تلبي أحتياجات المرحلة المقبلة ، وما يرتسم من خلالها من مشاريع ستعدل من وظيفة كل بلد وتدفعه الى التخصص في مجالات محددة تمكنه من المنافسة على السوق.

ويبقى السؤال ، هل يمكن لأسرائيل أن تقيم سلاماً مع العرب وهي المتفوقة أستراتيجياً من دون أن تحقق من خلاله مكاسب أقتصادية؟
أن الجواب المؤكد هو النفي ، فمما لا شك فيه أن التطبيع الأقتصادي مع أسرائيل هو صلب التطبيع السياسي الذي تريده إسرائيل.
فمن الثابت أن العرب سوف يواجهون تحديات أقتصادية جمة أقليمية ودولية ، ولن يستطيعوا الصمود في وجهها والتغلب عليها منفردين كل دولة على حدة ، فما هي سبل نجاح قيام سوق عربية مشتركة اليوم؟
أن القرار السياسي شرط ضروري لقيام أي تكتل أقتصادي يأخذ بعين الأعتبار التفاوت بين أقتصاديات الدول العربية ، أو بمعنى آخر تفاوت الأداء الأقتصادي بين هذه الدول ويحاول أن يجعل الهياكل الأقتصادية متكاملة وليست متنافسة للحد من الضغوط التي تمارس من قبل القوى الفاعلة والمهيمنة لعرقلة أنطلاق هذا السوق وأستمراره.